الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العدد 67
الشمسية
1 -
باب البحث
في الجبال المنبثة فوق ماردين، أطواد تعرف باسم (قره جه طاغ) - هي كفل لكاهل جبل الروم المعروف عند السلف ب (جبل) (أي الطورس أو طور، بلا أداة تعرف في جبل وفي وتمتد من الفرات إلى دجلة في الرقعة التي كانت تعرف في غابر الزمن باسم ديار ملطية (كما قالوا ديار مضر وديار ربيعة وديار بكر. وديار ملطية هي
في تلك الهضاب مغاور منها طبيعية ومنها من صنع ابن آدم تختلف بين الصغر والكبر، وآبار مختلفة العمق منها ضيقة ومنها واسعة، يتخذها سكان تلك الربوع لمختلف مقاصدهم صهاريج واهراء وسهوات.
يروي نصارى تلك الأرجاء أن تلك الكهوف وتلك الجباب حفرها جدودهم الأقدمون، ولا سيما النساك منهم، فاتخذوا الأولى منها مساكن، واتخذوا الثانية آبارا ومخازن. وكان غير النساك منهم يقضون أيامهم موزعين ساعاتهم من الفلاحة والزراعة ورعاية الغنم والحياكة والنجارة والحدادة إلى غيرها
من الأشغال، بينما يرى النساك والحبساء في مناسكهم يعبدون الله ويترضونه بقرباتهم.
أما اليوم (في سنة 1897 لأننا كنا اعددنا هذه المقالة في ذلك العام) فيشاهد فيها أناس يدعون النصرانية التي يظهرونها ويعملون بالشمسية التي يبطنونها من باب المتاقاة خوفا على أرواحهم وحرصاً على التمسك بأذيال مذهبهم بل بأسماله. ويتخذون تلك الكهوف لغايات مختلفة: للسكنى ولحفظ مواشيهم ولسجن أعدائهم فيها، إذ يتخذون تلك الجباب أو تلك المغاور سهوات يغيبون فيها أعداءهم (وهم يريدون بهذا الاسم المسلمين) ليعذبوهم فيها شر عذاب من جوع وعطش وعري ورجمهم (أي ورمي حجار عليهم)، فيثأروا قتلاهم أو يتروهم لعداوات سبقت لهم بينهم وبين السجنى أو بين ذوي قرباهم.
2 -
وصف خلقهم وخلقهم
الشمسيون قوم تدل ملامحهم على أنهم جبليو النجار، يمتازون بطول القوام وخلق مفتول،
هامتهم في الغالب كبيرة، وشعرهم أسود فاحم وافر، وانفهم أقنى، وفمهم واسع، وعينهم دعجاء نجلاء، وشاربهم ضخم، ولحيتهم كثة، وذراعهم طويلة عبلة، وكفهم واسعة، وأصابعهم مستطيلة كأنها (أصابع فرعون)، وصدرهم رحب، ومنظرهم جهير، وبطنهم ملموم، وساقهم مملوءة وقدمهم عريضة كبيرة، وفي الجملة تراهم كالجبابرة. وتشاهد نساءهم في غاية الحسن والجمال والروآء. والذي طالع في التواريخ القديمة شيئا عن وصف الماردين (أو المردة أو الماردية لا يشك في أن هذا الجيل من الناس نازل منهم ومن صلبهم. والأخبار العتيقة تؤيد هذا الرأي ولغتهم - التي فيها شيء من الرطانة - تدفعنا إلى قبوله والاعتماد عليه.
هذا من جهة خلقهم وأما خلقهم فيشبه خلق الجبليين فأنهم غليظو الطباع جفاتها، يستسهلون القتل إذا ما رأوا غفلة من أعدائهم، يقطعون الطرق على خصومهم ويباغتونهم شر مباغتة، وإذا قتلوهم مثلوا بهم، ولهم شجاعة عظيمة وأقدام غريب على اقتحام المصائب كأن نفسهم قدت من الجلمود - لو أمكننا هذا التعبير - وهم لا يهابون الموت. ومن شجاعتهم أنهم يهجمون على الذئاب أو الضباع أو خنازير البر أو على نحوها من الضواري بسلاح قليل لا يساعد غيرهم على اتخاذه والتصرف فيه وهم يحبون الضيف ويكرمونه ولا يغدرون به البتة، ويعرفون بالجود والكرم وإباء النفس. يهربون من موبقات أهل الدين ويستفظعون شنائعهم وهم أصحاب جلد لاحتمال البرد والثلج والجوع إلى غير ذلك من الخصال الحميدة.
