الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مندلي الحالية
كان حضرة الكاتب السيد عبد الرزاق أفندي الحسني كتب مقالا في لواء ديالى وذكر مندلي من أقضيتها (7: 537) ولما كان لهذا القضاء شأن في التاريخ طلبنا إلى حضرة المعلم ميخائيل توماس وهو مدرس اللغة الإنكليزية - في مدرسة الحكومة أن يصفها وصفا وافيا يصور لنا هذا القضاء تصويرا يمكننا من أن نقف على أمرها كما هي عليه اليوم فكتب لنا ما يأتي.
1 -
موقعها
مندلي أحد الأقضية التابعة للواء ديالى في العراق العربي. وهي تبعد عن بغداد بالسيارة نحو ست ساعات وبالقافلة زهاء ثلاثة أيام أو 24 ساعة أو 58 ميلا.
2 -
اسمها الأصلي
يقال أن الفرس لما اكتسحوا بعض جهات العراق في أيام السلطان مراد اجتاحوا هذا المحل وسموه باسم فارسي (بندنيك) ثم استخلصها الترك من أيديهم فحرفوا اسمها وصار (بندنيج).
ثم أن اسم بندنيج تحرف مرة أخرى إلى مندليج ولا يزال هذا الاسم الأخير مستعملا حتى الآن عند الفرس، والرسائل الواردة من إيران إلى مندلي تكتب عناوينها (مندليج) وفي الأخير خفف العراقيون المعاصرون هذا اللفظ بحذف الجيم فصارت (مندلي).
3 -
نفوس القضاء
إني تحققت من كاتب النفوس في مندلي حسب الإحصاء الذي أجراه سنة 1928 أن عدد أهاليها مع أهالي ناحية قزانية وقرية دو شيخ بلغ (12. 141) ولكن لم تسجل أسماء نفوس مقاطعات القضاء لأنهم عشائر فلو أردنا إضافة عددهم إلى نفوس القضاء لبلغ خمسة عشر ألفا ومن جملة السكان نحو 200 إسرائيلي ساكنين في 40 بيتا وهم في نفس القضاء وحده لا في ملحقاته. وليس في القضاء أحد من النصارى. وفيهم قلم حاجية.
4 -
ناحية قزانية
لمندلي ناحية واحدة لا غير وهي قزانية وتسمى عندهم (جيزاني) وهي واقعة في جنوبي مندلي على بعد ساعة ونصف منها سيرا على الأقدام وفيها مدرسة أولية ذات صفين مبنية على الطرز الحديث وتقابل دار الحكومة وقد شيدت هذه المدرسة سنة 1924 ويبلغ عدد تلاميذها نحو 30 تلميذا. وفيها محلتان وهما: (جاي محله سى) و (قلعة محله سى) وتبلغ دورها 700 وخاناتها ثلاثة وعدد نفوسها نحو 3. 600 ويتكلم أهاليها الكردية والفارسية وقليلا من العربية.
5 -
قراها
من قراها (نقيب) وهي واقعة في غربي مندلي على بعد ساعة واحدة منها. وقرية (دو شيخ) وهي واقعة في شرقي مندلي على بعد ساعتين منها سيرا على
الأقدام وفيها 200 بيت. وفي هذه القرية تصنع الكوافي (جمع كوفية وهي غطاء الرأس).
6 -
مقاطعاتها
(نفت) وتبعد عن مندلي 3 ساعات سيرا وفيها 300 بيت و (طحماية) وتبعد عن مندلي 3 ساعات وفيها 310 بيوت. و (دحلة) وهي على بعد 4 ساعات من مندلي وفيها 300 بيت. و (العمريات) على بعد 3 ساعات من مندلي وفيها 100 بيت. و (ترساق) على بعد خمس ساعات من مندلي وفيها 150 بيتا وفي جميع هذه المقاطعات عشائر من الأعراب وبيوتهم كلها من الشعر.
7 -
عشائرها
في مندلي طائفة من عشائر الأعراب والأكراد منهم: (قره آلوس) و (زهيري) و (البو جواري) و (الحامدة) و (العوادل) و (بنو عكبة) و (البو فرج) و (البو حريت) و (رديني).
