الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: (يا عبدي إنما منحتك صفاتي لتعرفني بها، فإن ادعيتها لنفسك سلبتُك الولاية، ولم أسلبك صفاتي، يا عبدي: أنت صفتي وأنا صفتك، فارجع إليَّ أرجع إليك، يا عبدي: فيك للعلوم باب مفتاحه أنا، وفيك للجهل باب مفتاحه أنت، فاقصد أيّ البابين شئت، يا عبدي: قربي منك بقدر بعدك عن نفسك وبعدي عنك بقدر قربك من نفسك، فقد عرفتك الطريق، فاترك نفسك تصل إليَّ في خطرة واحدة، يا عبدي: كل ما جمعك علي فهو مني، وكل ما فرقك عني فهو منك، فجاهد نفسك تصل إليّ، وإني لغني عن العالمين، يا عبدي: إن منحتني نفسك رددتها إليك راضية مرضية، وإن تركتها عندك فهي أعظم بلية، فهي أعدى الأعادي إليك فجاهدها تَعُدْ بالفوائد إليك) .
وفي بعض الآثار المروية عن الله تعالى: «يا عبدي: أنا بُدُّك اللازم فالزم بُدَّك» . «1» ويمكن أن يشار بالأرض إلى أرض العبودية، وبالسماء إلى سماء الحقيقة، وبالسبع سموات إلى سبع مقامات وهي الصبر والشكر والتوكل والرضى والتسليم والمحبة والمعرفة. والله تعالى أعلم.
ولما ذكر خلق العالم العلوي والسفلي، ذكر كيفية ابتداء من عمَّر العالم السفليَّ من جنس الآدمي، فقال:
[سورة البقرة (2) : الآيات 30 الى 33]
وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (31) قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَاّ مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)
لمّا أراد الله تعالى عمارة الأرض، بعد أن عمر السموات بالملائكة، أخبر الملائكة بما هو صانع من ذلك تنويهاً بآدم وتشريفاً لذريته، وتعليما لعباده أمر المشاورة، فقال لهم: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً يخلفني في أرضي وتنفيذ أحكامي، قالُوا على وجه الاستفهام، أو من الإدلال، إِن كَانَ مِنَ المقربين، بعد أن رأوا الجن قد أفسدوا وسفكوا الدماء: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها، وشأن الخليفة الإصلاح، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، أي: نسبح ملتبسين بحمدك، وَنُقَدِّسُ لَكَ، أي: نطهر أنفسنا لأجلك، أو ننزهك عما لا يليق بجلال قدسك، فنحن أحق بالخلافة منهم.
(1) أخرجه الديلمي فى الفردوس (5/ 230 ح 8040) عن أنس مرفوعا. ورواه الخطيب فى تاريخ بغد 9 اد 742/ 2 وقال: هذا الحديث موضوع المتن.
قال الحقّ جلّ وعلا: إِنِّي أَعْلَمُ..... ما لا تَعْلَمُونَ فإني أعلم أنه يكون منهم رسل وأنبياء وأولياء، ومن يكون مثلكم أو أعظم منكم، ولما ألقى الخليل في النار ضجت الملائكة وقالت:«يا رب هذا خليلك يحرق بالنار» .
فقال لهم: «إن استغاث بكم فأغيثوه» . فلما رفع همَّتَه عنهم قال الحق تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تعلمون.
ثم وَجَّهَ الحق تعالى استحقاقه للخلافة وهو تشريفه بالعلم، فقال: وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها، أي: مسميات الأسماء بأن ألقى في رُوعه ما تحتاج إليه ذريته من اللغات والحروف، وخواص الأشياء ومنافعها، ثم عرض تلك المسميات على الملائكة، إظهاراً لعجزهم، وتشريفاً لآدم بالعلم، فَقالَ: أخبروني بِأَسْماءِ هؤُلاءِ المسميات إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ في ادعائكم استحقاق الخلافة، فلما عجزوا عن معرفة تلك الأسماء قالُوا سُبْحانَكَ أي: تنزيهاً لك عن العبث، لا عِلْمَ لَنا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ بكل شيء، الْحَكِيمُ لإتقانك كل شيء، وهذا اعتراف منهم بالقصور والعجز، وإشعار بأن سؤالهم كان استفهاماً وطلباً لتفسير ما أشكل عليهم، ولم يكن اعتراضاً.
قال الحق جل جلاله: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ، وعيِّن لهم اسم كل مسمى، فلما أخبرهم بذلك بحيث قال مثلاً: هذا فرس وهذا جمل، وعين ذلك لهم، وظهرت ميزته عليهم بالعلم حتى استحق الخلافة، قال الحقّ تعالى: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أي: ما غاب، وأعلم ما تظهرونه من قولكم:
أَتَجْعَلُ فِيها.. الخ، وما تكتمونه من استحقاقكم الخلافة، وقولكم: لن يخلق الله تعالى أحداً أعلم منا لتقدمنا، والفضل لمن صدق لا لمن سبق.
قال البيضاوي: اعلم أن هذه الآيات تدل على شرف الإنسان، ومزية العلم وفضله على العبادة، وأنه شرط في الخلافة، بل العمدة فيها، وأن التعليم يصح إطلاقه عليه تعالى، وإن لم يصح إطلاق المعلم عليه لاختصاصه بمن يحترف به، وأن اللغات توقيفية- علمها الله بالوحي-، وأن آدم عليه السلام أفضل من هؤلاء الملائكة لأنه أعلم منهم، والأعلم أفضل لقوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ، وأن الله يعلم الأشياء قبل حدوثها. هـ. باختصار.
وقال في تفسير الملائكة: إنهم أجسام لطيفة قادرة على التشكل، وهي منقسمة على قسمين: قسم شأنهم الاستغراق في معرفة الحق والتنزه عن الاشتغال بغيره، - وهم العليِّون، والملائكة المقربون- وقسم يدبرون الأمر مِنَ