الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكعبة، وقال: لو عَلمِتُ أنه رَسُول الله «1» ما منعتُهُ، فَلَوى عَلِيَّ يده، وأخذّها مِنهُ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وصَلّى رَكعَتينِ، فلما خَرَجَ سألُه العباس أن يُعطيه المفتَاح، وَيَجمَعَ له السِّدَانَةَ والسِّقَايةَ، فأمره اللهُ- تعالى- أن يرده إليه، فأمر عَلِيًّا بأن يَرُدَّه وَيَعتَذِر إليه، وكان ذلك سببًا لإسلام عثمان، ونزل الأمر بأن السِّدَانَة في أولاده أبدًا.
يقول الحق جل جلاله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ، يا معشر الأمراء، أن تردوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها من أنفسكم، أو من رعيتكم فتُنصفوا المظلوم من الظالم، حتى يؤدي ما ائتُمن عليه من دَينٍ، أو وديعة، أو غصب، أو سرقة، أو غير ذلك من حقوق العباد، بعضهم من بعض، وأن تؤدوا الزكاة إلى من يستحقها، وتصرفوا بيت المال فيمن يستحقه، لا تظلموا أهلها، ولا تضيعوا منها شيئاً في غير مستحقها.
وَيأمركم إِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ في من يَنفُذُ عليه حكمُكُم، إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ أي: إن الله يعظكم بأمر نعم ما هو، إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً لا يخفى عليه أحكامكم، ولا ما أخفيتم من أمانات غيركم.
الإشارة: أمر الحق- جل جلاله شيوخ التربية أن يؤدوا السر إلى من يستحقه من الفقراء، إذا تحققوا أهليتهم له، بحيث تخلوا عن الرذائل، كالحسد والكبر وغيرهما، وتحلوا بالفضائل، كسلامة الصدر وسخاوة النفوس وحسن الخلق، وغير ذلك من أوصاف الكمال، فإن تحققوا بالتخلية والتحلية، استحقوا الاطلاع على أسرار الربوبية، التي هي أمانات عند أهل الخصوصية، وأمرهم أن يحكموا بين الفقراء بالعدل، فيمدوا كلاً على قدر صِدقِه وخِدمَتِه، والله تعالى أعلم.
ثم أمر الحق تعالى بطاعة الأمراء الذين أمرهم بالعدل وأداء الأمانة، فقال:
[سورة النساء (4) : آية 59]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59)
أعاد العامل في قوله: (وأطيعوا الرسول) ، إشارة إلى استقلال الرسول بالطاعة، ولم يُعده في أُولِي الْأَمْرِ إشارة إلى أنه يوجد منهم من لا تجب طاعته، ثم بيّنه بقوله: فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ كأنه قيل: فإن لم يعملوا بالحق فلا تطيعوهم، وردوا ما تخالفتم فيه إلى حكم الله ورسوله. قاله الطيبي، وسيأتي تحريرُ ذلك إن شاء الله تعالى.
(1) أي: أنه مرسل من عند الله.
يقول الحق جل جلاله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ فيما أمركم به ونهاكم عنه، وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ كذلك. وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أي: مَن ولي أمرَكم. من وُلَاةِ العدل كالخلفاء والأمراء بعدهم، تجب طاعتهم فيما أمَروُا به من الطاعة دون المعصية إلا لخوف هرج. قال عليه الصلاة والسلام:«إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي المَعرُوف» ، فأن لم يعدل: وجبت طاعته خوفًا من الفتنة. وهذا هو الأصح. لقوله- عليه الصلاة والسلام:
«سَيَليكم ولاة، فيليكم البَرُّ ببره، والفاجر بفجوره، فاستمعوا لهم، وأطيعوا في كل ما وافق الحق، فصلوا وراءهم، فإن أحسنوا فلهم، وإن أساءوا فلكم وعليهم» . رواه أبو هريرة.
وفي حديث آخر: «لا أن تَروا كُفرًا بَوَاحًا، لكم عليه من اللهِ بُرهَانٌ» . أي: فيجب عزلهم. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو وائل فقال: يا رسول الله أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعوننا حقنا ويسألون حقهم؟. فقال صلى الله عليه وسلم: «اسمَعُوا وأطِيعُوا، فَإنَّ عليهم ما حُمِّلُوا وَعَليكُم ما حُملتم» .
وقال جابر بن عبد الله والحسن والضحاك ومجاهد: أولو الأمر هم الفقهاء والعلماء، أهل الدين والفضل، يُعلَّمون الناس معالم دينهم، ويأمرون بالمعروف وينْهون عن المنكر، دليله. قوله تعالى: وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ
…
الآية. قال أبو الأسود: ليس شيء أعز من العلم، الملوك حُكَّام على الناس، والعلماء حُكَّام على الملوك. هـ.
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ أنتم وأولو الأمر، أو بعضكم مع بعض- أي: اختلفتم في حكم شيء من أمر الدين فلم تعلموا حكمه، فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ أي: إلى كتاب الله، وَإلى الرَّسُولَ في زمانه، أو سنته بعد موته، فإن لم يوجد بالنص فبالقياس. فالأحكام ثلاثة: مثبت بالكتاب، ومثبت بالسنة، ومثبت بالرد إليهما على وجه القياس. وعن إبراهيم بن يسار قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اعملُوا بالقرآن: أحلُّوا حَلَالهُ، وحرَّمُوا حرامَهُ، وآمنوا بِه ولا تكفُروا بشيءٍ منهُ، وما اشتبه عليكُم فردُّوه إلي الله تعالى وإلى أولى العِلم من بَعدي، كيما يُخبرُونكم به» ، ثم قال:«وليَسعُكُم القرآن وما فيهِ من البَيَانِ فإنه شافعٌ مشفَّعٌ، وما حِلٌ مُصدَّقَّ «1» وأن له بكل حَرفٍ نُورًا يومَ القِيَاَمَة» .
فردوا الأحكام إليه وإلى الرسول، إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فإن الإيمان يُوجِبُ ذلك. ذلِكَ الرد خَيْرٌ لكم وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا من تأويلكم بالرأي من غير رد، وأحسن عاقبة ومآلاً، والله تعالى أعلم.
(1) ما حل مصدق: أي خصم مصدّق. والمعنى: أنه شافع لمن عمل بما فيه، ومصدّق عليه فيما يرفع من مساويه إذا ترك العمل به. انظر النهاية.