8 -
معادنها
على مسافة ثلاث ساعات من قصبة مندلي ينابيع نفط وعيون قير وفيها ممالح مشهورة بجودة ملحها.
9 -
مبانيها
لا تزال المباني الموجودة في مندلي على حالها السابق من غير أن يحدث فيها إصلاحات عصرية كما حدث في أقضية أخرى. وإليك أسماء المباني التي فيها: سراي الحكومة - دائرة البلدية - دائرة البرق والبريد (وقد أقيم فيها تلفون في هذه السنة 1929) - دار الكمرك والمكوس - المدرسة الابتدائية الأميرية - المستشفى الملكي - سيشيد فيها عن قريب دائرة للبيطرية - 3 حمامات - جامعان - 3 مساجد - سوقان - خانان أحسنهما المسمى خان هرون وهو منظم وفيه أمتعة التجار وبضعة حوانيت للباعة وجايخانة (مشرب للشاي) وفي هذا الخان ينزل المسافرون القادمون للتجارة - 1700 دار - مطحنة بخارية (مكينة للطحين) - مثلجة (آلة لصنع الثلج) - كنيس لليهود - محل شركة لمكائن خياطة سنجر - 200 دكان للبدالين والبزازين وغيرهم - 7 زوايا - 10 مقاه كبيرة
أحسنها قهوة هرون بازاء دائرة لكمرك وإليها يذهب أكثر الأشراف والموظفين ثم يليها في الجودة قهوة روبين الإسرائيلي - 30 مشرب شاي (جايخانات) - 4 كتاتيب لتدريس أصول القرآن ومبادئ الديانة ومبادئ اللغتين الفارسية والتركية - 3 مقرات (كراجات أي مستودعات للسيارات).
10 -
مساكن مندلي والإيجار
يبني الأهلون أساس بيوتهم بحجارة صخرية تجلب من جبال الحدود ثم يقيمون عليها الجدران باللبن ويسقفونها بالجريد فيرص على جذوع النخل وشوارع المدينة وأزقتها قذرة لا أثر للعناية بها. والمياه على قلتها ملحة ومرة. وحركة النقل بالسيارات دائمة بينها وبين العاصمة وقد اكتسبت المياه ملوحتها من مرورها في أراضي الزرع وذلك لأن مؤسسي المدينة شيدوها في أسفل المنحدر وزرعوا بساتينهم ونخيلهم أعلى من منازلهم. أما المياه التي فوق البساتين وعلى مقربة من الحدود فأقل منها ملوحة وأحسن طعما.
وأجرة المساكن والدكاكين هناك أرخص مما في بغداد كثيرا إذ يمكن استئجار أحسن دار بمبلغ عشر ربيات شهريا أو ما دون ذلك أي بخمس أو ست وهكذا قل عن أجرة الدكاكين - وأما لوازم المعيشة فأكثرها تجلب من العاصمة.
11 -
محلات البلدة
تنقسم المدينة إلى ست محلات كبيرة أكبرها محلة (قلعة جميل بك) الواقعة في الجزء الشمالي من المدينة وأكثر أهلها فرس ولغتهم فارسية وهي تختلف في اللهجة عن الإيرانية ويتكلمون بعض التركية والعربية وقليلا من الكردية وأهلها مسلمون سنة وشيعة وأغلبهم شيعة. ومحلة (بوياقي) وهي واقعة في الشمال الغربي وأكثرهم ترك ويتكلمون اللغتين التركية والعربية وكلهم سنة. ومحلة (قلعة بالي) وهي واقعة في شرقي المدينة وأكثر سكانها أكراد يتكلمون الكردية والتركية وأهلها سنة وشيعة وأكثرهم شيعة. ومحلة (قلم حاج) أو قلعة الأمير حاج، وهي واقعة في الجنوب ويتكلم سكانها الكردية والتركية وهؤلاء على مذهب ال (علي اللهية) وهم القلم حاجية (راجع لغة العرب 7: 513) ومحلة (نقيب) وهي واقعة جنوبا وسكانها يتكلمون العربية وقليلا من
التركية وكلهم سنة. ومحلة (السوق الكبير) واقعة في وسط المدينة وبها السوق الكبيرة. وكل أهلها يتكلمون العربية والتركية. ومحلة (السوق الصغير) واقعة في (شمال) وفيها السوق الصغيرة وأهلها كلهم شيعة ويتكلمون الفارسية وقليلا من الكردية.
