الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاهلة بالله. فإن فاءت ورجعت إلى الله، وارتاضت لحضرة الله، وجبت محبتها والاصطلاح معها لأن النفس بها ربح مَنْ ربح، ومنها خسر من خسر، من عرف قدرها، واحتال عليها حتى ردها إلى ربها- ربح، ومن أهملها وجهل قدرها- خسر، وكان شيخ شيوخنا يقول: جزاها الله عنا خيراً والله ما ربحنا إلا منها، يعني نفسه. وفي بعض الآثار:(مَنْ عَرَفَ نَفْسَه عَرَفَ ربَه) . وإن عزموا الطلاق، يعني: العباد والزهاد عزموا ألا يرجعوا إلى أنفسهم أبداً، فإن الله سميع عليم بقصدهم هل قصدهم طلب الحظوظ أو محبة الحبيب، وأما العارفون فلا تبقى لهم معاداة مع أحد قط، قد اصطلحوا مع الوجود بأسره، فمكنهم الله من التصرف في الوجود بأسره. والله ذو الفضل العظيم.
ثم ذكر الحق تعالى عدة الطلاق، فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 228]
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)
قلت: القُرء هو الطهر الذي يكون بعد الحيض، عند مالك، وجمع القلة: أقراء، والكثرة: قروء، واستعمله هنا باعتبار كثرة المطلقات، و (ثلاثة) : مفعول مطلق، أو ظرف، و (بعولتهن) : جمع بعل، والتاء لتأنيث الجماعة.
يقول الحق جل جلاله: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ أي: يمكثن عن التزوج، بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ أي:
أطهار، وتَعْتَدُّ بالطهر الذي طلقها فيه، فتحيض، ثم تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإذا رأت الحيضة الثالثة خرجت من العدة، هذا في غير الحامل، واما الحامل فعدتها وضع حملها. وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحامِهِنَّ من الولد استعجالاً لإتمام العدة، أو من الحيض استبقاءا لتمادي العدة، وتُصدق في ذلك كله، فإن كانت يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فلا يحل لها أن تكتم ما استؤمنت عليه، وَبُعُولَتُهُنَّ أي: أزواجهن، أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ التربص، إن كان الطلاق رجعيّاً، وإلا بانت منه، وينبغي للزوج أن يراجعها في العدة، إن أراد بذلك الإصلاح والمودة، لا الإضرار بها، وإلا حرم عليه ارتجاعها، إذ «لَا ضَرَرَ ولا ضرار» ، كما قال- عليه الصلاة والسلام.
الإشارة: إذا طُلّقَتْ النَّفْسُ، ووقع البعد منها حتى طهرت ثلاثة: الطهر الأول: من الإصرار على الذنوب والمخالفات، الطهر الثاني: من العيوب والغفلات، الطهر الثالث: من الركون إلى العادات والوقوف مع المحسوسات، دون المعاني وأنوار التجليات- حلَّتْ رجعتُها والاصطلاح معها، ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن: من العلوم والمعارف والأنوار، وذلك إذا استشرفَتْ على حضرة الأسرار، فإنها تفيض بالعلوم والحكم،
أو ما لا يحصى، فينبغي أن تطلع عليها من يقتدي بشأنها. وبعولتهن أحق بردهن، والصلح معهن، بعد تمام تطهيرهن، إن أرادوا بذلك إصلاحاً، وهو إدخالها في الحضرة، ونعيمها بالشهود والنظرة. وبالله التوفيق.
ثم ذكر الحقّ جل جلاله حقوق الزوجية، فقال:
الطَّلاقُ مَرَّتانِ
…
يقول الحق جل جلاله: وللنساء حقوق على الرجال، كما أن للرجال حقوقاً على النساء، فحقوق النساء على الرجال: الإنفاق، والكسوة، والإعفاف، وحسن المعاشرة، وكان ابنُ عمر- رضي الله عنهما يقول: إني لأُحِبُّ أن أتزيَّنَ للمرأة كما تتزين لي، ويقرأ هذه الآية.
وحقوق الرجل على المرأة: إصلاح الطعام والفراش، وطاعة زوجها في كل ما يأمرها به من المباح، وحفظ فرجها، وصيانة ماله الذي ائتمنت عليه- إلى غير ذلك من الحقوق، فللنساء حقوق على الرجال مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ من غير ضرر ولا ضرار. ولا تفريط ولا إفراط، وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ أي: فضيلة لأن الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء، ولهم فضل في الميراث، والقسمة، وكثير من الحقوق، فضلهم الله على النساء.
وَاللَّهُ عَزِيزٌ لا يعجزه عقاب من خالف أمره، لكنه يمهل ولا يُهمل، حَكِيمٌ لا يفعل إلا لمصلحة ظاهرة أو خفية. والله تعالى أعلم.
الإشارة: للنفس حقوق على صاحبها، كما له حقوق عليها، قال- عليه الصلاة والسلام:«إنَّ لنفْسك عَلَيْكَ حَقّاً، وَلزَوْجِكَ عَلَيْك حَقّاً، ولِربِكَ عليك حَقّاً، فأَعْطِ كُلّ ذِي حَقِ حَقَّهُ» . فالنفس مغرفة للسر، فإذا تعبت سقط منها السر، كذلك نفس الإنسان، إذا تحامل عليها حتى تعللت، ودخلها الوجع، تعذر عليها كثير من العبادات، لا سيما الفكرة، فلا بد من حفظ البشرية، وإنما ينبغي قتلها بالأمور التي لا تُخِلُّ بصحتها، فعليها طاعتك فيما تأمرها به، كما عليك حفظها مما تتضرر به. وللرجال الأقوياء عليها تسلطٌ وتصرف، فهي مملوكة في أيديهم، وهم غالبون عليها، والله غالب على أمره، وهو العزيز الحكيم.
ثم ذكر الحق تعالى عدد الطلاق، فقال: