الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مال الوصي أحفظُ لماله، وأوفر، فهو خير، فإنما هم إخوانكم في الدين، وإن كان عزل مالهم عن مالكم، وأكله وحده، اوفر لماله، فاعتزالهم خير، وَاللَّهُ يَعْلَمُ من قصدُه الإفساد، ممن قصده الإصلاح، فيعامل كل واحد بقصده، وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لأمركم بعزلهم وحفظ مالهم مطلقاً، فيُحرجكم، ويشق عليكم، إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غالب، لا يُعجزه شيء، حَكِيمٌ لا يفعل شيئاً إلا لحكمة ومصلحة.
ولمّا نزل قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً
…
الآية، تحرَّج الصحابة من مخالطة اليتامى، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية.
الإشارة: كل مَن لا شيخ له في طريق القوم فهو يتيم، لا أبَ له، فإن ادعى شيئاً من الخصوصية سُمي عندهم لقيطاً أو دعياً، أي: منسوباً إلى غير أبيه، وما زالت الأشياخ تُحذِّر من مخالطة العوام، ومن مخالطة المتفقرة الجاهلة، أعني: الذين لا شيخ لهم يصلح للتربية، حتى قالوا: مخالطتهم سُم قاتل. وقال بعضهم: يجتنب المريد مخالطة ثلاثة أصناف من الناس: المتفقرة الجاهلين، والقراء المداهنين، والجبابرة المتكبرين.
قلت: وكذلك الفروعية المتجمدين على ظاهر الشريعة، فصُحبتهم أقبحُ من الجميع، ومن ابتلى بمخالطة العوام فلينصحهم، ويرشدهم إلى مصالح دينهم، إنما هم إخوان في الدين، والله يعلم المفسد من المصلح، فمن خالطهم طمعاً في مالهم أو جاههم، أفسده الله، ومن خالطهم نُصحاً وإرشاداً أصلحه الله، ولو شاء الله لأمر الفقراء باعتزالهم بالكلية، وفي ذلك حرج ومشقة، ومِنْ حكمته تعالى أن جعلهم حجاباً لأهل الحجاب، ومدخلاً لذوي الألباب، حجاباً للضعفاء، ومدخلاً ومشهداً للأقوياء، والله تعالى أعلم.
ولما فرغ الحق جل جلاله من ذكر بعضَ أمر الجهاد وما يتعلق به، شَرَع يتكلم على النكاح، فقال:
[سورة البقرة (2) : آية 221]
وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)
قلت: بدأ الحقّ جل جلاله بذكر محل النكاح، وسيأتي في سورة النساء تمامه في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ
…
الآية.
يقول الحق جل جلاله: ولا تتزوجوا النساء الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، ونكاحهن حرام، بخلاف الكتابيات، كما في سورة المائدة. ونكاح أمة سوداء مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ نكاح مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ حُسناً وحسباً ومالاً، أو: ولا مرأةٌ مؤمنة أمة كانت أو حُرة خَيْرٌ من مشركة إذ النساء كلهن إماء الله.
رُوِيَ أنه- عليه الصلاة والسلام بعث مَرْثَداً الغَنَوي إلى مكة ليُخرج منها نَاساً من المسلمين فأَتتْه امرأة يقال لها: عناق، وكان يهواها في الجاهلية- فقالت: ألا تخلو؟ فقال: إن الإسلام حال بيننا، فقالت: هل لك أنْ تتَزَوج بي؟ فقال: نعم، ولكن أستشير رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشاره، فنزلت الآية. قاله البيضاوي.
ولا تُزوجوا المشركين وليَّتَكم، وهو حرام مطلقاً إذ الرجال قَوَّامُونَ عَلَى النسآء، ولا تَسلُّطَ للكافر على المسلمة، فلا تُنكحوهم حَتَّى يُؤْمِنُوا، وَلَعَبْدٌ أسود مملوك مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ حسباً ومالاً إذ لا حسب مع الكفر. وإنما حرَّم نكاح أهل الكفر لأنهم يَدْعُونَ إِلَى الكفر، وهو سبب النَّارِ، والصحبة توجب عقد المحبة، والطباع تُسْرق، فلا يَؤمنُ جانب الكفر أن يغلب على الإيمان، وَاللَّهُ تعالى إنما يَدْعُوا إِلَى سبب الْمَغْفِرَةِ، والتطهير من لَوث الكفر والمعاصي بِإِذْنِهِ وقدرته، فلا يأمر إلا بما يقوى عقد الإيمان واليقين، ويُنهض إلى الطاعات، وهو صحبة أهل الإيمان واليقين، وَيُبَيِّنُ آياتِهِ الدالّة على جمع عباده إليه لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ فيها، ويتعظون بتذكيرها ووعظها.
الإشارة: لا ينبغي للفقير أن يعقد مع نفسه عقد الصحبة والمودة، أو ينظر إليها بعين الشفقة والرحمة، ما دامت مشركة بشهود السّوى، أو مائلة بطبعها إلى الهوى، ولأن تكون عندك نفس مؤمنة بعلم التوحيد، خير من نفس مشركة برؤية الغير، ولو أعجبتك في الطاعة، وظهور الاستقامة، فقد تُظْهر الطاعة والخدمة، وتُبطن مالها فيها من الحظوظ والمتعة، فليتهمها ما دامت مشركة، فإذا آمنت ووحدت الله تعالى، فلم تر معه سواه، فلا بأس بعقد النكاح معها، فإنها لا تأمره إلا بما يقوي شهودها وتوحيدها. وكذلك لا ينبغي أن يعقد نكاح نفسه، ويدفعها لمن يشهد السّوى شيخاً أو أخاً، ولو أعجبك طاعته واجتهاده، ولأن تصحب جاهلاً لا يرضى عن نفسه، خير من أن تصحب عالماً يرضى عن نفسه، أولئك أهل النفوس- يدعون إلى نار الشهوات والحظوظ العاجلة أو الآجلة، والله يدعو إلى التطهير من شهود الأغيار، والدخول في حضرة الأسرار، وهذا لا يكون إلا للعارفين الأبرار الذين تطهروا من الأكدار، وتخلصوا من شهود الأغيار، كذلك يُبين الله آياته للناس- الدالّة على وحدانيته- لعلهم يتعظون فينزجرون عن متابعة الهوى، أو رؤية وجود السوى. وبالله التوفيق، وهو الهادي إلى سواء الطريق.