12 -
أنهارها
أنهارها الأربعة (فلشت) ويخرج من نهر (جني) وهما في الشمال وفيها ثلث ماء الأهالي ونهر (السوق) في وسط المدينة وفي الجهة الشرقية نهر (باغ) و (قزانية).
13 -
مياه مندلي
تقع مياه مندلي (المالحة المرة) التي تشبه مياه تلعفر من أراضي (هيوان) على مسافة خمسة أيام للمسافر المجد (كما يقدر أهالي مندلي بعد البلاد بعضها عن بعض) وكانت حدود مندلي في عهد الأتراك تمتد إلى مقربة من منابع المياه وكانت أراضي (سنبار) داخلة في الحدود التركية ولذلك كان يسهل عليهم في ذلك العهد أخذ كمية وافرة من سنبار وكانت المنازعات تدور حول امتلاك المنابع نفسها. وكانت الحكومة تساعد الأهالي على الخصام والمعاداة عند انقطاع المياه عنهم بل كانت تمدهم بالسلاح والذخيرة والجند فيذهبون إلى ديار الفرس فيستخلصونها من أيد أولئك الفرس وتبقى في أيدي المندليين بضع سنين ثم ترد إلى أهلها وهكذا دواليك. وقبل الحرب العامة جاءت لجنة تحكيم المياه إلى مندلي
أعضاؤها أجانب بين فرنسي وإنكليزي وروسي وإيراني وبينهم القائد التركي عزيز بك من قبل الأتراك فقررت هذه اللجنة أن تكون نصف مياه سنبار لمندلي وبقيت حالة المياه على هذا الحكم مدة الحرب العامة وأيام الاحتلال حتى بدء الحكومة العراقية. ثم تبدلت الحال فحجز جزء كبير من المياه عن مندلي منذ ذلك الحين فقام المندليون بتقديم عدة شكاو وعرائض إلى المقامات العالية وأولياء الأمور لكن الحالة ازدادت شدة في كل سنه حتى أدى الأمر إلى انقطاع المياه في هذا العام. والماء الذي يتخلل البلدة قذر جدا ولا يقوم بحاجة الأهالي الضرورية إلا بشق النفس هذا فضلا عن إسقاء البساتين التي تحتوي على نحو مليون نخلة
ويزرع من الشتوي ما يقرب 3500 فدان داخل القضاء.
إني رأيت بعد التحقيق أن هذا الماء لا يأتي من سنبار ببلاد إيران أي من المنابع وإنما يأتي من الكهاريز التي حفرها الأهالي قبل زهاء عشرين سنة وصرفوا عليها ما يقرب 2500 ليرة عثمانية. وهذه الكهاريز في سفح جبل واقع في المنطقة الإيرانية وتتصل مياه الكهاريز (أي المنابع الصغيرة الصناعية) بالنهر الذي يخترق مندلي، وحسبما سمعت أن الفرس عزموا على سد تلك الكهاريز ولا أدري مقدار صحة هذا الخبر، وكيف تكون حالة سكان المدينة وما يؤول إليه أمرهم إذا سدت البقية الباقية من الماء عنهم.
