الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعاً: وضع الكمائن لمباغتة جيش المسلمين والانقضاض عليهم، وقد كادت هذه الخطة أن تقضي على قوات المسلمين لولا لطف الله سبحانه وتعالى وعنايته.
خامساً: أمر جيشه بالمبادرة بالهجوم على المسلمين؛ لأن النصر في الغالب يكون للمهاجم، أما المدافع فغالباً ما يكون في مركز الضعف.
ولهذا أتت هذه الخطةُ ثمارها بعض الوقت -أي: في بداية المعركة- ثم اختلت موازين القوى- بفضل الله تعالى- ثم بثبات رسول الله- صلى الله عليه وسلم حيث كسب المسلمون الجولة، وانتصروا على أعدائهم.
العنصر الثاني: جيش المسلمين بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعد في مكة للقضاء على بقايا الشرك والوثنية. وأحداث الطريق
.
عباد الله! ولما وصلت الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أن مالك بن عوفٍ -قائد المشركين- خرج بجيشٍ قوامُهُ عشرين ألفاً لقتال المسلمين بعد فتح مكة، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يلي:
أولاً: أرسل أبا حدرد الأسلمي فقال له: اذهب فادخل في القوم حتى تعلم لنا مِن علمهم، فدخل فمكث فيهم يوماً أو يومين ثم أقبل فأخبره الخبر (1).
ثانياً: جهز صلى الله عليه وسلم جيشاً إسلامياً قوامه اثني عشر ألفاً، يقول أنسٌ رضي الله عنه: "لما كان يوم حنين أقبلت هوازان وغطفانُ بذراريهم ونعمهم، ومع النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ عشرةُ آلافٍ، ومعه الطلقاء- الذين أطلقهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح
(1)"المستدرك" للحاكم (3/ 48، 149).
مكة وخلى سبيلهم- وهم ألفان" (1)،
ثالثاً: وزيادة في الاحتياط وأخذاً بالأسباب، أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية -وهو لا يزال على شركه- يستعير منه أسلحة ودروعاً، فقال له:"أعطنا سلاحك هذا، نلقي به عدوَّنا غداً -إن شاء الله-".
فقال صفوان: أغصبٌ يا محمَّد؟
قال صلى الله عليه وسلم: "لا بل عارية مؤداةٌ" فأعاره ثلاثين درعاً وثلاثين بعيراً (2).
عباد الله! خرج رسول الله- صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين من مكة، وفي الطريق عيون رسول الله صلى الله عليه وسلم تتقدم الجيش لتأتي بأخبار العدو، وجاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إنِّي انطلقت بين أيديكم حتى طلعت جبل كذا وكذا، فإذا أنا بهوازن عن بكرة أبيهم بظعنهم ونعمهم ونسائهم، اجتمعوا إلى حنين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"تِلك غنيمة المسلمين غداً -إن شاء الله تعالى-"(3) وهذه بُشرى.
وفي الطريق وجيش المسلمين يسير بهذا العدد الكبير؛ نظر المسلمون بعضهم إلى بعض والأرض قد امتلأت بهم، فقال بعضهم: لن نُغلبَ اليوم من قلةٍ، ولذلك عاتبهم الله في كتابه فقال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4337)، ومسلم (رقم 1509 بعد 135).
(2)
"صحيح أبي داود"(3045).
(3)
"صحيح أبي داود"(2183).
مُدْبِرِينَ (25)} [التوبة: 25].
عباد الله! وفي الطريق وقعت مخالفة من الطلقاء -أي الذين دخلوا في الإِسلام حديثاً- تعالوا بنا لنستمع إلى أحدهم وهو يخبرنا الخبر.
يقول الحارث بن مالك: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حنين ونحن حديثو عهدٍ بالجاهلية، قال: فسرنا معه إلى حنين وكانت كفار قريش ومن سواهم من العرب لهم شجرةٌ عظيمة خضراء يقال لها: ذات أنواط؛ يأتونها كل سنةٍ فيعلقون أسلحتهم عليها ويذبحون عندها، ويعكفون عليها يوماً.
قال: فرأينا ونحن نسيرُ مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم سدرة خضراء عظيمةُ.
قال: فتنادينا من جنبات الطريق: يا رسول الله! اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذاتُ أنواطٍ.
قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر، قلتم والذي نفسي بيده كما قال قوم موسى لموسى:{اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)} إنها السُنن لتركبن سَنَنَ من كان قبلكم (1).
عباد الله! معلوم أن هذا القول لم يصدر من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وإنما كان من مُسلمة الفتح، الذين أسلموا قريباً وصدق الله إذ يقول:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
فلا يستوي إيمانُ مسلمة الفتح وإيمان من سبقوهم من المهاجرين والأنصار؛ لأن مُسلمة الفتح لم ينهلوا بعدُ من المورد العذب، لم ينهلوا بعد
(1)"صحيح سنن الترمذي"(1771).