المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بسمى أو أدب القديمة - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٧

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 65

- ‌سنتنا السابعة

- ‌في يوبيل أنستانس الذهبي

- ‌لجنة اليوبيل الكرملي

- ‌دعوة الزهاوي

- ‌حفلة يوبيل العلامة الكرملي

- ‌رسالة المجمع العلمي العربي في دمشق

- ‌برقيات المستشرقين

- ‌لغة العرب

- ‌العلامة الكرملي في حفلة تكريمه

- ‌تقدير النبوغ والعبقرية

- ‌في موقف التكريم

- ‌نشيد وتفنيد

- ‌أقوال الصحف

- ‌العدد 66

- ‌اللغة العربية والتجدد

- ‌عند الشاطئ

- ‌رشيد الدين

- ‌البعيم

- ‌لواء الموصل

- ‌عوض

- ‌الأرملة المرضعة

- ‌يا محب الشرق

- ‌قبر الإمام أبي يوسف

- ‌اليوبيل

- ‌ثياب الشرق في بلاد الغرب

- ‌السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي

- ‌نظرة في تاريخ مساجد بغداد

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 67

- ‌الشمسية

- ‌صفحة من تاريخ التطعيم

- ‌اللغة العربية والتجدد

- ‌معجم الشعراء للمزرباني

- ‌دار ابن الجوزي وقبره ببغداد

- ‌ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌جامع قمرية والمدرسة العمرية

- ‌عشائر لواء الموصل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 68

- ‌حضارة الإسلام ومفكروه

- ‌قبر الإمام أحمد بن حنبل

- ‌أسماء القبائل وأنسابهم

- ‌السرحيون أو الشرويون

- ‌على يفعول

- ‌من أوهام المنجد

- ‌الحامض وأنواعه

- ‌نصرة الحق واجبة

- ‌اليزيدية

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 69

- ‌حضارة الإسلام ومفكروه

- ‌في ظلال الحب الشريف

- ‌قبر ابن الجوزي وقصور الخليفة

- ‌معجم المرزباني

- ‌صفحة منسية من تاريخ نادر شاه

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌لواء الدليم

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌الشفق الباكي

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 70

- ‌اليزيدية

- ‌كحل الإخفاء

- ‌إلياس صالح اللاذقي

- ‌نسخ كتاب الدرر الكامنة

- ‌أرجوزة الظاء والضاد

- ‌المطبوعات الحديثة في النجف

- ‌اللباب ورباعيات الخيام

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 71

- ‌القلم حاجية

- ‌الكشافة

- ‌نكبة الفلاح

- ‌لواء ديالي

- ‌قبر رابعة

- ‌الشيخ سكران

- ‌هولاكو في بغداد

- ‌من مشاهير رجال المائة السابعة للهجرة

- ‌تتمة عن اليزيدية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 72

- ‌فضل العربية على سائر اللغات

- ‌بسمى أو أدب

- ‌جامع قمرية

- ‌ما فوق باب اورتمه من الكتابة

- ‌رسالة في تراجم أحوال الرجال

- ‌الحاج الميرزا معصوم العلوي

- ‌مندلي الحالية

- ‌الشعر في مصر

- ‌السريطاء أو السويطاء

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 73

- ‌الحالة الاجتماعية للعشائر العراقية

- ‌حرف الضاد واللغة المالطية

- ‌الكتابة التي فوق باب جامع مرجان

- ‌بسمى أو أدب القديمة

- ‌وزن الفعل الثلاثي بتداخل اللغتين

- ‌تكلم جبر ضومط

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 74

- ‌ترجمة فنان عراقي

- ‌مندلي الحالية

- ‌عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار

- ‌مشاهير جمع مشهور

- ‌الأغاني

- ‌الشعر في مصر

- ‌شرح لسقط الزند

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 75

- ‌معجمنا أو ذيل لسان العرب

- ‌أدب ومعناها

- ‌المولى في لغة العرب

- ‌كتاب الجيم في اللغة

- ‌أكان السموأل نصرانيا

- ‌علاج بدو العراق للزهري

- ‌أصل كلمة إبليس

- ‌تاريخ بغداد

- ‌الجري والجريث

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌بسمى أو أدب القديمة

‌بسمى أو أدب القديمة

1 -

مدخل البحث

في عام 1820 أي منذ أكثر من قرن شرعت إنكلترة وفرنسة ثم عقبتهما أميركة وألمانية في ارتياد ديار بابل وآشور ونبش مدنها المدفونة وكانت نتيجة إقدام هذه الدول ومجازفتها بأموالها ومخاطرة علمائها بحياتهم ملء دور التحف في أوربة وأميركة بآثار هذه البلاد وعتائقها وركازها فإن الجهود التي بذلها كل من لايرد وسمث في نينوى وبلاص في خرستاباذ (خورسباد) ودي سرزك في تلو ورتش ورولنصن ورسام وكلدواي في بابل وكمبل ووولي في أور ووارد وبترس وهينس وهلبرخت في نفر، وبنكس في بسمى (أدب)، ولفتس في الوركاء وسنكرة وتل سفر، وتيلر في أريدو (أبو شهرين) أثمرت ثمارا لذيذة جناها عارفو قدرها.

