الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الحادية والثلاثون: الترغيب في القتال والجهاد في سبيل الله
عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع اللقاء الحادي والثلاثين من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وحديثنا في اللقاء سيكون عن: الترغيب في القتال والجهاد في سبيل الله.
عباد الله! في الجمعة الماضية تكلمنا عن الأهداف السامية التي من أجلها شُرع القتال في سبيل الله.
وتبين لنا أن الإِسلام فرض القتال على المسلمين؛ لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى دائماً.
وتبين لنا أيضاً؛ أن الإِسلام أدب المجاهدين في سبيل الله بآدابٍ قبل المعركة وأثناء المعركة، وبعد الانتهاء من المعركة.
عباد الله! ولما كان القتال فيه مشقة على النفوس البشرية، جاءت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة تُرغِبُ وتَحُثُّ وتُحَرِضُ على القتال والجهاد في سبيل الله
ففي كتاب ربنا:
قال تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (216)} [البقرة: 216]، وقال تعالى:{وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)} [آل عمران: 157].
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111)} [التوبة: 111]، وقال تعالى:{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)} [آل عمران: 169].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38)} [التوبة: 38]، وقال تعالى:{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)} [التوبة: 19 - 22]، وقال تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً
وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)} [النساء: 95 - 96].
عباد الله! وقد جاءت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تُرغبُ في القتال والجهاد في سبيل الله.
سُئل- صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أفضل؟
قال صلى الله عليه وسلم: "إيمان بالله ورسوله"
قيل: ثم ماذا؟
قال: "الجهاد في سبيل الله".
قيل: ثم ماذا؟
قال: "حجٌ مبرور".
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ الناس أفضلُ؟
قال صلى الله عليه وسلم: "مؤمن يجاهد بنفسه وبماله في سبيل الله"(1).
وسئل صلى الله عليه وسلم: أيُّ المؤمنين أكملُ إيماناً؟
قال صلى الله عليه وسلم: "الذي يجاهد بنفسه وماله، ورجل يعبدُ الله في شعبٍ من الشعاب وقد كفى الناس من شره"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة؟
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 26)، ومسلم (رقم 83).
(2)
"صحيح الترغيب والترهيب"(1297).
اغزوا في سبيل الله، من قاتل في سبيل الله فواق ناقة" -أي قدر ما تحلب الناقة- "وجبت له الجنة" (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الجنة مئة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض"(2).
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما أحد يدخلُ الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيدُ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا، فيُقتل عشر مراتٍ، لما يرى من الكرامة".
وفي رواية: "لِمَا يرى مِن فضل الشهادة"(3).
وقال صلى الله عليه وسلم: "للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في أوله دفعة من دمه، ويرى مقعدهُ من الجنة، ويُجارُ من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، وُيحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، وُيشفّع في سبعين إنسانٍ من أقاربه"(4).
وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:- يا رسول الله دُلَّني على عملٍ يعدلُ الجهادَ؟
قال صلى الله عليه وسلم "لا أجدهُ".
ثم قال صلى الله عليه وسلم: "هل تستطيع إذا خرج المجاهد أن تدخل مسجدك، فتقوم
ولا تفتر، وتصوم ولا تفطر؟ ".
فقال الرجل: ومن يستطيع ذلك؟! (5)
(1)"صحيح الترغيب والترهيب"(1301).
(2)
رواه البخاري (رقم 2790).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2817)، ومسلم (رقم 1877).
(4)
"صحيح ابن ماجه"(2257).
(5)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2785)، ومسلم (رقم 1878)
وقال- صلى الله عليه وسلم: "عينان لا تمسُّهما النار: عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرسُ في سبيل الله"(1).
عباد الله! الإِسلام هو دين الله في الأرض إلى أن يرث اللهُ الأرض ومن عليها، ويوم القيامة لا يقبل الله ديناً غيره.
قال تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} [آل عمران: 85]
والإِسلام عندما أذن للمسلمين بالقتال وفرضه عليهم، بيَّن لهم الأهداف السامية التي يحاربون من أجلها.
