الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكمين، وقيل: الزوجان، وجرت عادة القضاء أن يبعثوا امرأة أمينة ولا يبعثوا الحكمين، قال بعض العلماء: هو تغيير للقرآن والسنة الجارية. هـ.
فإن بُعِث الحكمان، فإن أرادا إصلاحًا بين الزوجين، واتفقا عليه، وفق الله بينهما ببركة قصدهما، وفيه تنبيه على أن من أصلح نيته فيما يتحراه أصلح الله مبتغاه. إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً خَبِيراً بما في الظواهر والبواطن، فيعلم كيف يرفع الشقاق ويوقع الوفاق.
الإشارة: وإن خفتم، أيها الشيوخ، على صاحبكم منازعة النفس والروح فكانت النفس تجمح به إلى أسفل سافلين، بمتابعة هواها وعصيان مولاها، والروح تجنح به إلى أعلى عليين، بجهاد هواها ومشاهدة مولاها، فابعثوا له واردين قويين، إما شوق مقلق يرحل الروح إلى مولاها، أو خوف مزعج يزجر النفس عن هواها. فإن أراد الله بذلك العبد إصلاحًا لحاله أرسلهما معًا متفقين على تخليصه وارتفاعه، فيتقدم الخوف المزعج ويستدركه الشوق المقلق، فيلتحق بأهل التحقيق من أهل التوفيق، وما ذلك على الله بعزيز، وفي الحكم:«لا يُخرِج الشهوةَ من القلب إلا خوف مُزعج، أو شوقٍ مقلق» . والله تعالى أعلم.
ولما فرغ الحق جل جلاله من الكلام على حفظ الأموال، وحفظ الأنساب، وبعض حفظ الأبدان، شرع يتكلم على حفظ الأديان، وما يتعلق بذلك، فقال:
[سورة النساء (4) : آية 36]
وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَبِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى وَالْجارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً (36)
قلت: الجُنب- بالضم-: البعيد، يقال فيه: جُنُب وأجنب وأجنبي، وسمي الجُنبُ جُنُبًا لأنه يبعد من المسجد وعن الصلاة وعن التلاوة، و (مختال) أسم فاعل، وأصله: مختيل، بالكسر، من الخُيَلَاء وهو التكبر.
يقول الحق جل جلاله: وَاعْبُدُوا اللَّهَ أي: وَحِّدُوه وأطيعوه وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً جليًا أو خفيًا في اعتقادكم أو في عبادتكم، فمن قصد الحج والتجارة، فقد أشرك مع الله في عبادته، وأحسنوا بالوالدين إحسانًا حسنًا، وهو برهما والقيام بحقهما، وَبِذِي الْقُرْبى، أي: القرابة في النسب، أو الدين وَالْيَتامى لضعف حالهم، وَالْمَساكِينِ لقلة ما بيدهم، وقد شكى بعض الناس قساوة قلبه، فقال له عليه الصلاة والسلام:«إن أردتَ أن يلين قلبُك، فأطعم والمسكين وامسح رأس اليتيم، وأطعمه» .
وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى الذي قّرُب جواره أو نسبه، وَالْجارِ الْجُنُبِ الذي بَعُد مكانه أو نسبه، وحَدَّد بعضُهم الجوار بأربعين دارًا من كل ناحية. وقال ابن عباس: الجار ذي القربى: الجار الذي بينك وبينه قرابة، والجار الجنب: الجار من قوم آخرين. هـ.
قيل يا رسول الله: ما حق الجار على الجار قال: «إن دعاك أجبتَه، وإن أصابته فاقةٌ عُدتَ عليه، وإن استقرضك أقرضته، وإن أصابه خير هنأته، وإن مرض عدته، وإن أصابته مصيبة عزيته، وإن توفي شهدت جنازته، ولا تستعل عليه بالبنيان لتحجب عنه الريح إلا بإذنه، ولا تؤذه بقُتار قدرك- أي: بخارها- إلا أن تغرف له منها، وإن ابتعت فاكهة فأهد له منها، فإن لم تفعل فأدخلها سرًا، ولا يخرج ولدك منها بشيء فيغيظ ولده» ثم قال: «الجيران ثلاثة: فَجَارٌ له ثلاثة حقوق: حق الجوَارِ، وحق القرابة، وحق الإسلام، وجار له حقان: حق الجِوَار، وحق الإسلام، وجَارٌ له حق واحد: وهو المشرك من أهل الكتاب» .
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، وهو الرفيق في أمر حسن، كتعلم وتصرف وصناعة وسفر، فإنه صحبك بجنبك، وعن عليّ- كرّم الله وجهه- (أنها الزّوجة) ، فيتأكد في حقها الإحسان زيادة على المعاشرة بالمعروف، قال بعضهم: أول قدم في الولاية كف الأذى وحمل الجفا، ومعيار ذلك حسن معاشرة الأهل والولد، وقال- عليه الصلاة السلام-:«خَيرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِنسَائِه، وأنَا خَيْرُكُمْ لِنسَائِي» . وَابْنِ السَّبِيلِ، وهو الضيف أو المسافر لغرابته، وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ، من الإماء والعبيد، وكَانَ آخر كلام النبي- عليه الصلاة والسلام:«الصلاةَ الصَلاةَ وَمَا مَلَكتْ أيمانُكُمْ» .
إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا أي: متكبراً، يأنف عن أقاربه وجيرانه وأصحابه ولا يلتفت إليهم، فَخُوراً يتفاخر عليهم بماله وجاهه، وما خوله الله من نعمه، فهو جدير أن تسلب منه.
الإشارة: واعبدوا الله، أي: بالقيام بوظائف العبودية، ومشاهدة عظمة الربوبية، وقال بعض الحكماء:
العبودية: ترك الاختيار، وملازمة الذل والافتقار. وقيل: العبودية أربعة أشياء: الوفاء بالعهود، والحفظ للحدود، والرضا بالموجود، والصبر على المفقود، وعنوان ذلك صفاء التوحيد، ولذلك قال: وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً أي:
لا تَرَوْا معه غيره، كما قال القائل:
مُذْ عَرفْتُ الإِلَهَ لَمْ أَرَ غَيْراً
…
وكَذّا الْغَيْرُ عندنا ممْنُوعُ
وقال آخر: (لو كلفت أن أرى غيره، لم أستطع، فإنه لا غير معه حتى أشهده) . فإذا حصلت العبودية في الظاهر، وتحقق التوحيد في الباطن، ظهرت عليه مكارم الأخلاق فيُحسن إلى الأقارب والأجانب، ويجود عليهم