الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: أخبرني أنت يا رسول الله؟ فأخبره بما كان، فقال الصحابيُّ: والله يا رسول الله ما نقصت مما دار حرفاً. قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4)} [النجم: 3 - 4](1).
العنصر الخامس: الفوائد والدروس والعظات والعبر التي تؤخذ من غزوة مؤتة:
أولاً: المسلمون ينتصرون على أعدائهم في المعارك بالإِسلام العظيم الذي أكرمهم الله به، وهذا يؤخذ من قول عبد الله بن رواحة رضي الله عنه عندما قال لأصحابه في غزوة مؤته: والله ما نقاتل القوم -أي العدو- بعدَّة ولا عدد ولا كثرة، والله ما نقاتلهم إلا بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فامضوا يا قوم على بركة الله، فهي والله إحدى الحسنيين: إما الظفر وإما الشهادة".
ويؤخذ أيضاً من قول ثابت رضي الله عنه لأبي هريرة عندما قال له: "يا أبا هريرة كأنك ترى جموعاً كثيرة. قال أبو هريرة: أي والله، قال ثابت: إنك لم تشهد معنا بدراً، إنا لا ننصر بالكثرة".
ففي بدرٍ نصر الله المسلمين وهم قلة قال تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: 123].
ويوم حنين أُعجب المسلمون بكثرتهم فلم تُغنِ عنهم شيئاً.
قال تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ
(1)"زاد المعاد"(3/ 384).
مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)} [التوبة: 25 - 26].
فالنصر من عند الله تعالى؛ ولو كان المسلمون قلة إذا رجعوا إلى دينهم ونصروا الله في أنفسهم، قال تعالى:{كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)} [البقرة: 249].
وقال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران: 126].
وقال تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)} [محمد: 7 - 8].
وقال- صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم"(1).
ثانياً: رحمة النبي- صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، ويؤخذ ذلك من حزنه وبكائه عندما نعى الأمراء الذين استشهدوا في غزوة مؤته، وعيناه تذرفان -أي تدمعان-.
عباد الله! وقد تكرر ذلك منه- صلى الله عليه وسلم، يوم أرسلت إليه إحدى بناته تقول له: إن ابني قد احتُضر فاشهدنا، فردّ مع رسولِها يقول:"إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب".
فأرسلت إليه تُقسمُ عليه ليأتينها، فأتاها في نفرٍ من أصحابه، فرُفع إليه
(1)"السلسلة الصحيحة"(رقم 11)، "صحيح الجامع"(416).
الصبيّ ونفسه تقعقع، فذرفت عيناه صلى الله عليه وسلم فقيل له: ما هذا يا رسول الله؟
فقال: "هذه رحمة، جعلها الله في قلوب من شاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء"(1).
ولما دخل صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه بكى أيضاً وقال: "إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزنون ولا نقول إلا ما يرضى ربنا"(2)، كيف لا والله عز وجل يقول:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)} .
وقال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128)} [التوبة: 128].
عباد الله! وفي هذا دلالة على جواز البكاء والحزن على الميت من غير نياحة، ولا رفع للصوت لأن ذلك حرامٌ.
ثالثا: معجزات النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة مؤته.
المعجزة الأولى: أنه حين عيّن الأمراء أشار من طرفٍ خفىٍّ إلى استشهادهم حيث أمّر زيد بن حارثة ثم قال، فإن أصيب فجعفر، ثم قال: فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة.
المعجزة الثانية: أن الله أطلعه على كل ما دار في أرض المعركة بمؤته، وأراهُ ما كان فيها، فنعى الشهداء إلى أهليهم قبل أن يأتيه الخبر من أرض المعركة.
اللهم انصر الإِسلام وأعز المسلمين.
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 1284)، ومسلم (رقم 923).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 1303)، ومسلم (رقم 2315).