2 -

البعثات الأميركية إلى ديار العراق قبل الحرب العظمى

سارت البعثات البابلية على نفقة الولايات المتحدة من ربوع العالم الجديد وألقت عصا ترحالها في وادي الفراتين فتكللت مشاريعها بالنجاح وكانت البعثة البابلية على نفقة جامعة شيكاغو الثالثة من نوعها فقد غادرت ربوع أميركة وحلت في القطر العراقي وقامت بتحريات وتنقيبات دقيقة فاقت من تقدمها في هذا المضمار. وأول بعثة نزحت من العالم الجديد ويممت ديار العراق كانت بإيعاز الآنسة كاترينة د. وولف فقد أمدتها بأموالها وجهزتها بكل ما يلزمها من وسائل النجاح وكانت تلك الغادة من بنات نيويرك العاملات في اكتشاف دفائن الكنوز الأثرية والوقوف على محتوياتها. وقد ترأس تلك البعثة وأشرف عليها الدكتور وليم هيس وارد فقضى عام 1884 - 1885 في تفقد أطلال بابل والبحث عن أنقاضها وقد أتاح له الحظ أن يبتاع مقدارا وافرا من الرقم المسمارية والختوم المحفورة.

ص: 693

هذا ولو إن بعثة وولف لم تجر تنقيبات ولم تحاول الحفر في بعض المدن القديمة إلا إنها مهدت الطريق لجامعة بنسلفانية الشهيرة في أطلال نفر ودرست أساليب النبش بصورة

علمية فنية فأمدتها بأنباء سهلت عليها الشروع في العمل.

استمرت البعثتان الأوليان في الحفر والتنقيب مدة ثلاث سنوات أي من سنة 1888 إلى 1891 بإشراف الدكتور جون ب. بيترس وقد وصف هذا النقابة وصفا دقيقا كل ما قام به من الأعمال في كتابه المسمى نفر ثم استؤنف الحفر في البعثة الثالثة ودام نحو ثلاث سنوات أخرى أي من عام 1893 إلى 1896 برئاسة ومشارفة الدكتور ج. هـ. هينس أما البعثة الرابعة فترأسها بصورة رسمية الدكتور هـ. ف. هلبرخت بيد أن التنقيب ظل في عهدة الدكتور هينس فأسفر عن اكتشاف عظيم من صفائح الآجر، وقد استدل علماء الآثار من تلك الكنوز الأدبية على أحقاب تاريخ بابل تقريبا ومعظم تلك الرقم محفوظة اليوم في متحفة جامعة بنسلفانية.

إن البعثة الثالثة كانت فكرة فكرها في بادئ الأمر الدكتور إدجر بنكس الذي غادر مرسيلية في تموز من سنة 1898 قاصدا خليج فارس فثغر البصرة وقد دام سفره نحو عشرين يوما عانى في أثنائها من شدة الحر ومشقة التنقل من بلد إلى آخر ما لا يوصف وقضى ما عدا ذلك عشرة أيام في المحجر الصحي في البصرة لأنه كان قد فشا في تلك السنة داء الهيضة في العراق وبعد ذلك تسنى له القدوم إلى مدينتنا التي سماها بغداد المجيدة في فصل عقده في كتابه (بسمايا أو أدب المفقودة) وقبل أن يشرع في عمله الذي قدم من أجله في العراق قام في طريقه عراقيل جمة حالت دون البلوغ إلى أمنيته وقد نشأت تلك العراقيل من القانون الذي نشر في تركية عام 1887 وهذا القانون كان قد اقتبس من قانون الآثار العتيقة في بلاد اليونانيين وورد فيه منع استخراج الآثار من بطون الأطلال المنبثة في أطراف البلاد القديمة فذهبت أتعابه أدراج الرياح في محاولته إقناع والي بغداد ليسمح له بالشروع في العمل واضطر أخيرا أن يقفل راجعا في تلك السنة نفسها إلى نيويرك في باخرة كان حملها التمر البصري

ص: 694

بعد سفر طال مدة 42 يوما.

وفي صيف عام 1899 تألفت لجنة باسم بعثة أور انتخبت لها رئيسا و. ر هربر من جامعة شيكاغو ومن أعضائها الرئيس هنري مورتن من معهد استيفنس والمطران بوتر وس. ن. بلس وو. أي. دودج وايسيدور ستروس وغيرهم من أساطين علم الآثار من الأميركيين ومنهم الدكتوران بترس ووارد وقد عهدت مشارفة تلك البعثة إلى الدكتور

ادجر جمس بنكس وتعين المستر جورج فوستر أمينا للصندوق والدكتور و. هـ. هزرد كتوما لتلك البعثة.

