الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على وجه الكمال والإحسان، وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما كُلفتم به من الحقوق، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لا يخفى عليه شيء من أموركم فإنه بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.
الإشارة: اعلم أن تربية الولاية في قلب المريد، على نمط تربية الطفل الصغير، تنبت في قلب المريد وقت عقد الصحبة بينهما، ثم لا تزال تنمو، أو الشيخ يرضعه بلبن الإمداد حتى يتم أوان رضاعه، ولذلك قالوا: الثدي الميتة لا ترضع. هـ. يشيرون إلى أن الشيخ الميت لا يُربى، فلا يزال الشيخ يُربى الروح، ويمدها حتى تدخل بلد الإحسان، وتشتعل فكرتها. وهذا تمام الحولين في حقها، وهو أوان كمال الحقيقة والشريعة لمن أراد إتمامها، فتأكل الروح حينئذٍ من كل شيء، وتشرب من كل شيء، وتستمد من الأشياء كلها، ثم لا يزال يحاذيها بهمته حتى تَرشُد، فيطلق لها التصرف، فتصلح لتربية غيرها.
وعلى الشيخ رزقُ المريدين من قوت القلوب وكسوتهم، تقيهم من إصابة الذنوب والعيوب، إلا ما سبق به القضاءُ في علم الغيوب، فليس في طَوْق أحدٍ دفعُه، لا تُكلف نفسٌ إلا وسعها، فإذا مات الشيخ، ووصَّى بمن يرث مقامه، فعلى الوارث مثلُ ذلك، فإن أراد المريد انفصالاً عن الشيخ، وتعمير بلد، أو تذكير عباد الله، عن تراض منهما وتشاور من الشيخ، فلا جناح عليهما، وإن أردتم، أيها الشيوخ، أن تسترضعوا أولادكم بإرسال منْ يُذكِّرُهم، ويمدهم، نائباً عنكم، فلا جناح عليكم إذا سلمتم لهم من الإمداد ما يمدهم به، واتقوا الله في شأن المريدين، في جبر كسرهم، وقبول عذرهم، واعلموا أن الله بما تعملون بصير.
ثم ذكر الحق تعالى عدّة الوفاة، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 234 الى 235]
وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَاّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفاً وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)
قلت: والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ: مبتدأ، ويَتَرَبَّصْنَ: خبر، ولا بد من الحذف ليصح الإخبار، إما من الصدر أو من العَجزُ، أي: وأزواج الذين يتوفون، أو الذين يتوفون أزواجهن يتربصن.
يقول الحق جل جلاله: وَالَّذِينَ يموتون منكم، أيها المؤمنون، ويتركون أَزْواجاً، فلا يتزوجن حتى يَتَرَبَّصْنَ أي: يمكثن بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وعشرة أيام لأن الجنين يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكراً، ولأربعة إن كان أنثى في الغالب «1» ، وزيد عشرةً، استظهاراً، هذا في غير الحامل، أما الحامل، فعدتها وضع حملها. فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ أي: انقضت عدتهن، فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أيها الأولياء فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ من التزين والتعرض للنكاح أو التزوج، بِالْمَعْرُوفِ، بحيث لا ينكره الشرع من تزين ونكاح، وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فيجازيكم على ما فعلتم.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أيها الخُطَّاب فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ للمعتدات مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ كقول الرجل:
إني لراغب في صحبتكم، وإني أريد أن أتزوج في هذه الساعة. وإنك لنافقة»
، أو لا يصلح لك أن تبقى بلا زوج، ونحو هذا، أَوْ أَكْنَنْتُمْ أي: أضمرتم فِي أَنْفُسِكُمْ في زمن العدة من أمر التزوج دون تصريح، عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ ستذكرون النساء المعتدات، وتتكلمون في نكاحهن، حرصاً وتمنياً، فعرّضُوا بذلك، وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا أي: في الخلوة، أو لا تواعدوهن نكاحاً أو جماعاً، إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وهو التعريض بالألفاظ المتقدمة.
ولا تقطعوا عُقْدَةَ النِّكاحِ، وتعزموا على فعله، حَتَّى يَبْلُغَ كتاب المعتدة أَجَلَهُ، وتنقضى العدة، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من الرغبة والحرص، فَاحْذَرُوهُ فإنَّ الحرص على الشيء، والرغبة فيه، قبل أوانه، ربما يعاقب صاحبه بحرمانه، وما قُدِّر لكَ لا يكون لغيرك، وما كان لغيرك لا يكون لك، ولو فعلت ما فعلت، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ لِمَا استعجلتم فإن الإنسان خُلق عجولاً، حَلِيمٌ فلا يعاجلكم ولا يفضح سرائركم.
(1) ذكر ذلك البيضاوي، فى أنوار التنزيل. وفيه منافاة للحديث المتفق عليه: (إن أحدكم يجمع خلقه فى بطن أمه
…
) الحديث إلى قوله صلى الله عليه وسلم: (ثم يرسل الملك، فينفخ فيه الروح
…
) وظاهر الحديث يفيد: أن نفخ الروح بعد هذه المدة مطلقا، لا فرق بين ذكر وأنثى. راجع تفسير الآلوسى.
(2)
نافقه أي: مرغوب فيها.