الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الخامسة والعشرون
الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من إسلام عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله عنهما
-
أيها الإخوة عباد الله! موعدنا في هذا اليوم -إن شاء الله تعالى- مع لقاء جديد من سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحديثنا في هذا اللقاء سيكون عن الدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من قصة إسلام عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله عنهما.
عباد الله! في الجمعة الماضية تبين لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما وصل إلى المدينة نزل في دار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وكانت الدار من طابقين فنزل صلى الله عليه وسلم في الطابق الأرضي، فلما طَلبَ منه أبو أيوب أن يصعد إلى الطابق العلوي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت"، وبدأت الوفود تتوافد على رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار أبي أيوب، وكان ممن جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يبحث عن الحق، عبد الله بن سلام وكان رجلاً يهودياً فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فلما أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم قال "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله" ثم قال ابن سلام: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت .. الخ.
عباد الله! وتكلمنا في الجمعة الماضية أيضاً عن سلمان الفارسي رضي الله عنه وكيف انتقل من بلد إلى بلد، ومن رجل إلى رجل يبحث عن الحق فعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وعلم به سلمان الفارسي ذهب إليه، فلما وجد منه الصفات التي أخبروه عنها؛ وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأكل الصدقة، ويأكل
الهدية، وبين كتفيه خاتم النبوة، أسلم ودخل في دين الله، وكان سلمان الفارسي رضي الله عنه عبداً عند يهودي فأعانه النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة حتى تحرر من الرق وحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق وما بعدها من الغزوات.
أمة الإِسلام! وفي قصة إسلام عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله عنهما دروس وعظات وعبر منها:
أولاً: تواضعه صلى الله عليه وسلم ورأفته ورحمته بأصحابه وبضيوفه، وهذا يظهر من نزوله في الطابق السفلي من دار أبي أيوب الأنصاري، ومن قوله صلى الله عليه وسلم:"يا أبا أيوب! إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن نكون في سفل البيت".
عباد الله! من اللحظة الأولى وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه في مكان يسهل على جميع الناس أن يصلوا إليه، ولم يجعل على بيته بوابين يمنعون الناس من الدخول عليه صلى الله عليه وسلم، فهذا عبد الله بن سلام من اليهود، ومع ذلك دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسأله وتكلم معه ثم أسلم، والشاهد على أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس على بابه بوابين:
مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على امرأة تبكي عند قبر فقال لها: "اتقي الله واصبري" فقالت: إليك عني؛ فإنك لم تصب بمصيبتي، ولم تعرفه، فقيل لها: إنه النبي صلى الله عليه وسلم فأتت باب النبي صلى الله عليه وسلم، فلم تجد عنده بوابين، فقالت: لم أعرفك.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الصبر عند الصدمة الأولى"(1).
الشاهد يا عباد الله! أنها لم تجد على بابه بوابين يمنعونها من الدخول على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 1283)، ومسلم (رقم 926).
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم.
يقول أنس رضي الله عنه: إن كانت الأمة -أي العبدة المملوكة- من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت" (1) وذلك ليقضي لها حاجتها، إنها أخلاق النبوة.
- وسئلت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان يكون في مهنة أهله- يعني: خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة (2). وكان صلى الله عليه وسلم إذا مرَّ على الصبيان سلم عليهم (3).
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله"(4).
وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أوحى إلى؛ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد"(5).
والله عز وجل يثني عليه في كتابه فيقول: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)} ، وقال تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
عباد الله! وبهذا التواضع، وبهذه الرحمة، وبهذا الرفق من رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)"رياض الصالحين"(رقم 610) تحقيق الألباني.
(2)
رواه البخاري (رقم 676).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 6247)، ومسلم (رقم 2168).
(4)
رواه البخاري (رقم 3445).
(5)
رواه مسلم (رقم 2865 بعد 64).
بأصحابه، وبالناس أقبل الناس عليه، والتفوا حوله، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)} [آل عمران: 159].
ثانياً: اليهود قوم بهت -أي أهل إفك وكذب يقولون في الإنسان ما ليس فيه-
وهذا يؤخذ من قول أحد علمائهم وهو عبد الله بن سلام بعد أن شرح الله صدره للإسلام فقال: يا رسول الله! إن اليهود قوم بهت.
والبهتان يا عباد الله! هو: أن ترمي الرجل بما ليس فيه
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما الغيبة"
قالوا: الله ورسوله أعلم
قال صلى الله عليه وسلم: "ذكرك أخاك بما يكره"
قيل: يا رسول الله أفرأيت إن كان في أخي ما أقول
قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته"(1).
فهذا تاريخ اليهود الأسود يشهد لهم بذلك؛ يقلبون الحقائق فنراهم في واقعنا المعاصر يقتلون المسلمين في أرض فلسطين ثم بعد ذلك باستخدامهم لوسائل الإعلام يقلبون الحقائق ويظهرون للناس أنهم هم الذين يُقْتَلونَ.
(1) رواه مسلم (رقم 2589).
فاليهود قوم بهت:
1 -
ومن بهتانهم: أنهم كذبوا على الله فوصفوه بما لا يليق وقد فضحهم الله في كتابه، قال تعالى:{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)} [آل عمران: 181]. وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: 64]، وقال تعالى:{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (30)} [التوبة: 30].
2 -
ومن بهتانهم: أنهم اتهموا مريم بالزنا، قال تعالى:{وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156)} [النساء: 156].