على أني أتوقع خلاف ما يتوقعه أهل مندلي إذ أن الصلات بين إيران وحكومتنا توثقت عراها وتجتهد كل دولة لأن ترضي الدولة الأخرى بأحسن وجه
14 -
الدعاية الفارسية
الدعاية الفارسية سائرة في المدينة سيرا بطيئا لكنها بصورة منتظمة ومدبرة وأقراص الحواكي (القوانات) الفارسية تدار في المقاهي وقد سمعت ذلك بنفسي. وضع صاحب القهوة اسطوانات فارسية للحاكي وأداره لكن شباب العرب المنورين أنكروا هذا الأمر وقام أحد طلبة الكلية الأعظمية ونادى صاحب القهوة وأمره بتبديلها باسطوانة عربية فانقاد للأمر وغيرها. وهكذا الحق لا يعدم أنصارا في أي مكان وفي سنة 1927 أتى إلى مندلي رجل فارسي الأصل من كرمانشاه اسمه (علي نقاش كرمنشاهي) وصور على جدران أكثر مقاهي البلدة رسوما عجيبة ومدهشة تمثل رجال الفرس وأبطالهم القدماء ومن هذه الرسوم أذكر ما يأتي: رستم زاد - قهرمان - توز - أفراسياب - زال والد رستم - سهراب ابن
رستم - محمد شير زاد - أمير خان الونكوهي - عبد الحميد ابن اسكندر - فرهان بن سلطان الصين - شاه عباس جنة مكان - حسين الكرد - بابا نسيم - أمير أرسلان الرومي - كيسسيا بانو ابنة رستم - فلا مرزو بن سهراب - وغيرهم. ويقول أهالي مندلي عن هؤلاء الرجال أنهم بهلوانية. والذين لهم اطلاع تام على الفارسية يقولون أن لهؤلاء الأبطال كتبا مطبوعة بالفارسية تبين سيرة كل منهم وأعماله وما أتاه من الشجاعة وذلك بتفصيل
ومبالغات لا وجود لها في اللغات الأخرى. ويسمون الكتب التي فيها تواريخ هؤلاء الأبطال (شاهنامه) باسم الكتاب الذي ألفه فردوسي وهي على نسق كتاب ألف ليلة وليلة هذا وقد كلفت الأصباغ والنقوش كل قهوة زهاء خمسين ربية ولكن لا أظن أن هذه الرسوم يبقى أثرها مدة طويلة إذ أن بعضها على وشك الامحاء ولعل السبب في ذلك عدم ثبوت الأصباغ لأنها تحل في الماء وتنقش بها الحيطان المطلية بالبورق.
15 -
أقوال بعض الناس عن نواب الأمة
يقال في مندلي أن نواب الأمة يتذاكرون كثيرا ويحتدم الجدال بينهم في المسائل التافهة كقضية الصحف المعطلة ويصرفون وقتا جليلا فيها ويتركون مسائل القطر الحيوية بلا بت فيها ويدعونها معلقة من أن الواجب يقضي عليهم بفض القضايا الكبيرة لتنتفع البلاد بنتائجها ولا يتأخر تقدمها ورقيها ويعدون مسألة مياه مندلي من أكبر القضايا التي يلزم البت فيها بسرعة.
16 -
اقتراحاتهم
يقترحون استبدال أراضي سنبار التي هي للإيرانيين من أراض أخرى أقل أهمية منها لتكون أراضي سنبار من المنطقة العراقية أو داخل الحدود العراقية وإن لم يمكن حفر آبار ارتوازية تكفي مياهها لري المزروعات والبساتين وسد حاجة الأهالي أو عقد معاهدة مع الفرس لأخذ نصف المياه مع تنظيف الكهريز التي أنشأها الأهالي ووضع شروط تكفل تنفيذ المعاهدة على الدوام وبينما يشتكي أهالي مندلي من العطش تجد الإيرانيين يزرعون خضراواتهم في أراضي سنبار ويبددون هذه المياه في السهول الفارسية الواسعة ولقلة المياه في مندلي نقص محصول التمور إلى الخمس ويبست الأشجار المثمرة في بساتينهم إلا
البرتقال وبدأ الجفاف يدب فيه أيضا أما النخيل فيجف وييبس شيئا بعد شيء بنسبة 20 في المائة سنويا ودليلهم على ذلك أن مندلي تقدم إلى بغداد الخضراوات والفاكهة فأصبحت اليوم تستجلبها هي من العاصمة والأقضية المجاورة لها بالسيارات وعلى ظهور الدواب.
ميخائيل توماس أحد المدرسين في وزارة المعارف العراقية