3 -
موطنهم الأصلي
الذي عندنا أن هذا القوم طارئ في تلك الهضاب وأصله من الماردين الذين كان وطنهم الأول الديار الشمالية من بحر الخزر أو بحر قزوين. وكان ملوك الروم جلوهم ونقلوهم إلى جبال الجزيرة وسورية ولبنان. ومن اسمهم تسمت مدينة (ماردين) وبقي هناك عدد منهم وكذلك في جوار ديار بكر وجبال شمالي الجزيرة، فحفظوا آدابهم وأخلاقهم وديانتهم وقد اتبعوا المسلمين في غزواتهم فحفظوا آدابهم وأخلاقهم وديانتهم وقد أتبعوا المسلمين في غزواتهم الأولى إذ قاوموهم أشد المقاومة وكابدوا منهم الأمرين. وربما كان منهم أيضا بنو الأحرار والأبناء والأحامرة والأجامرة والأساورة والجراجمة وبعض الجرامقة لا الجرامقة
كلهم، لأن الكتلة الكبرى في هؤلاء الأخيرين العنصر السامي وربما كان العنصر العربي.
4 -
ديانتهم
أول شيء يظهر للعيان عند مشاهدة هؤلاء الناس، أن الشمسين لا يصلون ولا يصومون علنا ولا يأتون عملا دينيا بينما يدل على عبادتهم للإله، أو على اعتقادهم بنبي من الأنبياء. وإذا خالطهم الإنسان عرف أنهم لا يعتقدون بنبوة
موسى ولا عيسى ولا محمد، ولا يسلمون بأوليائهم ولهذا لا يبوحون بمعتقدهم لأحد لئلا يكفرهم من ليس على دينهم فيستدركون الأمر بإخفاء مذهبهم والضن بأسرارهم.
والذي يمكن أن يقال بوجه الإجمال أن ديانتهم قرار جميع النحل والملل والمذاهب، فأنك ترى فيها خليطا من المجوسية والصابئية (أي عبادة الأجرام النيرة) والحرنانية والثنوية والمانوية والمزدكية والنصرانية وعبادة المواليد (الحيوان والنبات والجماد).
والذي علمته من رجل يعقوبي المذهب (كان في الأصل شمسيا، وكان زارني سنة 1897 ليسألني عن ورود اسم الشمسيين في التاريخ القديم وكان اسمه قبل التنصر هرمزد فروش ولم يبح لي بما باح إلاّ بعد أخذ المواثيق والعهود مني) أن اعتقاد كبار الشمسيين قائم على أن الإله الأعظم الذي تحت أمره سائر الآلهة (لأنهم يعتقدون بكثرتها) هو الشمس، وسائر الآلهة هي القمر والنجوم وسائر الكواكب من متحيرة وثابتة، والشمس (وهي عندهم ذكر لا أنثى) خالق الموجودات كلها من منظورة وغير منظورة، من معروفة ومجهولة، من باطنة في المخلوق وخارجة عنه، ولولا عنايته (أي لولا عنايتها) لفني كل ما على هذه البسيطة من حيوان ونبات وجماد. وهم يسجدون لها (أو له بلسانهم) صبحا وظهرا ومساء بحيث لا يراهم أحد، لكي لا يكفرهم، وهذا السجود غير واجب أداؤه لمن كان خارجا عن داره، فإذا أشرقت أتجه الشمسي إليها ومد ذراعيه أو كفيه كأنه يغترف شيئا من الهواء أو قل شيئا من النور الجديد المنبث في الكون، ومسح وجهه بما توهمه أنه تلقاه منه ودهن به كتفيه وذراعيه وساقه وقدميه وهو في تلك الأثناء يتمتم. وعند الظهر يركع عدة ركعات عند تكبد الشمس السماء. وعند الغروب ينتظرها قائما في مكان عال بحيث يرى مغيبها ليودعها وداع آخر النهار وفي مطاوي تلك الركعات والسجدات يزمزم زمزمة جدوده (أي عبدة الشمس) آفتاب برستان.
وهم يؤمنون بالعواقب الأربع ويكرمون مل الإكرام الأسد والببر والنمر ويبجلونها ويكرمون بعض الأشجار ولا سيما الكبيرة الضخمة منها. وبالأخص
الحور ويجلون السوسن والأذريون والبابونج والأقحوان، والهندباء والقطن ولا سيما التنويم (دوار الشمس) وجميع النباتات التي تتأثر من حركة الشمس فتدور أوراقها بدوارنها، ويجلون من الحشرات الوزغة وأبا بريص والحرباء للزومها جميعاً حرارة الشمس، ويعظمون الذهب لأنه لون الشمس ولأنه يقضي جميع حاجاتهم إذا ما كان بأيديهم.
