الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قومه من رأي الحُمس -والأحمسُ الشديد على دينه- وكانت قريش تسمى الحُمُسْ وكان الشيطان قد استهواهم فقال لهم: إنكم إذا عظمتم غير حَرَمِكم استخف الناس بحرمكم، فكانوا لا يقفون بعرفة يوم عرفة، وكان سائر الناس تقف بعرفة، وكانت شريعة محمَّد صلى الله عليه وسلم بعد ذلك الوقوف بعرفة، كما قال تعالى:{ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة:199].
وعن محمَّد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: أضللت بعيراً لي، فذهبت أطلبه يوم عرفة، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم واقفاً بعرفة فقلت: هذا والله من الحمس فما شأنه ها هنا" (1).
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقف بـ (عرفات) قبل أن يوحى إليه، وهذا توفيق من الله تعالى له.
العنصر الرابع: دروسٌ وعظات وعبر
.
أولاً: في قوله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث الله نبياً إلا رعى الغنم".
وفي ذلك إشارة على أن الرجال لا يقعدون عالة على الناس بل يعملون ليأكلوا من عمل أيديهم، فالأنبياء يعملون في رعي الغنم ليكتسبوا مالاً يعيشون منه ولم يجلسوا متواكلين عالة على القوم.
وفيه إشارة إلى الإحسان إلى الحيوان.
وفيه إشارة أن الذين يرعون الغنم ويحافظون عليها، ويصبرون عليها ويرحمونها؛ يستطيعون بعد ذلك أن يرعوا الأمم والشعوب، ولذلك ما من
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري (رقم 1664)، ومسلم (رقم 1220).
نبي إلا وقد رعى الغنم في بداية حياته؛ لأن من وفق في رعي الغنم وفق في رعاية الأمم والشعوب.
وعليه فإنه عندما بعث رسولنا صلى الله عليه وسلم رعى الأمة وحافظ عليها، وأخذ بأيد الأمة ناصحاً أميناً يقودها إلى جنة عرضها السموات والأرض.
ثاتيأ: وفي قول الراهب بحيرى لأبي طالب: إني أخاف على هذا النبي من اليهود والروم؛ دليل على عداوة اليهود والنصارى للنبي- صلى الله عليه وسلم قبل بعثته وبعد بعثته، وقد أخبرنا الله بعداوتهم في كتابه فقال تعالى:{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة: 120]، وقال تعالى:{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} [البقرة:109]، وقال تعالى:{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217].
فأهل الكتاب عامة واليهود خاصة يبغضون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين ويعملون بالليل والنهار للقضاء على الإِسلام والمسلمين، وكما سيمر معنا في الحديث عن السيرة المحاولات الكثيرة التي حاولتها اليهود ليتخلصوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى سبيل المثال:
يقول أبوهريرة رضي الله عنه: لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة فيها سم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اجمعوا إليَّ من كان ها هنا من اليهود"، فجُمعوا له. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إني سائلكم عن شيء فهل أنتم صادقيَّ عنه؟ " فقالوا: نعم يا أبا القاسم: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أبوكم" قالوا: أبونا فلان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كذبتم، بل أبوكم فلان" فقالوا: صدقت وبررت،
فقال: "هل أنتم صادقيَّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ ". فقالوا: نعم يا أبا القاسم، وإن كذبناك عرفت كذبنا كما عرفته في أبينا. فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من أهل النار؟ ". فقالوا: نكون فيها يسيراً ثم تخلفوننا فيها. فقال صلى الله عليه وسلم: "اخسئوا فيها، والله لا نخلفكنم فيها أبداً. ثم قال لهم: "هل أنتم صادقيَّ عن شيء إن سألتكم عنه؟ " قالوا: نعم. فقال: "هل جعلتم في هذه الشاة سماً؟ " فقالوا: نعم فقال: "ما حملكم على ذلك؟ " فقالوا: أردنا إن كنت كاذباً نستريح منك، وإن كنت نبياً لم يضرك"(1)
قال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [لمائد ة: 82].
اللهم رد المسلمين إلى دينك رداً جميلاً.
(1) رواه البخاري (رقم 3169، 5777).