3 -
ومن بهتانهم: أنهم زعموا أن جبريل عليه السلام عدوٌّ لهم وهذا يظهر من قول ابن سلام قبل أن يسلم عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم "أخبرني بهن جبريل آنفا" فقال ابن سلام: جبريل، قال صلى الله عليه وسلم:"نعم"، قال ابن سلام: ذاك عدو اليهود من الملائكة، فالله عز وجل كذبهم ورد عليهم فقال تعالى:{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)} [البقرة: 97 - 98].
عباد الله! اليهود أهل حقد وحسد على المسلمين، وقد فضحهم الله في
كتابه؛ فقال تعالى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} [آل عمران: 118]. وقال تعالى: {يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ} وقال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109].
اليهود لا يحبون الخير للمسلمين أبداً، وهم أشد الناس عداوة للمؤمنين، قال تعالى:{مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ} [البقرة: 105]، وقال تعالى:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ} [المائدة: 82].
عباد الله! اليهود يعملون بالليل والنهار، وينفقون أموالهم ليصرفوا المسلمين عن دينهم، وذلك لأن اليهود تقوى على حساب تفرق المسلمين وضعفهم وبعدهم عن دينهم. قال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217]، وقال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة: 109]، وقال تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120].
عباد الله! اليهود هم أكلة الربا في العالم كله قال تعالى: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (161)} [النساء: 160 - 161].
اليهود ينقضون العهود والمواثيق وهم قتلة الأنبياء قال تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ
قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155)} [النساء: 155]
اليهود هم أفسد الناس في الأرض على الإطلاق، وهم الذين يشعلون الحروب بين الناس لأنهم لا يعيشون إلا على حساب خراب بيوت الآخرين قاتلهم الله. قال تعالى:{كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)} [المائدة: 64].
اليهود يسارعون إلى الإثم والعدوان وأكل الحرام ليلاً ونهاراً قال تعالى: {وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)} [المائدة: 62].
اليهود من أشر الناس ومن أضل الناس، ولذلك غضب الله عليهم ولعنهم، قال تعالى:{قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)} [المائدة: 60]، وقال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78 - 79].
اليهود من أجبن الناس على الإطلاق؛ قال تعالى: {لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (13) لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (14)} [الحشر: 13 - 14].
ثالثاً: على الإنسان أن يبحث عن الحق ليلاً ونهاراً، فإن وجده اتبعه بلا تردد، وهذا يؤخذ من فعل عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله عنهما.
فهذا عبد الله بن سلام عندما نظر إلى وجه النبي صلى الله عليه وسلم ووجده ليس بوجه كذاب، وعندما سأله عن المسائل الثلاث وأجابه النبي صلى الله عليه وسلم، عرف ابن سلام أن النبي صلى الله عليه وسلم حق، وأنه جاء بالحق من عند الله تعالى، فعندها بلا تردد قال: أشهد أن لا إله الله وأشهد أنك رسول الله، وقال ابن سلام لليهود: يا معشر اليهود! اتقوا الله؟ فوالله الذي لا إله غيره إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بالحق.
وهذا سلمان الفارسي رضي الله عنه، ترك أهله، وترك الغنى عند أبيه، وانتقل من بلد إلى بلد، ومن شخص إلى شخص، وباعوه عبداً لرجل من اليهود، ومع ذلك يبحث عن الحق فعندما التقى برسول الله صلى الله عليه وسلم وقدم له الصدقة فلم يأكل النبي صلى الله عليه وسلم منها، وقدم له الهدية فأكل صلى الله عليه وسلم منها، ورأى سلمان خاتم النبوة بين كتفي النبي صلى الله عليه وسلم انكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبله ويبكي، ودخل في دين الله، فعلى الإنسان أن يبحث دائماً عن الحق في كل شيء، فإذا وجده اتبعه بلا تردد؛ لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال، ولأن الحق أحق أن يتبع، فكم من إنسان منعه الكبر من اتباع الحق؟! وكم من إنسان منعه الجهل من اتباع الحق، وكم من إنسان منعته الدنيا وحب الدينار عن اتباع الحق، وكم من إنسان منعته الحزبية البغيضة عن اتباع الحق؟!
قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)} [الحج: 62].
رابعاً: ضرورة التعاون على البر والتقوى، وضرورة مساعدة المحتاج، وضرورة التعاون على قضاء الدين عن المدين.
وهذا يؤخذ من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم مع سلمان الفارسي رضي الله عنه عندما ساعدوه ليتحرر من الرق فالله عز وجل يقول:
{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} .
وقال صلى الله عليه وسلم: "أعينوا أخاكم" أي: سلمان (1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً؛ ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه .. "(2).
فإذا ابتلي رجل من المؤمنين الصالحين بِدَين، من غير إسراف ولا تبذير، ولا محاربة لله ورسوله بالمعاصي، فإنه يجب على المسلمين أن يتعاونوا مع هذا الرجل على قضاء هذا الدين عنه، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة مع سلمان الفارسي رضي الله عنه.
قال صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عون"(3) أي: أعانه الله.
وقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يدان ديناً يعلم الله منه أنه يريد قضاءه، إلا أداه الله عنه في الدنيا"(4)
اللهم أعز الإِسلام والمسلمين.
(1) مضى تخريجه.
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2442)، ومسلم (رقم 2580) واللفظ له.
(3)
"صحيح الجامع"(5610).
(4)
"صحيح الجامع"(5553).