وبعد أن تألف أعضاء تلك البعثة قامت جامعة شيكاغو وتبرعت بدفع المبالغ المطلوبة من الهبة التي نالتها من رجل البر والإحسان جون د. روكفلر المثري الأميركي الشهير فقد كان في أحد الأيام جالسا يحادث وليم ر. هربر رئيس جامعة شيكاغو فأفضى بهما الحديث إلى الفوائد العظمى التي تنجم من التنقيبات في مدن الشرق القديمة المطمورة والنور الوحيد الذي يزيل الظلمات التي تغشي أسفار التوراة بل المرشد الأمين في فك معضلات تاريخ العالم القديم وبعد تلك المحاورة أنصرف روكفلر عن داره وأخذ يفكر في هذا الأمر وفي اليوم التالي هزته الأريحية فمنح هبة مقدارها مئة ألف دولار تنفق مدة عشر سنوات على أعمال الحفر في أطلال مدن الممالك الشرقية القديمة وبهذه الوسيلة أصبح بحوزة جامعة شيكاغو مال كاف للشروع في عمل يستغرق بضع بعثات أثرية وقد بات ذلك المال بنظارة رئيس الجامعة المستر هربر وعين أخوه الأستاذ ر. ف. هربر مديرا للبعثات في بابل وآشور وعهد إلى الأستاذ برستد التنقيب في مصر وألقي على عاتق الأستاذ جويت مهمة الحفر في سورية وفلسطين وقد عقد أعضاء هذه اللجنة اجتماعا في ديوان المستر ستروس وذلك في 3 كانون الأول 1899 وبعد التداول قر رأيهم على أن الدكتور بنكس يشارف تلك البعثة ويكون عميدها.

وأقام الرئيس مورتن عشاء لأفراد تلك البعثة أطلق عليها اسم

ص: 695

المأدبة البابلية وكانت فريدة في بابها غريبة في صورتها بديعة في شكلها فإن بطاقات الدعوة كانت مكتوبة بلغة نبوكد نصر الملك الكلداني العظيم وموضوعة في صحون أمام المدعوين والخبز الذي تناولوه كان على هيئة الآجر البابلي وكان لون صحيفة المرطبات الواسعة يشبه لون رمل الصحراء وكانت هناك أبل متخذة من الحلواء قائمة في تلك الصحفة وعليها قطع من المرطبات وأغرب من كل ما تقدم الكعك العالي الضخم الذي يمثل برج بابل بشكله وحوله جماعة من الأعراب بأزيائهم البدوية وبأيديهم المعاول وهم يحاولون الحفر وكان ضمن طبقاته العديدة كنوز جميلة لكل من المدعوين. ثم شرع مدير تلك البعثة وهو الدكتور جمس بنكس ينبش بمعوله أطراف ذلك الكعك العظيم ويستخرج من أنقاضه الركاز أي الكنوز المدفونة

والعاديات ويوزعها على الحضور وفي الختام شربوا نخب تلك البعثة وانفض الاجتماع على أمل الشروع في تلك المهمة وأخذ يهيئ كل ما يلزم للسفر قبل مغادرته مسقط رأسه وقصد قبل ذلك إلى المتحفة البريطانية واللوفرية ليتروى في الآثار البابلية قبل الشروع في المهمة الملقاة على عاتقه وقد نجح في ذلك نجاحا باهرا وبعد أن تم له ما أراد يمم الآستانة للحصول على فرمان (إجازة) تخول له التنقيب في المقير (أور الكلدان) ووصل القسطنطينية في الخامس عشر من كانون الثاني عام 1900

وقد قامت عراقيل كثيرة في وجه القائمين بهذه البعثة حالت دون سيرها فلم تحصل على طائل مع كل الجهود التي بذلها كبار سياسيي أميركة في الآستانة بحجة إن القبائل النازلة في أطراف أور (المقير) ثائرة على السلطة المحلية في العراق وعليه لا يسمح للأجانب أن يرتادوا تلك البقعة أو يحفروا في أنقاضها لئلا يقع ما لا تحمد عقباه. ولما أخفقت تلك المساعي تحولت الأنظار إلى التنقيب في تل إبراهيم وهو كوثى ربى القديمة غير أن الباب العالي في الآستانة رفض ذلك الطلب أيضا بدعوى أن قائم على تلك الرابية قبور أئمة وفيه مزار إبراهيم الخليل وهو موضع مقدس عند سكان تلك الناحية وأخيرا رأى الدكتور بنكس أن يبلغ المستر ليشمان القائم بأعمال السفارة الأميركية في دار الخلافة في ذلك الحين أن ينقب في أطلال بسمى (بسمايا) وعلى هذه الصورة استؤنفت

ص: 696

المفاوضات لنيل إجازة الحفر فيها وبعد جهد جهاد دام ثلاث سنوات صدرت الإرادة الملكية بمنح إجازة التنقيب للدكتور ادجر بنكس الأميركي في أنقاض بسمايا (بسمى) الواقعة في لواء الديوانية وقد اشترطت على المنقب بضعة شروط منها إيداع العاديات المكتشفة في المتحفة العثمانية وكان صدور الإجازة في 4 رجب 1321 هـ 13 أيلول 1319 مالية و26 أيلول 1903 م.

