الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ورسولنا صلى الله عليه وسلم يخبرنا بأحوال الناس قبل بعثته فيقول صلى الله عليه وسلم: "ألا إن ربي أمرني أن أعلِّمكم ماجهلتم مما علمني يومي هذا، كل مال نحلته عبداً حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً، وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب .. الحديث"(1).
وها هو الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يصور لنا أحوال الناس في مكة قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول للنجاشي:"أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث وأداء الأمانة وصلة الرحم وحُسن الجوار .. "(2).
عباد الله! فالناس في حاجة إلى أن يرسل الله تبارك وتعالى إليهم رسولاً يخرجهم من هذه الظلمات التي يتقلبون فيها.
العنصر الثاني: الأحداث العظام التي سبقت ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم
-
أولى هذه الأحداث: قصة حفر عبد المطلب لزمزم، والذي يخبرنا بهذه
(1) رواه مسلم (رقم 2865).
(2)
"فقه السيرة"(ص 34) للغزالي، تحقيق شيخنا الألباني رحمه الله.
القصة هو الصحابي الجليل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فيقول: (قال عبد المطلب: إني لنائم في الحجر إذ أتاني آت فقال: احفر طيبة، قال: قلت: وما طيبة؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان من الغد رجعت إلى مضجعي، فنمت فيه، فجاءني فقال: احفر برَّة. قال: فقلت: وما برَّة؟ قال: ثم ذهب عني، فلما كان الغدُ رجعت إلى مضجعي فنمت فيه فجاءني فقال: احفر المضنونة، قال: فقلت: وما المضنونة؟ قال: ثم ذهب عني فلما كان الغد رجعت إلى مضجعي فنمت فيه؟ فجاءني فقال: احفر زمزم قال: قلت: وما زمزم؟ قال: لا تنزف أبداً -أي لا ينقطع ماؤها- ولا تُذم، تسقي الحجيج الأعظم وهي بين الفرث والدم، عند نقرة الغراب الأعصم، عند قرية النمل، فلما بُين له شأنها، ودل على موضعها، وعرف أنه قد صدق، غدا بمعوله ومعه ابنه الحارث بن عبد المطلب، ليس له يومئذ ولد غيره، فحفر فيها، فلما بدا لعبد المطلب الطيُّ كبَّر، فعرفت قريش أنه قد أدرك حاجته فقاموا إليه، فقالوا: يا عبد المطلب إنها بئرُ أبينا إسماعيل وإن لنا فيها حقاً، فأشركنا معك فيها، قال: ما أنا بفاعل إن هذا الأمر قد خصصت به دونكم وأعطيته من بينكم؛ فقالوا له: فأنصفنا فإنا غير تاركيك حتى نخاصمك فيها، قال: فاجعلوا بيني وبينكم من شئتم أحاكمكم إليه، قالوا: كاهنة بني سعد. قال: نعم، قال: وكانت بأشراف الشام، فركب عبد المطلب ومعه نفر من بني أبيه من بني عبد مناف وركب من كل قبيلة نفر من قريش.
قال: والأرض إذ ذاك مفاوز، قال: فخرجوا حتى إذا كانوا ببعض تلك المفاوز بين الحجاز والشام فني ماء عبد المطلب وأصحابه، فظمئوا حتى أيقنوا بالهلكة، فاستسقوا من معهم من قبائل قريش، فابوا عليهم، فقالوا: إنا بمفازة، ونحن نخشى على أنفسنا مثل ما أَصابكم، فلما رأى عبد المطلب ما صنع القوم وما يتخوف على نفسه وأصحابه، قال: ماذا ترون؟ قالوا: ما
رأيُنا إلا تبعٌ لرأيك، فمُرنا بما شئت.