ويزعمون أن كل من لا يجل الشمس ويعبدها يهلك لا محالة ونصيبه النار الخالدة. وليس لهم كتب منزلة أي مقدسة ولا يعرفون القراءة والكتابة ويحرمونهما على أبنائهم وبناتهم. ولهم في السنة عدة اجتماعات يعقدونها في الأسراب أو في المغاور. وربما خالفوا بين كهف وكهف في كل مجتمع لكي لا يهتدي أحد إليهم ويفاجئهم وهم في ذلك المعبد المتخذ إلى أجل مسمى لا غير واليهود والنصارى والمسلمون الذين في أنحاء ديارهم يشيعون عنهم أنهم يأتون المنكرات في تلك الحتشدات. والذي يمكن أو أؤكده للقارئ أن هذه الإشاعة من الأراجيف لأن أخلاقهم وأبدانهم وصحتهم تشهد على أنهم لا يعرفون فساد الآداب ولا يطلقون لأنفسهم الأعنة لشهواتهم وأميالهم السيئة. وإذا اجتمعوا كان فيهم الرجال والنساء معا وهم لا يفرقون بين شق وشق فللمرأة حق مثل حق الرجل وهم يساوون بينهما ولا يفضلون الذكور على الإناث على ما يرى عند أصحاب بعض الأديان الأخرى المنتشرة في الشرق ومسألة اتهام أرباب الأديان الخفية بارتكاب المنكرات في مجتمعاتهم ومعابدهم شائع ذائع في بلادنا الشرقية وينسبونها أيضا إلى الشبك واليزيدية والدروز وكلها افتراء محض.
وفي تلك المجتمعات يتشاورون ويتباحثون ويلقن كبارهم بالغيهم من ذكور وإناث أسرار ديانتهم ولا يجيزون لواحد أيا كان أن يشهد ذلك الحفل ما لم يكن بالغاً حافظاً للسر وعرف بينهم بحسن السلوك والآداب. وهم يذكرون للريضين منهم الأحداث أن من يفشي السر عقابه الموت أينما يحل أو يرتحل، وإذا أنكر أحدهم دينه وصبأ إلى دين آخر لا يفشي سرا من أسرارهم ولو قطع أربا أربا.
وإذا كان صاحبي أفشى بعض ما كان يعلمه فأنه فعل ذلك لأسباب:
1 -
لأنه تنصر وهو في عمر 35 سنة وقد ناهز السبعين ومل الحياة ولم
يبق له طمع فيها ولا في حطامها - 2 - لأنه كان صادق النصرانية في الباطن والخارج وكان يتوقع القتل ليكون شهيداً في حب المسيح - 3 - لأن امرأته كانت قد وفيت في الولادة بعد أن رزقها الله أربعة بنين وثلاث بنات وكلهم ماتوا بين العشر سنين والعشرين سنة ولم يبق له من أهل بيته باق، فكان يعد نفسه غريبا في هذه الدنيا. ومع هذا كله ما كان يود أن يعرف أحد دينه القديم لأنه كان يتبرأ منه، وإنما قال لي ما قال لأني استغربت بحثه عن الشمسية وحزرت أنه كان على هذا الدين في صباه.
والتقية شائعة عند هؤلاء الناس، في صغارهم كما في كبارهم، فإذا ساقتهم الأحوال إلى التغرب أو إلى أن يكونوا في موطن ليس فيه من شيعتهم أحد قالوا أنهم من أهل دين ذلك الموضع فهم يهود مع اليهود، ونصارى مع النصارى، ومسلمون مع المسلمين، ويزيدية مع اليزيدية إلى غيرهم، وهم يكرهون المسلمين أشد كراهية لأنهم فتكوا بهم فتكات هائلة مرارا لا تحصى واستحلوا دماءهم ونساءهم وبناتهم وسبوا ذراريهم. ولهذا تراهم يكظمون غيظهم وحقدهم في الديار التي يكثر فيها المسلمون، إذا ما نزحوا إليها، خوفا على نفوسهم من القتل. وهم يأتلفون والنصارى ويكثرون الاختلاف إليهم والاختلاط بهم، وكل مرة أجبرهم المسلمون على ترك دينهم والتمسك بدين آخر يكون معروفا في البلاد المسلمة فضلوا النصرانية على سواها، وإن كانوا في بعض الأحيان يبطنون معتقدهم. وإذا تنصروا انضموا إلى الأرمن في أغلب الأحايين، أو إلى اليعقوبية، ولهذا ترى في بعض الأسر من هذين المذهبين أجدادا شمسي الأصل أي أن في أسماء سلفهم فارسية أو كردية أو غريبة من الأرمنية والسريانية.