غادر الموما إليه الآستانة في الثالث والعشرين من تشرين الأول من تلك السنة قاصدا بيروت وبرفقته حيدر بك وأحمد القواس وبعد رحيل دام أكثر من شهر حط رحاله في الفلوجة ومن ثم يمم مدينة السلام فوصلها في الثلاثين من تشرين الثاني في الساعة الثانية زوالية ونزل في أحد فنادقها فاستراح فيه بعد وعثاء الطريق وبدأ في نبش أطلال بسمى في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول الموافق صباح عيد الميلاد تبركا بذلك اليوم الميمون في فاتحة عمل أستمر بضعة أشهر من سنة 1904

3 -

موقع بسمى

إن أنقاض بسمى قائمة في سهل واسع بالقرب من مضارب البدير إحدى قبائل الفرات النازلة في أراضي عفك وتلك الأطلال واقعة في قلب الصحراء الممتدة في أصقاع بابل الجنوبية وهي تبعد عن شرقي الديوانية 35 إلى 40 ميلا.

طاف سياح كثيرون في أنحاء بسمى وتفقدوا معالمها وأول رحالة - بل نقابة على ما نعهده - وصف أنقاضها وصفا دقيقا علميا كان الدكتورين وارد وبترس ثم تأثرهما الدكتور بنكس ونبش فيها وألف كتابا نفيسا بحث فيه بحثا وافيا عن ركامها ودون ما اكتشفه فيها من الآثار كما سنصف بعضها في هذا المقال والى المطالع ما كتبه الدكتور وارد في تاريخ 28 ك 2 عام 1885

انبلج الصبح بعد أن هدأت العاصفة فألقت الغزالة لعابها وكان أديم الجو صافيا والريح تهب هبوبا عاليا فانتهزت تلك الفرصة وسرت ونفرا من رجال نوريان فرحان قبل أن أفطر وذلك رغبة في مشاهدة أطلال بسمى على قدر ما تسمح به الأحوال وقد هرول رجالنا مسرعين من مضارب الأعراب وبعد أن سرنا

ص: 697

قليلا لمحنا طرفا من زاوية السور المحيط بتلك الأنقاض ولم يمض على سيرنا خمس دقائق حتى بلغنا الرابية التي دونت فيها ملاحظاتي وفتشت فيها تفتيشا دقيقا لعلي أعثر على آثار مهمة عفوا بيد إني لم أجد سوى آجر خال من الكتابة وخزف مدهون بعضه بدهان أزرق وقطع من الحجر الأسود الصلد ولعل هذه الأنقاض كانت آثار مدينة عظيمة أو معقل كورة مغمورة بالمياه. ثم عبرنا في نهار الثلاثاء مستنقعا واسع الأطراف قيل لنا عنه قبيل أن بلغناه أن اسمه خور العيلة - وكان منذ خمس أو ست سنوات غائرا بيد أن تلك المياه انصرفت بانحدارها في ثغر سد الهندية ومنهم من أخبرنا إن نحو ثلاثة أرباع بسمى محاط بها بالماء.

كانت أسوار بسمى خالية من أثر الجمال وهي تكاد تكون شاذة عن غيرها بهندسة البناء وهيئتها إن نظرنا إليها نظرا عاما. وهي - على ما ترى - مربعة الأضلاع ولكن شكلها هذا وزواياها مائلة إلى الجهات الأصلية الأربع. وكانت من أكبر التلول القائمة هناك ولم يكن لدي وقت فأطوف حولها كما كنت أرغب وكان في الزاوية الغربية مربع جسيم مرتفع ارتفاعا في أصل وضعه ويظهر إنه متقوم من مربعين كبيرين أحدهما واسع جدا ومتصل

به طرف من مربع ثالث قائم إلى الجنوب وفي المربع الثاني رابية بهيئة برج (أي زقورة) وقد اتخذت مقبرة).

وقد وصف هذه الأنقاض أيضا الدكتور بترس قال: في الساعة الخامسة من اليوم الثاني (بعد وصولنا) ذهبنا إلى أنقاض بسمى ونقبنا فيها بلا كلال حتى الساعة العاشرة، ولم تفارق يداي البندقية لأن تلك المنطقة كانت مكمنا لقطاع الطرق وكان المسمى عبدان مضطرب البال قلقا يحثنا على مغادرة تلك البقعة وقد رأى رأيه المكارون وكانوا من قبيلة عفج (عفك) إذ جزموا أن جماعة من الأعراب القبيحي المنظر أقبلوا من مكان وفي نيتهم نهبنا والإيقاع بنا فمنعهم من تنفيذ مأربهم مشاهدة البندقيتين اللتين كانتا بيدي وبيد نوريان.

تصور أن هناك ردما من الطين عديم الهيئة المقبولة والنظام ومحيط أخربته ثلاثة

ص: 698

أرباع الميل أو ما يزيد وارتفاع أعلى ما فيه يبلغ من ثلاثين إلى أربعين قدما وفيه قطع من الآجر مبعثرة وهناك طرف من سور معقود بالآجر تبرز تضاريسه هنا وهناك بصورة متقطعة وهذا المنظر لا تفرد به بسمى بل يكاد يكون شاملا لعدد كبير من أنقاض المدن القديمة المنبثة على سطح تلك الديار.

