الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العنصر الثالث: رسول الله صلى الله عليه وسلم والجيش الإِسلامي في طريقهم إلى مكة وأحداث الطريق
.
عباد الله! خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجيش الإِسلامي من المدينة، في رمضان من السنة الثامنة للهجرة في عشرة آلاف مقاتل.
وخرج- صلى الله عليه وسلم صائماً، وصام الجيش معه، حتى إذا كان بالكديد- مكان بين مكة والمدينة -أفطر- صلى الله عليه وسلم -وأظهر فِطرهُ أمام الجيش ليروه ليقتدوا به فيفطروا، فلما رأوه قد أفطر أفطروا، ومازال رسول الله- صلى الله عليه وسلم يفطر في رمضان عام الفتح، ويقصر الصلاة حتى رجع إلى المدينة.
عباد الله! الجيش الإِسلامي بقيادة رسول الله- صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى مكة.
وفي الطريق: يلتقي العباس بن عبد المطلب عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين، وذلك عندما خرج العباس بعياله مُهاجراً من مكة إلى المدينة، وهو لا يدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قادمٌ من المدينة فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطريق فلزمه، وكان العباس مسلماً ولكنه كان مقيمًا في مكة.
عباد الله! وفي الطريق: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بجيش المسلمين في مكان بالقرب من مكة يُسمى "مرَّ الظهران" بالليل. فنزل الجيش، ونصبت الخيام، وأُوقدت النيران في معسكر يضم عشرة آلاف مقاتل، حتى أضاء منها الوادي، وفي هذه الليلة خرج أبو سفيان عظيم قريش وحكيم بن حزام وبُديل بن ورقاء يلتمسون الأخبار، فلما رأوا تلك النار قال أبو سفيان: كأنها نيران عرفة، فقال حكيم بن حزام: كأنهم بنو عمرو فقال أبو سفيان: بنو عمرو أقل من هذا.
وبينما هم يتحدثون إذ مرَّ عليهم عيون رسول الله- صلى الله عليه وسلم فأخذتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوقع ثلاثة من كبراء مكة أسرى للجيش الإِسلامي.
هذا أبو سفيان الذي قال في غزوة أُحد: اعل هُبل، أبو سفيان الذي قال في غزوة أحد لنا العُزى ولا عزى لكم، فها هو بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسيراً.
فما تظنون أن يفعل به رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ دعاه صلى الله عليه وسلم طوال الليل إلى الإِسلام فأسلم أبو سفيان.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يخبرنا الخبر: يقول ابن عباس رضي الله عنهما: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم "مرَّ الظهران"، قال العباس: والله لئن دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم مكة عنوة قبل أن تستأمنه قريش لقد هلكت قريش.
فركب العباس بغلة رسول الله- صلى الله عليه وسلم وانطلق يبحث عن ذي حاجةٍ يأتي مكة، فيأمرهم أن يخرجوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيستأمنوه قبل أن يدخل عليهم مكة.
قال العباس: فبينما أنا أسيرُ إذ سمعت صوت أبي سفيان وبُديل بن ورقاء يتحدثان.
فقلت: أبا سفيان، فعرف صوتي فقال: العباس، فقلت: نعم.
قال أبو سفيان: مالك فداك أبي وأمي؟ قال العباس: رسول الله والناسُ.
قال أبو سفيان: ويحك فما الحيلة؟
قال العباس لأبي سفيان: اركب ورائي، فركب وراءه فأتى به النبي- صلى الله عليه وسلم فأسلم.
فقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر فاجعل له منه شيئاً.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن"(1).
فأراد أبو سفيان أن ينصرف فيأتي أهل مكة فيخبرهم؛ فقال النبي- صلى الله عليه وسلم
للعباس: "يا عباس احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل، حتى تمر به جنود الله فيراها".
قال العباس: فانطلقت بأبي سفيان فحبسته حيث أمرني رسول الله- صلى الله عليه وسلم أن أحبسه، فجعلت القبائل تمرُّ علينا قبيلةً بعد قبيلةٍ، كلما مرت قبيلة سألني أبو سفيان: من هؤلاء؟ أقول بني سُليم، يقول: ماليَ ولبني سُليم ثم تمر القبيلة فيقول من هؤلاء؟ أقول مُزينة، يقول: مالي ولمزينة، فجعلت القبائل تمرُّ قبيلة قبيلة، كلما رأى قبيلة قال: يا عباسُ من هؤلاء؟ أقول بني فلان، يقول ماليَ ولبني فلان، حتى مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء معه الأنصار والمهاجرون لا تُرى منهم إلا الأعين فلما رآهم أبو سفيان قال: يا عباس من هؤلاء؟
قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم معه المهاجرون والأنصار.
قال أبو سفيان: يا عباس! ما لأحدٍ بهؤلاء من قبل ولا طاقة.
ثم قال أبو سفيان: يا عباس! لقد أصبح ملك ابن أخيك الآن عظيماً.
فأراد العباس أن يصحح هذه الفاهيم لأبي سفيان فقال له: يا أبا سفيان ليس الملك ولكنها النبوة؛ ليعلم الجميع أن محمداً صلى الله عليه وسلم ما جاء يوماً يبحث عن الملك ولا عن الدنيا إنما جاء بالنبوه ليدعو الناس إلى هذا الدين العظيم.
(1) رواه مسلم (رقم 1780) وانظر "صحيح أبي داود"(2611).