قال: فإني أرى أن يحفر كل رجل منكم حفرته لنفسه بما بكم الآن من القوة، فكلما مات رجل دفعه أصحابه في حفرته ثم واروه، حتى يكون آخركم رجلاً واحداً، فضيعة رجل واحد أيسر من ضيعة ركبٍ جميعاً، قالوا: نِعم ما أَمرتْ به، فقام كلُّ واحدٍ منهم فحفر حفرته، ثم قعدوا ينتظرون الموت عطشاً، ثم إن عبد المطلب قال لأصحابه: والله إن إلقاءنا بأيدينا هكذا للموت، لا نضرب في الأرض، ولا نبتغي لأنفسنا لعجز، فعسى الله أن يرزقنا ماءً ببعض البلاد، ارتحلوا، فارتحلوا. حتى إذا فرغوا ومن معهم من قبائل قريش ينظرون إليهم ما هم فاعلون، تقدم عبد المطلب إلى راحلته فركبها، فلما انبعثت به، انفجرت من تحت خفها عينٌ من ماء عذب، فكبَّر عبد المطلب وكبر أصحابه، ثم نزل فشرب وشرب أصحابه، واستقوا حتى ملأوا أسقيتهم، ثم دعا القبائل من قريش، فقال: هلمّ إلى الماء، فقد سقانا الله فاشربوا واستقوا، فجاءوا فشربوا واستقوا ثم قالوا: قد والله قضى لك علينا يا عبد المطلب، والله لا نخاصمك في زمزم أبداً، إن الذي سقاك هذا الماء بهذه الفلاة لهو الذي سقاك زمزم، فارجع إلى سقايتك راشداً، فرجع ورجعوا معه، ولم يصلوا إلى الكاهنة، وخلوا بينه وبينها (1).
عباد الله! حدث عظيم وما منكم إلا وقد شرب من هذا البئر، لا ينقطع أبداً مهما أخذ منه، فهو يتدفق بأمر الله سبحانه وتعالى يسقي الحجيج.
عباد الله! ومن الأحداث التي حدثت قبل مولد النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) انظر "مغازي ابن إسحاق"(ص 3)، "سيرة ابن هشام"(1/ 179 - 181)، "دلائل النبوة"(1/ 93) للبيهقي، "وقفات تربوية""السيرة النبوية الصحيحة".
قصة نذر عبد المطلب بأن ينحر أحد أبنائه.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: " .. كان عبد المطلب بن هاشم نذر إن توافى له عشرة رهط -أي أعطاه الله عشرة أولاد- أن ينحر أحدهم، فلما توافى له عشرةٌ، أقرع بينهم أيهم ينحرُ، فطارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب والد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحب الناس إلى عبد المطلب، فقال عبد المطلب: اللهم هو أو مائة من الإبل، ثم أقرع بينه وبين الإبل، فطارت القرعة على المائة من الإبل"(1).
عباد الله! والحادث يوحي بما خطهُ القدر الإلهي من ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه عبد الله بن عبد الطلب، فقد حفظ اللهُ حياة عبد الله بما صرف عبد المطلب عن نحره.
وتزوج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب، وحملت آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
عباد الله! ومن الأحداث العظام التي سبقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم، قصة أصحاب الفيل، وهذه القصة مشهورة تعرفونها وقد ثبتت في الكتاب والسنة: قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)} [سورة الفيل].
قال ابن كثير رحمه الله: هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم
(1)"السيرة النبوية الصحيحة" لأكرم ضياء العمري (ص 93).
الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله وأرغم آنافهم وخيب سعيهم وأضل عملهم، وردهم بشرِّ خيبة، وكانوا قوماً نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالاً مما كان عليه قريش من عبادة الأصنام، ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال. ولكن الله لم ينصر قريشاً على الحبشة لخيرتهم عليهم بل صيانة للبيت العتيق الذي شرفه الله وعظمه ووقره ببعثة خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم (1).
عباد الله! وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تشير إلى قصة الفيل فمنها.
قال صلى الله عليه وسلم: "فضل الله قريشاً بسبع خصال:
1 -
فضلهم بأن عبدوا الله سنين لا يعبده إلا قرشيٌ.
2 -
وفضلهم بأن نصرهم يوم الفيل وهم مشركون.
3 -
وفضلهم بأن نزلت فيهم سورة من القرآن لم يُدخل فيهم غيرهم (لإيلاف قريش)
4 -
وفضلهم بأن فيهم النبوة.
5 -
والخلافة.
6 -
والحجابة.
7 -
والسقاية" (2).
(1)"تفسير ابن كثير".
(2)
"السلسلة الصحيحة"(رقم 1944).