الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإشارة: يا من أقبل على مولاه، وجعل محبة سيده بُغْيته ومُناه، فلم يُشرك في محبة حبيبه سواه، لو رأيت من ظلم نفسه باتباع هواه، وأشرك مع الله في محبته سواه، باتباع حظوظ دنياه، وذلك حين يرون ما هم فيه من الانحطاط والبعاد، وما أعدّ الله لأهل المحبة والوداد من الفوز بالقرب من الحبيب، ومشاهدة جمال القريب، لرأيت أمراً عظيماً وخطباً جسيماً، ولعلمت أن القوة كلها لله، قَرّبَ مَنْ شاء بفضله ورحمته، وأبعد من شاء بعدله وحكمته، وذلك حين يتبرأ الأكابر فى الجرم من الأصاغر، ويقع التفريق بين الأصحاب والعشائر، إلا من اجتمعوا على محبة الحبيب، وتعاونوا على طاعة القريب المجيب، الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ. لا تصحب من لا يُنْهِضُكَ حاله، ولا يَدُلُّكَ على الله مقاله- فكل من صحب أهل الغفلة أو رَكَنَ إلى أهل الدنيا فلابد أن يرى ذلك حسرات يوم القيامة، يوم لا ينفع الندم وقد زلّ القدم. ولله دَرُّ صاحب العينية رضي الله عنه حيث يقول:
وَقَاطِعْ لِمَنْ وَاصَلْتَ أيَّامَ غفلة
…
فما واصل العذال إلَاّ مُقَاطِعُ
وَجَانِب جَنَابَ الأجنبي لو أنه
…
لقرب انتساب في المنام مضاجع
فللنفس من جلاسها كل نسبة
…
ومن خلة للقلب تِلكَ الطَّبَائعُ
ولما حذَّر الحقّ تعالى من الشرك الجلي والخفي، حذَّر من متابعة المشركين في التحريم والتحليل بلا حكم شرعي فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 168 الى 169]
يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168) إِنَّما يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (169)
قلت: حَلالًا حال، أو مفعول به، وطَيِّباً نعت له، والخطوات جمع خطوة، وهي بالفتح- مصدر خطا يخطو، وبالضم- اسم لمسافة ما بين القدمين، ويُكَسَّر على خطاً، ويُصَحَّح على خطوات، مثلث الطاء، أعني:
الضم على الإتباع، كغرفات وقربات، قال ابن مالك:
والسَّالمَ العَيْنِ الثُّلاثي اسْما أَنِلْ
…
إتْبَاعَ عَيْنٍ فَاءَهُ بما شُكِلُ
والسكون على الأصل في المفرد، والفتح تخفيفاً، قال في الألفية:
وسكَّنِ التالِيَ غيرَ الفتحِ أوْ
…
خفِّفْهُ بالفَتْحِ فكُلَاّ قدْ رووا
وقرئ فى المتواتر بالضم والإسكان، وفي الشاذِّ بالفتح.
قال الخليل: (خطوات الشيطان: آثاره وطرقه، يقول: لا تقتدوا به) . هـ. وأصل السوء: كل ما يَسُوء صاحبه ويُحزنه. والفحشاء: ما قبحُ من القول والفعل، مصدر فحش كالبأساء والضراء واللأوَاء.
قال ابن عباس: (الفحشاءُ: ما فيه حد، والسوء: ما لا حَدَّ فيه)، وقال مقاتل:(كل ما في القرآن من ذكر الفحشاء فإنه الزنا، إلا قوله: الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ فإنه البخل) . قال البيضاوي: السوء والفحشاء: ما أنكره العقل واستقبحه الشرع، والعطف لاختلاف الوصفين، فإنه سوءٌ لاغتمام العاقل به، وفحشاء باستقباحه إياه، وقيل: السوء يعمُ القبائح، والفحشاء ما تجاوَز الحدَّ في القبح. هـ.
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا من جميع ما خلقنا لكم في الأرض من نباتها مما يُستطاب أكله، وحيواناتها إلا ما حرمناه عليكم، حالة كون ذلك حَلالًا قد انحلَّت عنه التبِعَات، وزالت عنه الشبهات، طَيِّباً مُستلَذاً يستلِذُّه الطبع، ويستحسنه الشرع، وَلا تَتَّبِعُوا طرق الشَّيْطانِ فتُحَرِّموا برأيكم ما أحلَّ الله لكم، كالبَحِيرة والسائبة والوَصِيلة والحام، وبعض الحرث الذي جعلتموه للأصنام، فإن ذلك من تزيين الشيطان، وهو لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. ومن شأن العدو الخِدَاع والغرور، فإنما يأمركم بما يَسُوء وجوهَكم من الذنوب، وما يُرديكم من قبائح المعاصي والعيوب، وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا علم لكم به من تحلِيل الحرام، أو تحريم الحلال، أو ادعاء الولد أو الصاحبة في جانب الكبير المتعال.
الإشارة: اعلم أن الحق تعالى جعل للبشرية قُوتاً ونعيماً تتنعم به، وجعل للروح قوتاً ونعيماً تتلذذ به، فقُوت البشرية الطعام والشراب، ونعيمُها: الملابس والمَناكح والمَراكب. وقوت الروح: اليقين والعلوم والأنوار، ونعيمها:
الشهود والاستبصار، والترقي في المعارف والأسرار، فكما أن النفس تأكُل مما في الأرض حلالاً طيباً، كذلك الروح تأكل مما في الأرض حلالاً طيباً، إلا أن أكل النفس حِسّي، وأكل الروح معنوي، وهو التفكر والاعتبار، أو الشهود والاستبصار، وفي ذلك يقول المجذوب رضي الله عنه:
الخَلْقُ نَوَّارٌ
…
وَأَنا رَعَيْتُ فيهمُ
هُمُ الحجابُ الأكبَرُ
…
والمَدخَلُ فِيهم
وقال الششتري رضي الله عنه:
عَينُ الزِّحامِ هُوَ
…
المَسِيرُ لِحَيّنَا