إن الفحص الذي يستغرق خمس ساعات لا يسفر طبعا عن اكتشافات عظيمة الأهمية وكل ما أمكننا العثور عليه كان بقايا بناء واسع من الآجر واللبن (واللبن هو الطابوق المجفف بالشمس) ووجدنا في مجرى قناة بالقرب من سطح الأرض قطعا عديدة من الصفائح وبينها صفيحة كاملة غير إنها لسوء الطالع لم يكن منقوشا عليها اسم المدينة التي نبحث عنها والظاهر إنها كانت قديمة العهد وذات شأن كبير إذ كانت تصلها ببلدة نفر ترعة تجري فيها السفن فإن نهر النيل كان يجمع بين هاتين المدينتين إذ على طول مجراه تمتد سلسلة رواب صغار هي أطلال بلاد قديمة.

وإن صح إن موقع بسمى يمثل مدينة اسين فسوف يتيح الحظ لأحد النقابين أن ينبش بمعوله هذه البقعة ويعثر على آثار ذات قيمة ثمينة ويتوقع إنها تظهر مدافنها.

وقد كتب الدكتور بنكس عن هذه الأطلال قائلا: طفت حول بسمى والهواجس تتقاذفني لأني لم أكن أدري أكانت هذه الأنقاض تضم بقايا آثار من عهد العرب القدماء أم من عصر الفرثيين أم الفرس أم من زمن نبوكد نصر. فهذه التخيلات باتت تنتابني ولم أهتد إلى

الإجابة عنها حتى لفت نظري قطع من الخزف الملقاة هنا وهناك فعلمت من هيئتها إنها قديمة العهد ثم عثرت على منشار من حجر الصوان وعلى قطعة من إناء جزع (ضرب من الحجارة الكريمة) وعلى مسافة قليلة وجدت قطعة من الآجر ذات هيئة مسنمة - فحينئذ علمت بل تحققت إن أطلال بسمى ضمنها آثار قديمة العهد ترتقي إلى أوائل حضارة بابل.

وقد وصف أيضا الدكتور المشار إليه أنقاض بسمى فقال ما معناه: كنت

ص: 699

أطوف حول الردم بضع ساعات كل يوم فاحصا باحثا فألفيت منظر الروابي غير منتظم ولا جلي حتى يخيل إلى الناظر إنها آخذ بعضها برقاب البعض وتؤلف بصورة غير مستوفية للترتيب ولا محكمة شكلا مربع الأضلاع ويقرب من المستطيل. وأما زواياه فمتجهة نحو الخوافق.

لقد قست تلك الآكام ما عدا بعض المنخفضات منها القائمة في ظاهر المدينة فألفيت طولها 1695 مترا في عرض 840 مترا وبعبارة أخرى يقدر طول أطلال بسمى بميل وعرضها بنصف ميل ومحيطها بثلاثة أميال يخترقها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي عقيق ترعة تشطرها شطرين غير مستويين وهذا العقيق يمثل مسيل بدعة (ترعة) من شطر النيل كانت تجري قاطعة (نفر) و (دريهم) حتى (بسمى) ومن ثم تواصل مجراها وتنساب في بعض مدن صغيرة فتخرقها وفي الآخر تتحد مع شط الحي.

والكورة المحيطة ببسمى قاحلة اليوم ولا أثر فيها للمياه بيد إنها كانت بعد زوال حضارة البابليين مغمورة بالمياه بفضل الترع التي كانت تحمل مياه الفرات إلى السهول الشاسعة فتحولها مستنقعات.

إن الأعراب النازلين في تلك الناحية يذهبون إلى أن المياه كانت غزيرة في أطراف بسمى في أيام آبائهم ويؤيد قولهم ما يشاهده المرء من المستنقعات الواقعة اليوم إلى الشمال والشمال الغربي من ذلك القطر وكان يجري نهر بالقرب من بسمى منذ نحو قرن ولكن بدلا من أن يجري في وسط أنقاضها القائمة على عقيق الترعة القديمة أخذ ينساب إلى الجنوب الغربي متجها نحو (فارة) على بعد أربع ساعات ليقترن بنهر هناك، وقد جفت ترع بسمى وأصبحت خالية من المياه على أثر انكسار سد الهندية الواقعة على الفرات فوق الحلة

4 -

معنى كلمة بسمى

كانت بسمى تعرف عند الأقدمين من سكان هذه الديار باسم أدب كما حققت ذلك جماعة من الأثريين والمنقبين وفي مقدمتهم الدكتور ادجر جمس بنكس الأميركي وقد جاءت في تاريخ العرب بعد الإسلام باسم بسمى وباروسما ولا

ص: 700

يخفى إن هذين الاسمين لمسمى واحد فإن باروسما لفظة آرمية النجار وأراها مصحفة عن بسمى (بسمايا) المقتضبة من بيت شمايا ومعناها دار السماء وسميت بهذا الاسم لكثرة المعابد والمذابح التي كانت منتشرة في أطرافها غير أن عرب العراق صحفوها فقالوا أولا بسمى ثم بسمايا وهي معروفة إلى اليوم بهذا الاسم عند البدو والحضر وقد أطلقوها على مدينتين كما أشرنا إلى ذلك في مقالنا السابق.

