الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالت عائشة: فما رأيت امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أُعتق بسببها أكثر من مائة أهل بيت من بني المصطلق" (1).
العنصر الثاني: دور المنافقين الخبيث في غزوة بني المصطلق
.
عباد الله! لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة بني المصطلق، خرج معه نفرٌ من المنافقين فكان خروجهم كما وصفهم الله في كتابه:{لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ} .
وعندما انتصر المسلمون على بني المصطلق، وعند ماء المريسيع كشف المنافقون عن الحقد الذي يضمرونه للإسلام والمسلمين، فكلما كسب الإِسلام نصراً جديداً ازدادوا غيظا على غيظهم كما وصفهم الله في كتابه فقال:{إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50)} ، فعند ماء المريسيع عكّرَ المنافقون هذا النصر بأن أثاروا العصبية الجاهلية بين المهاجرين والأنصار، وأثاروا الفتنة وغرسوا بذور الفرقة في النفوس.
عباد الله! تعالوا بنا لنستمع إلى جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه وهو شاهد عيان يخبرنا الخبر.
يقول رضي الله عنه: "كنا في غزاة -وهي غزوة بني المصطلق- فكسح رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار -أي ضربه برجله- فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين.
فسمع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مَا بالُ دعوى الجاهلية"؟
(1)"صحيح أبي داود"(3327).
قالوا: يا رسول الله! كسح رجلٌ من المهاجرين رجلاً من الأنصار.
فقال صلى الله عليه وسلم: "دعوها فإنها منتنة".
فسمع بذلك عبد الله بن أُبي -زعيم المنافقين- فقال: أو قد فعلوها؟
-يقصد بذلك المهاجرين- أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل- يعني: لعنة الله بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق، فقال النبي- صلى الله عليه وسلم: دعه يا عمر، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وكانت الأنصار أكثر من المهاجرين حين قدموا المدينة ثم إن المهاجرين كثروا بعد" (1).
عباد الله! والذي بلَّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة ابن أبي هو زيد بن الأرقم رضي الله عنه فتعالوا بنا لنستمع إليه وهو يخبرنا الخبر يقول زيدٌ رضي الله عنه: "خرجتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة - وهي غزوة بني المصطلق- فقال عبد الله بن أُبي لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا من حوله، ولئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.
قال زيد: فذكرتُها لعمِّي أو لعمر فذكرها للنبي صلى الله عليه وسلم.
فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى ابن أُبي وأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا فصدقهم وكذَّبني قال زيد: فأصابني همٌ ما أصابني مثلهُ قط، فجلستُ في بيتي فجاء عمِّى فقال:
ما أردت إلى أن كذَّبك رسول الله ومقتك؟ فأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم
(1)"صحيح البخاري"(4/ 146، 6/ 128)، و"صحيح مسلم"(8/ 19).
{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} إلى قوله تعالى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ (7) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ (8)} [المنافقون: 1 - 8].
فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها علي ثم قال: "إن الله قد صدَّقك يا زيدُ"(1).
عباد الله! وقد فضح الله هذا المنافق، وضعف مركزه في قومه، فكانوا يعنفونه ويلومونه كلما أخطأ.
فهذا ابنه - الصحابي الجليل- عبد الله بنُ عبد الله بن أُبي استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتل أبيه، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال له:"لا، ولكن بر أباك وأحسن صحبته"(2).
فداك أبي وأمي يا رسول الله، إنها أخلاق النبوة.
عباد الله! ومنع هذا الابن المؤمن أباه المنافق من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدخولها، وقال له: لتعلم أنك الذليل وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو العزيز.
عباد الله! ولما فشل المنافقون بزعامة ابن سلول في إثارة العصبية الجاهلية
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 4900)، ومسلم (رقم 2772).
(2)
"السيرة النبوية الصحيحة" العمري (2/ 410).