وأدَّب الإِسلام المجاهدين في سبيل الله بآداب إسلامية قبل المعركة، وأثناء المعركة، وبعد الانتهاء من المعركة، ثم رغب الإِسلام في الجهاد في سبيل الله.
ومع ذلك لا يحرص الإِسلام والمسلمون على الحرب، وإشعال الحرب، ولكن إذا فَرَضَتْ الحربُ نفسها على المسلمين، صبروا، وحاربوا من أجل إعلاء كلمة لا إله إلا الله.
يقول- صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"(2).
فالإِسلام هو دين السلام ولذلك سمى اللهُ الإِسلام سلماً.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: 208].
(1)"رياض الصالحين" تحقيق الألباني (1313).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 7237)، ومسلم (رقم 1742).
والجنة دار السلام جعل الله من أسباب دخولها إفشاء السلام.
قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم"(1).
وأول شيءٍ صدع به النبي صلى الله عليه وسلم عندما قدم إلى المدينة قال:
"يا أيها الناس! أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنةَ بسلام"(2).
عباد الله! والكفار إذا كفوا أيديهم عن المسلمين، ولم يصدوا عن سبيل الله، وتركوا المسلمين يتحركون في الأرض بدين الله، يدعون عباد الله إلى الله، فالإِسلام لا يأمر بقتالهم أبداً.
قال تعالى: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61]
وكان صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً في سبيل الله أعلمهم، وأدبهم، وأمرهم أن يدعوا الناس أولاً إلى الإسلام، فإذا أجابوهم إلى الإِسلام فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين، ولا قتال ولا إكراه في الدين، فإن رفضوا الإِسلام يدفعوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، فإن رفضوا الإِسلام والجزية يأتي الإِسلام هنا -بعد أن فرض الكفار على أنفسهم القتال- فيقاتلهم الإِسلام لأنهم لولا أنهم هم يريدون القتال لدخلوا في الإِسلام أو
(1) رواه مسلم (رقم 54).
(2)
"صحيح ابن ماجه"(6230).
لدفعوا الجزية، حتى يفهم الجميع يا عباد الله، أن الإِسلام، هو دين السلام وهو دين الرحمة ولا يُشْعِلُ ناراً للحرب أبداً في أي مكان.
ولقد أخبرنا ربنا -جل وعلا- في كتابه؛ أن اليهود يشعلون نار الحرب هنا وهناك، وها هو التاريخ يشهد بذلك، ما من حرب قامت على وجه الأرض إلا وراءها اليهود؛ لأنهم يعيشون ويترعرعون على الحروب.
فإذا فُرضِتْ الحربُ على المسلمين يأتي الإِسلامُ، ويقول للمسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم:"لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف"(1).
ففي الوقت الذي أمر الإِسلام ورغبَّ في الجهاد في سبيل الله، بيَّن أن الإِسلام هو دين الرحمة والسلم والسلام والأمان.
قال تعالى: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90)} [النساء: 90].
وقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)} [الممتحنة: 8].
عباد الله! ولكن إذا اعتدى الكفار على المسلمين وعلى بلاد المسلمين، وصدوا عن سبيل الله، عندها أمر الإِسلام المسلمين أن يقاتلوا الكفار، ويصبروا على ذلك، وبيَّن الإسلام للمسلمين أنهم في قتالهم للكفار؛ فإنها إما النصر وإما الشهادة.
قال تعالى: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ
(1) متفق عليه، مضى قريباً.
أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52)} [التوبة: 52].
ولذلك أمر الإِسلام المسلمين بالصبر والثبات عند لقاء العدو.
فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)} [الأنفال: 45 - 46].
وقال صلى الله عليه وسلم: "فإذا لقيتموهم فاصبروا".
ثم جاء الإِسلام يحث المسلمين ويرغبهم في قتال الكفار الذين حاربوا المسلمين، وصدوا عن سبيل الله .. اللهم انصر الإِسلام وأعز المسلمين.