(لغة العرب) نستبعد كون بسمى وباروسما شيئا واحدا.

5 -

التنقيب في بسمى

أسفر البحث والتنقيب في أطلال بسمى عن اكتشافات عظيمة ذات منزلة تاريخية سامية، فقد عثر النقابون على كنوز أثرية ثمينة في أنقاض هذه المدينة المطمورة منذ أجيال عديدة ففي ردمها وخرائبها الدوارس وجدوا جملة صالحة من الآثار وكشفوا عن تمثال كامل من الرخام وتماثيل أخرى مبتورة الأعضاء ومئات من شظايا الأواني الحجرية المحفورة والمرصعة بأحجار كريمة ومنزل فيها العاج والذهب والنحاس ووقفوا على بضعة آلاف من صفائح الآجر المسمارية الخط وعثروا أيضا على مدافن وتوابيت وهياكل وقصور ودور ومنازل واسعة للجنود تشبه الثكنات وسلاح وأوان ودمى وداح وغير ذلك من الأثاث والرياش فكل من هذه الأشياء يمثل ويصور أمام مخيلتنا صورة تامة لحياة البابليين وحضارتهم قبل خمسة آلاف سنة على أقل تقدير.

وجدت هذه المدينة المفقودة بعد احتجابها عدة قرون وبعثت من عالم الدثور والنسيان فأبصرت نور الشمس من جديد وتمتعت بمنظر أبناء آدم الذين يحاولون هتك أسرارها ليتسنى لهم الوقوف على ما خفي من أمرهم. إن اكتشاف معالم هذه المدينة المطمورة أعاد مجد الشمريين والبابليين الأولين وكشف النقاب عن أقدم حضارة عرفت في ديار العراق منذ مئات من السنين فأسماء ملوكها الأشداء وحكامها العقلاء وساستها المحنكين وقوادها

المدربين دونت في سلسلة تواريخها التي لم تزل ناقصة مع كل الجهود التي بذلها المنقبون في الوقوف على ما طمس من أبناء تلك المدينة العريقة في القدم.

ص: 701

6 -

تاريخ مدينة أدب

وقفنا على تاريخ مدينة أدب من آثارها القديمة المطمورة في أنقاضها منذ قرون عديدة بيد إننا لا نستطيع اليوم أن نلم بتاريخها إلماما وافيا وليس في وسعنا أن نحيط علما بأخبار ملوكها وأمرائها كل الإحاطة لأنه لم يتسن للنقابين الأميركيين نبش كل روابيها. وعليه عزمنا على أن ندون ما تيسر لنا من تاريخها حتى يتيح الحظ لأحد الأثريين استئناف الحفر والتنقيب فحينئذ نستوفي البحث عنها بصورة مستفيضة.

لم تكن بابل دولة عظيمة الشأن في أول عهدها أي قبل اتحاد إماراتها بعضها ببعض فقد كانت دويلات مستقلة الواحدة عن الأخرى كل الاستقلال وكان لكل مدينة منها ملك وآلهة خاصة بها وكان سكان كل قطر من أقطارها يقاتلون قتال المستميتين ويضحون بأعز ما يملكون في الذود عن حياض استقلالهم وكانت أدب في ذلك الزمن إحدى تلك المدن التي نازلت من ناوأها وثارت في وجه من هم بالسيطرة عليها وإذلالها وقد ارتقت إلى أعلى منزلة في الحضارة والعمران في صدر تاريخ بابل القديم.

وإذا ألقينا نظرة على الأزمنة المتوغلة في القدم أي قبل نحو عشرة آلاف سنة حينما أخذ البابليون الأولون يشقون أسس مدينة أدب ليستوطنوها نجد (نار مراتو) كان يغمر في ذلك العهد معظم أطراف بلاد بابل ولا يبعد أن هذه المدينة كانت واقعة على ضفة خليج فارس أو بالقرب منه. هذا ومعرفتنا لسكانها الأصليين قليل جدا إذ ليس في استطاعة أحد الأثريين أن يجاهر باسمهم جليا ولا بما كانت عليه لغتهم وديانتهم وعنصرهم وجنسهم ولون بشرتهم إلى آخر ما هنالك من المسائل الغامضة بل لا يعرف مؤرخ معرفة صادقة القطر الذي نزحوا منه ولا كم من الزمن مكثوا في هذه الربوع. وكل ما يمكننا قوله إن آثارهم التي خلفوها تدل دلالة ساطعة على إنهم كانوا شعبا متمدنا

ص: 702

وتشهد شهادة جلية على تسنمهم غارب المعارف والعلوم القديمة ولعل الأمور التي نجهلها اليوم تحل معضلتها التنقيبات المقبلة.

