الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم تقدم فقتل رضي الله عنه.
عباد الله! وأما زيد فقد اشتراه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف وكان أمية بن خلف قد قتل يوم بدر.
فلما أرسله أيضاً إلى الحل ليقتل خارج الحرم، اجتمع عليه رهط من قريش فيهم سفيان بن حرب {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8)} فقال أبو سفيان: يا زيد! أنشدك الله! أتحب أن محمداً مكانك الآن تضرب عنقه وأنت جالس في أهلك؟
فقال زيد رضي الله عنه: والله ما أحب أن محمداً في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكةٌ تؤذيه وأنا في أهلي.
فقال أبو سفيان: ما رأيت أحداً من الناس يحب أحداً، كَحب أصحاب محمد محمداً (1).
وفي هذا يقول القائل:
أسرت قريش مسلماً
…
فمضى بلا وجلٍ إلى السياف
سألوه هل يرضيك أنك
…
سالمٌ ولك النبي فدىً من الإتلاف
فأجاب: كلا لا سلمت من
…
الردى ويصاب أنف محمَّد برعاف
ثانياً: مأساة بئر معونة
عباد الله! جاء وفد من قبائل رعل وذكران وعصية وبني لحيان إلى النبي
(1)"سيرة ابن هشام"(3/ 160).
- صلى الله عليه وسلم وأظهروا الإِسلام، واستمدوه على قومهم (أي طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمدهم برجال من أصحابه إلى أقوامهم يعلمونهم الإِسلام والقرآن وأحكام الدين).
ومع أن العهد بالغدر الأول قريب، ولم ينس النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه العشرة الذين قتلوا يوم الرجيع، إلا أن حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد وطمعه الكبير في إسلام الناس وانتشار الإِسلام جعله يستجيب لهذا الوفد، ويرسل معهم سبعين صحابياً من خيرة أصحابه.
يقول أنس رضي الله عنه "كنا نسميهم القراء، كانوا يقرءون القرآن بالليل ويتدارسونه فيما بينهم ويتعلمون، فإذا أصبحوا جاءوا بالماء فوضعوه بالمسجد واحتطبوا فباعوه واشتروا طعاماً لأهل الصفة والفقراء". فبعثهم النبي صلى الله عليه وسلم معهم.
عباد الله! وعندما انتهى القراء إلى "بئر معونة" بعثوا أحدهم -وهو حرام ابن ملحان- إلى عامر بن الطفيل رأس الكفر في تلك البقاع، فأعطاه كتاب النبي صلى الله عليه وسلم الذي يدعوه فيه إلى الإِسلام، فلم ينظر "عامر" في الكتاب وأمر الكافر رجلاً من أتباعه أن يغدر بحامل الرسالة، فما شعر حرام إلا وطعنةً تخترق ظهره وتنفذ من صدره.
فقال حرام رضي الله عنه: "الله أكبر، فزت ورب الكعبة".
وكأن هذه هي الشهادة التي يتمناها من قديم.
عباد الله! ومضى "عامر" الكافر في جرمه، فاستصرخ أعوانه ليواصلوا العدوان على سائر القوم، فانضمت إليه قبائل "رعل" و"ذكوان" و"عصية" و "بني لحيان" فهجم بهم عامر على القراء.
ورأى هؤلاء الموت مقبلاً عليهم من كل صوب، فهرعوا إلى سيوفهم يدفعون عن أنفسهم دون جدوى، إذ استطاع الكفرة أن يقتلوهم جميعاً غير رجل رقى فكان في رأس جبل، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر.
فنعاهم لأصحابه فقال: إن إخوانكم قد أصيبوا -أي قتلوا جميعاً-
وإنهم قد سألوا الله عز وجل فقالوا: ربنا بلغ عنا إخواننا بما رضيت عنا ورضينا عنك، فأخبرهم عنهم.
قال أنس: "فقرأنا فيهم قرآناً ثم نسخ: بلغوا عنا قومنا، أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا"(1)
عباد الله! فحزن النبي- صلى الله عليه وسلم على هؤلاء السبعين القراء حزناً شديداً.
يقول أنس رضي الله عنه: "ما رأيتُ رسول الله- صلى الله عليه وسلم وَجَد -أي حزن- على سرية ما وجد على السبعين الذين أصيبوا يوم بئر معونة وكانوا يُدعَوْنَ القراء، فمكث شهراً يقنت على قتلتهم"(2).
عباد الله! ومكث النبي- صلى الله عليه وسلم شهراًَ يقنت على الكفرة الذين قتلوهم، كلما صلى ورفع رأسه من الركوع رفع يديه، وقال:"اللهم العن رعلاً وذكوان وعصيّة وبني لحيان عصوا الله ورسوله"(3).
عباد الله! وهكذا فقد المسلمون في شهر واحدٍ ثمانين من خيرة الدعاة، وقبل ذلك بقليل فقد المسلمون سبعين من خيرة الصحابة في غزوة أحد
(1) متفق عليه، رواه البخاري (رقم 2801)، ومسلم (رقم 677).
(2)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 1300)، ومسلم (رقم 677).
(3)
متفق عليه، رواه البخاري (رقم 1003)، ومسلم (رقم 1001).