الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة البقرة (2) : الآيات 275 الى 279]
الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَاّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ (279)
قلت: (الربا) في الأصل: هو الزيادة، رَبا المال يربو: زاد. وكتبت بالواو مراعاة للأصل، وهو المصدر، قال الفراء: إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الكتابة من أهل الحيرة، ولغتهم الربو، فعلموهم صورة الحروف، وكذلك قرأها أبو السمال العدوي، وقرأ الأخَوَان بالإمالة لمكان الكسرة، والباقون بالتفخيم.
والربا في اصطلاح الشرع على قسمين: ربا الفضل وربا النِّسَاءِ، فأما ربا الفضل فهو التفاضل بين الطعامين أو النقدين في المبادلة من الجنس الواحد، فإن اختلفت الأجناس فلا حرج، وأما ربا النساء فهو بيع الطعامين أو النقدين بعضهما ببعض بالتأخير، وهذا حرام ولو اختلفت الأجناس.
يقول الحق جل جلاله: الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا أي: يأخذونه، وإنما خص الأكل لأنه أعظم منافع المال، لا يَقُومُونَ من قبورهم يوم البعث إِلَّا كَما يَقُومُ المجنون الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ أجل الْمَسِّ الذي يمسه يقوم ويسقط، رُوِيَ أن بطونهم تكون أمامهم كالبيت الضخم، يقوم أحدهم فتميل به بطنه فيصرع، وعن أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما أُسْرِيَ بِي إلى السماء رأيتُ رِجالاً بُطُونُهُمْ كَالبُيوتِ، فيهَا حَيَّاتٌ تُرى مِنْ خِارِجِ بُطُونِهمْ، فقلت: مَنْ هؤلاءِ يا جِبْرِيل؟ فقال: أكَلَةُ الرِّبا» .
ذلِكَ العذاب بسبب أنهم استحلُّوا الربا، وقالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا فنظموا الربا والبيع في سلك واحد، وفيه عكس التشبيه. والأصل: إنما الربا مثل البيع، قصدوا المبالغة، كأنهم جعلوا الربا أصلاً وقاسوا عليه البيع.
وذلك أن أهل الجاهلية كان أحدهم إذا حلّ ماله على غريمه يقول الغريم: زدني في الأجل أزدك في المال، فيفعلان، ويقولان: سواء علينا الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل الدين، هو مراضاة. فكذبهم الحقّ تعالى بقوله: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا لأن القياس مع وجود النص فاسد، والفرق ظاهر فإن من باع درهماً
بدرهمين ضيع درهماً من غير فائدة، بخلاف من اشترى سلعة بدرهم، وباعها بدر همين، فلعل مساس الحاجة، والرغبة فيها، توقع رواجها فيجبر الغبن.
فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ كالنهي عن الربا، فَانْتَهى وترك الربا فَلَهُ ما سَلَفَ قبل التحريم ولا يَرُدُّهُ، وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ لا إلى أحد منكم، فلا يتعرض له، وَمَنْ عادَ إلى تحليل الربا بعد بلوغه النهي فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ لأنهم كفروا وسفهوا أمر الله. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا أي: يذهب بركته، ويُهلك المال الذي يدخل فيه وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ أي: يضاعف ثوابها ويُبارك في المال الذي أخرجت منه، فقد رُوِيَ عنه- عليه الصلاة والسلام أنه قال:«ما نَقَصَ مالٌ مِنْ صَدقة» ، «وأنه يُربي الصدقةَ حتى تكونَ مثلَ الجبل» . قال يحيى بن معاذ:(ما أعرفُ حبةً تزن جبال الدنيا إلا الحبَّةَ من الصدقة) .
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أي: مُصِرٍّ على تحليل المحرمات، أَثِيمٍ أي: منهمك في ارتكاب المنهيات، أي: لا يرتضي حاله، ولا يحبه كما يحب التوابين.
ثم ذكر مقابله فقال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا بالله، وصدَّقُوا بما جاء من عنده، وَعَمِلُوا الأعمال الصَّالِحاتِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ أي: أتقنوها وَآتَوُا الزَّكاةَ أي: أدوها على التمام، فلهم أجرهم عند ربهم إذا قدموا عليه، وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من آت، وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فات، إذ لم يفتهم شيء حيث وجدوا الله.
ثم أكد فى أمر الربا، فقال:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا أي: اتركوا بقايا ما شرطتم على الناس من الربا، فلا تقبضوها منهم، إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) . فإن دليل الإيمان: امتثال ما أمرتم به، رُوِيَ أنه كان لثقيف مال على بعض قريش، فطالبوهم عند الحَلِّ بالمال والربا، فنزلت الآية.
فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وتتركوا ما نهيتم عنه، فَأْذَنُوا أي: فاعلموا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ومن قرأ:
فآذنوا بالمد، فمعناه: أعلموا بها غيركم، رُوِيَ أنها لمّا نزلت، قالت ثقيف: لا يَدَانِ «1» لنا بحرب الله ورسوله.
وَإِنْ تُبْتُمْ من تعاطي الربا واعتقاد حله فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ الغريم بأخذ الزيادة، وَلا تُظْلَمُونَ (279) بنقص رأس مالكم. مفهومه أن لم يتب فليس له شيء، لأنه مرتد. والله تعالى أعلم.
(1) يقال: مالى بهذا الأمر يد ويدان أي: لا طاقة لى به، لأن المدافعة تكون باليد، فكأن يده معدومه لعجزه عن دفعه.