وقد ظهر من التحريات الدقيقة إن شعبا غريبا أجتاح قاعدة بلادهم وحل محلهم وهذا الشعب

الفاتح لم يستتب له الأمر زمنا طويلا إذ غلب على أمره ودحر كما دحر السكان الأصليون قبله وقد كشفت لنا آثار الأنقاض إن كل أمة احتلت هذه المدينة وقوضت أركان من سبقها من الفاتحين شيدت لها مساكن على أطلال المباني الأولى فأصبحت هذه البقعة طبقات من المنازل موضونة الواحدة فوق الأخرى حتى أن المنقبين عثروا في تنقيباتهم على طبقات رقيقة دقيقة من الرماد أظهرت لهم إن غرف تلك البيوت كانت من الخشب وإن نارا عظيمة التهمتها فلم تبق منها ولم تذر ووقفوا أيضا على مدينة من طين وأخرى من صخر الخ وقد حفر الدكتور بنكس النقابة الأميركي بئرا عمقها نحو خمسين قدما في إحدى الروابي حتى بلغ أرض الردم على حقيقتها فوجد تحت الهيكل القائم على مسطح معقود بالآجر المسنم بناءا قديما جدا ولو تيسر له الأمر لحفر تحت ذلك البناء ولوجد مباني أخرى أقدم من المباني التي كشفها ووقف على عروضها فهذا ما تحققه وأقر به المؤرخون المدققون عن هذه المدينة قبل بضعة آلاف سنة من تاريخها.

ظهر الشمريون لأول مرة في العراق قبل المسيح بنحو أربعة آلاف سنة ولا نعرف على التحقيق متى حلوا في هذه الربوع لأن الآثار التي بين أيدينا لا تهدينا إلى بغيتنا بيد أن هذا الشعب كان أرقى الشعوب التي سبقته فاستوطنت بين النهرين وليس لدينا أنباء صحيحة عن الديار التي غادروها قبل أن ألقوا عصا ترحالهم في هذا القطر وكم من الأحقاب قضوا في التنقل من بلاد إلى بلاد أخرى تنقل أمة متحضرة وقد ذهب بعض علماء الآثار إلى إنهم أقبلوا من آسية الوسطى وكانوا أول من اتخذ الكتابة في مراسلاته ولأغراضه السياسية وأول من شوى الآجر وأتخذه مادة للبناء وقد حصنوا مدينة أدب بأبراج لما احتلوها وسوروها بسور عظيم متين من الآجر المسنم وبنوا فيها هيكلا وزينوه بتماثيل ملوكهم.

كان الشمريون منتشرين في كل صقع من أصقاع جنوبي العراق وكانت بسمى إحدى حواضرهم فبقايا آثار مدينتهم وجدت في أنقاض مدن كبيرة حتى

ص: 703

إن كلمة شمر أطلقت على الطرف الجنوبي من بابل فالعروض البديعة والتحف النفيسة التي عثر عليها النقابون في تلو وأور كانت من آثارهم الخالدة ففي بسمى عاشوا قرونا عديدة وأداروا سكان سياستها بحنكة ودراية وطوت جماعة من ملوكهم وأمرائهم بساط أيامهم فيها وأودعت جثثهم مقابر الأسر المالكة حتى ظهر سرجون الأول (2750 ق. م) ذلك الفاتح العظيم فدوخ ديار شمر

واحتل أدب. والأمر الذي حير علماء التاريخ القديم ولم يقفوا له على أثر جلي هو جهلهم عدد الملوك الذين تربعوا على دست إمارة هذه المدينة في خلال تلك القرون المديدة بيد إن الآثار المكشوفة دلتهم على أن خمسة عشر ملكا منهم أقاموا في أدب مباني من الآجر مطبوع عليها أسماؤهم أما باقي ملوكها فلم يهتد أحد حتى اليوم إلى ما قاموا به من الأعمال وما شيدوه من الهياكل والدور. وقد عثر المنقبون في بسمى على تمثال لأحد ملوكها واسمه لوجل داودو - وعلى ملك آخر أسمه بركي - كان حاكما على مدينة كيش أيضا ويهظر إن هذا الملك قدم إلى هيكل اسار نذورا وبينها أوان منقوش عليها اسمه وقد تحقق الأثريون إن في هذا الهيكل كان يعبد إلهان إحداهما دنجرماك - أي الإله الأعظم وأسم الآخر نين خرسج ومعناه آلهة الجبل وكان يتخذ في ذلك الهيكل للعبادة أوان بديعة جدا منحوتة من الحجر.

كان الشمريون كما أشرنا قبيل هذا قد اجتاحوا مدينة أدب وطردوا سكانها

ص: 704

الأولين ثم هاجمهم بعد ذلك بأجيال شعب غريب واستولى على المدينة فأقصاهم عنها صاغرين.

وهذا الشعب المهاجم أقبل من بلاد نائية مجهولة وربما كان قد وافى من أواسط بلاد العرب فباغتهم على حين غرة وأنتزع المدينة من سلطتهم.

