الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عباد الله! وحديثنا عن غزوة بني قينقاع وغزوة بني النضير سيكون حول العناصر التالية:
العنصر الأول: بعد غزوة بدرٍ الكبرى كفار مكة في مكة يهددون، واليهود في المدينة يغدرون
.
العنصرالثاثي: ولا يحيق المكر السيئُ إلا بأهله.
العنصر الثالث: اليهود في المدينة يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين؛ فاعتبروا يا أولي الأبصار.
العنصر الرابع: دروس وعظات وعبر
العنصر الأول: بعد غزوة بدر الكبرى، كفار مكة في مكة يهددون، واليهود في المدينة يغدرون.
عباد الله! في الجمعة الماضية تكلمنا عن غزوة بدرٍ الكبرى وتبين لنا أن الله قد منَّ على المسلمين بنصر عظيم على الكافرين؛ بأن قتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين، وعندما وصلت أخبارُ النصر إلى مكة لم يصدقوا، حتى أنهم اتهموا الذي يخبرهم بالجنون حتى وصل جيش الكفر يجر أذيال الهزيمة والخيبة والعار، فلما تبين لهم صدق الخبر صُعِقَ نفرٌ منهم فهلك لتوِّه، وماج بعضهم في بعض من هول المصاب لا يدري ما يفعل.
ولم تزدهم الهزيمة إلا كُرها للإسلام، ونقمة على محمَّد وصحبه واضطهاداً لمن يدخل في دينه.
ولما وصلت أخبار النصر إلى المدينة؛ لم يُصدق الخبر المنافقون والمشركون واليهود حتى أنهم اتهموا المسلمين الذين يُذيعون الخبر بالكذب، حتى جاء جيش الإِسلام من بدرٍ وأعلام النصر ترفرف عليه، والأسرى مقرنين في
الأصفاد، والغنائم بين يديه، فأسلم فريق من المشركين واليهود ظاهراً، وقلوبهم تغلي حقداًَ وحسداً وكفراً، وعلى رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول، وفريق آخر سلك أسلوب الدسِّ والنفاق والغدر والتمرد.
عباد الله! كفار مكة بعد هزيمتهم في بدر، يفكرون في الانتقام من محمَّد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولكنهم يريدون أن يكون ذلك عن طريق اليهود في المدينة، فأرسلوا إليهم تهديداً، إذا لم تقتلوا محمداً فعلنا بكم كذا وكذا.
فلما وصل ذلك لليهود في المدينة بدأ الغدر، ونقض العهود والمواثيق والخيانة، وأول من نقض العهد يهود بني قينقاع.
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجلٍ من أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم:"أن كفار قريش كتبوا بعد وقعة بدرٍ إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتُقاتلُنَّ صاحبنا -أي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحولُ بيننا وبين خدم نسائكم شيء- وهي الخلاخيل .. "(1).
عباد الله! لما وصل الكتاب إلى اليهود في المدينة أجمعوا على الغدر برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وأولُ من نقض العهد وغدر؛ هم يهود بني قينقاع، وكانوا يسكنون داخل المدينة -في حي باسمهم- وكانوا صاغة وحدادين، وكانت عندهم خبرةٌ بالقتال وصنع السلاح، وكان عدد المقاتلين فيهم سبعمائة مقاتل.
عباد الله! وبعد أن نصر الله المسلمين في بدرٍ أخذ يهود بني قينقاع يثيرون الشغب، ويتعرضون بالسخرية، ويواجهون بالأذى كل مَنْ ورد سوقهم من
(1)"صحيح سنن أبي داود"(2595).
المسلمين، حتى أخذوا يتعرضون لنسائهم فجاءت امرأة إلى السوق عندهم لتبيع شيئاً، فلما جلست عند الصائغ اليهودي راودها على أن تكشف وجهها فأبت فاجتمع اليهود وراودوها أن تكشف عن وجهها فأبت، فقام الصائغ بربط طرف ثوبها في ظهرها خفية دون أن تعلم، فلما قامت المرأة انكشفت سوءاتها، فضحك اليهود فقام مسلم يوجد في السوق فقتل اليهودي فاجتمع اليهود على هذا المسلم فقتلوه، فجاء أهل المسلم واستنصروا بالمسلمين فوقع الشر بين المسلمين وبين يهود بني قينقاع.
وهذه رواية يذكرها أصحاب السير وإن كان في إسنادها ضعف، ولكن هذا لا يستغرب من أفعال اليهود.
ولم يكتفوا بذلك بل قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا محمَّد لا يغرنك من نفسك أنك قتلت نفراً من قريش، كانوا أغماراً لا يعرفون القتال، إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحنُ الناس، وأنك لم تلق مثلنا.
فأنزل الله تعالى قرآناً ينذر هؤلاء بسوء المنقلب: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)} [آل عمران: 12 - 13].
عباد الله! وفي قولهم هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم إعلان منهم سافرٌ عن الحرب، ونقضٌ منهم للعهود والمواثيق، ولم يكتفوا بذلك بل أخلُّوا بالأمن في داخل المدينة وأخذوا يتعرضون لنساء المسلمين فلما فعلوا ذلك سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكتائب، المسلمة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكمه، فأراد قتلهم