نزل الساميون القطر العراقي منذ زمن بعيد واحتلوا الطرف الشمالي منه وقد اشتهرت تلك الربوع بديار (أكد) وكان أول ملوكهم العظام سرجون الأول الذي استولى على مدينة أدب بعد حروب عنيفة سالت على أثرها الدماء كالأنهار لمناعة حصونها فإن جيوشه الجرارة التي بأيديها المقاليع دكت أسوار المدينة واحتلتها وباتت تابعة للملك القاهر وقد أمر جنوده بنهب هياكلها ونزع تماثيل ملوكها من مواطنها ولا يعرف معرفة جلية ما حل بالسكان ولا بد أن الكثيرين منهم قتلوا واسروا ومثل بقوادهم وزعمائهم شر تمثيل والبقية الناجية من بطشهم وفتكهم الذريع خضعت صاغرة للعدو ومنهم من لاذوا بالفرار وانضموا إلى أعداء الفاتحين وقد سمح لجماعات من سكان أدب بالإقامة في محلات معينة بعد أن شطرت المدينة شطرين فكان يقطن في الجهة الواحدة الشمريون وفي الجهة الأخرى الساميون وكانت إحدى محلات الساميين واقعة بالقرب من باب المدينة إلى الطرف الغربي منها حيث كانت تقيم حاشية الملك وكبار رؤسائه وممثليه وأعيانه والمقربين منه وقد عثر

النقابون على أسمي حاكمين من حكام سرجون يمتثلان أمر ملكهم ونواهيه.

إن الحكم ولو أنتزع حينا من يد الشمريين على أثر اندحارهم الرائع فأن حضارتهم استمرت زاهية مدة خضوعهم للفاتحين الأشداء ولم يطل زمن استيلاء الساميين على هذه المدينة إذ انتهى بموت نرأم سين بن سرجون الأول وقد عثر الدكتور بنكس على شذرة من الذهب مكتوب فيها أخباره ومعاركه (2700 ق. م).

عاد الشمريون وقبضوا على صولجان الحكم بعد أن دحر الأكديون وتشتت شملهم من أدب غير إن هذه المدينة أصبحت بعد ذلك تابعة لملوك أور ومنهم أور أنجور ودنجي وجميل سين (2450 ق. م) وقد وسع هؤلاء الملوك الهيكل وأعادوا

ص: 705

بناء سور المدينة وشقوا الترع وحفروا الآبار وبنوا دورا لممثليهم فنهضت أدب من كبوتها ونالت استقلالها ونصبت عليها ملكا باسم (أي شي أول باأودو) - وقد وجد أسم هذا الملك محفورا على صفائح من الحجر والنحاس غير إنه لم يعمر ويظهر من التحريات إنه ملك قبل احتلال ملوك أور هذه المدينة العظيمة في قطرها والراقية في عصرها. ومن الملوك الذين أعادوا بناء أدب ورمموا هياكلها وزينوا معابدها حمرب (حموربي) ملك بابل (2000 ق. م) إذ وجد المنقبون في أنقاض بسمى صفائح تنبئ عن حكمه فيها وعثروا أيضا على آجر مكتوب فيه اسم كوريجلزو (1400 ق. م) وهو أحد ملوك بابل ويظهر إنه آخر من رمم هذه المدينة وشيد المباني فيها.

احتل مدينة أدب بعد ذلك بزمن قوم من سلالة آرمية واستعملوا كتابتهم وسطروها على الآجر الذي اتخذوه في عماراتهم التي أقاموها فوق المباني القديمة واتخذوا كثيرا من العروض المبعثرة في أطراف المدينة وبنوا بها (دورا جديدة) وتدل الآثار المكشوفة على إن أدب أصبحت ردما من الأنقاض واندثرت معالمها حتى محي اسمها من أذهان البابليين منذ مئات من السنين أي قبل الميلاد المسيحي وقبل نفي اليهود وتشتتهم في أطراف بلاد بابل وقبل أن أعاد ملوك آشور من سلالة سرجون بناء مدينة نفر وغيرها من المدن القديمة المندثرة فمن هنا يستدل بأجلى بيان على أن أدب تعد من أقدم مدن المعمور فقد أتخذ ملوك فارس وماذي والبرثيون والساسانيون والروم والعرب والعراق موطنا لهم لكنهم لم يعرفوا هذه المدينة ولم تطأها أقدامهم فلا أثر لهؤلاء الأقوام هناك فهي خالية من توابيتهم المدهونة

بدهان خزفي تلك التوابيت التي كانوا يستعملونها في دفن موتاهم بل لا أثر لنقودهم النحاسية المنخورة لطول عهدها لتنبئ عن وجودهم في تلك البقعة من الأرض غير أن آثارهم وبقايا مدينتهم اكتشفت في مدن مجاورة لها قد احتلوها وأقاموا فيها بعد أن رمموها أو أعادوا بناءها بصورة تخالف طراز البناء القديم

إن العرب الذين عاصروا خلفاء بغداد هجروا موضع أدب ولم يجرؤ أحدهم على التوغل في تلك الصحراء القاحلة لأنهم كانوا يعتقدون إن الجان والعفاريت والمردة احتلت أخربتها ولهذا نراهم قد ابتعدوا عنها ابتعاد السليم عن الأجرب

ص: 706