ومن عجب أمر هذا الدين أنه وإن كان خليطا من سائر النخل والملل لا يرى فيه شيء من الموسوية ولا المحمدية، ثم أن معتقداتهم هذه لا تبقى في حالة ثابتة واحدة، بل تتغير بتغير أنسالهم، وسبب ذلك هو ما قلناه أنهم لا يرجعون في مذهبهم إلى سفر مكتوب ولا إلى مصحف منزل أي مقدس فليس لهم ما يصونون فيه آراءهم الدينية من الخلل والخطل، ولا من الزيادة والنقصان.
فيعتورها جميع الشوائب والمعايب في اختلاطهم بمن ليس على مذهبهم، فإذا احتكوا بهم زمنا طويلا وسمعوا منهم ما ليس معروفاً في مذهبهم أضافوه إليه
وظنوا أن ما سمعوه من هذا الغريب النحلة سرقة من أقوال جدودهم. وهكذا ترى معتقدهم كالريشة في مهب الريح تسفل وتعلو، وتذهب يمنة ويسرة، فديانتهم تزيد وتنقص بحسب ما يهجم على أفكارهم من مذاهب الغرباء عن دينهم. ولهذا نعتقد كل الاعتقاد أن ما ندونه اليوم غير ما كان يعتقده أسلافهم قبل قرنين أو أكثر، بل يحتمل أن تكون مادة المعتقد أي أصله هي الأساس المهم، وما زيد عليه أو يزداد عليه هو من قبيل البنيان الذي أقيم أو يقام على ذلك الأساس.
وهناك معتقدات أخرى نذكرها في باب الموت. وغيرها لم يجز لنا هرمزد فروش أن ننشرها حتى بعد موته ولهذا نبقى محافظين على كتمها قياما بوعدنا له.
5 -
ثيابهم وأسلحتهم
ثيابهم تشبه ثياب سائر أكراد الجبال أو نساطرة الجبال ومسيحييهم. فالذي يظهر من تلك الملابس: (البشما) بباء فارسية مثلثة مفتوحة، يليها شين فميم فألف وهو سراويل واسعة من صوف ثقيلة تلبس فوق سراويل خفيفة من قطن اسمها (شروالا) ويلبسون على الصدر (زخمة) وعلى الزخمة ما يسمونه (اليلك)(بفتحتين) ويشدون على وسطهم منطقة عريضة من صوف اسمها (حاصا)(وهي عندنا تصحيف حياصة) ويلبسون في أرجلهم جوارب يعرفونها باسم مروى (وتلفظ وفوقها الأحذية التي يسمونها زركوله
ولا يسير الرجل منهم بلا أسلحة إذ لا بد منها عندهم وإلاّ عد ذاك الرجل من اللئام، وأول شيء يلبسونه هو (الخنجر) وعلى الجنب (السينا وهو السيف وعلى صدره قلادة من الرصاص يسمونها (رخت) وعلى ذراعه البارودة ويسمونها (تفنتا)
6 -
لغتهم
لغتهم كدينهم فيها من جميع اللغات والألسنة فهي خليط من الزندية والفارسية والتركية والكردية والعربية والأرمنية والآرمية (السريانية) وتدوينها ودرسها
من أهم الأمور.
وهم يسمون (جاه) أو (جه) بجيم مثلثة فارسية مفتوحة، ممدودة أو مقصورة: الكهف الذي يعذبون فيه أعداءهم ولا سيما المسلمون منهم. وبهذا الاسم نفسه يسمون الجب الذي يخفون فيه عدوهم. وأظن أن الاسم التركي لتلك الجبال أي (قرة جه طاغ) مأخوذ من تلك التسمية
ولبعض روساء دينهم أسماء نراها فصل (الموت) من مقالنا هذا.
7 -
ميلهم إلى بعض العناصر وأصحاب الأديان
يميلون إلى الكرد من أصحاب العناصر البشرية، فإلى الفرس فالعرب فالترك. ويميلون أشد الميل إلى النصارى ولا سيما إلى الأرمن منهم فإلى اليعاقبة ثم إلى المسلمين ويفضلون السنة منهم على الشيعة.
8 -
عددهم
لا يعرف عددهم على التحقيق، فهم على تناقص دائم، فقد كانوا في أوائل القرن السابع عشر نحو عشرة آلاف؛ وأما اليوم فلا يزيدون على ألف بين رجال ونساء وأطفال. وجميعهم يسكنون في هذا العهد قره جه ظاغ ونواحي ماردين. وفي هذه المدينة نفسها محلة تعرف ب (محلة الشمسية) ومذهبهم اليعقوبي في الظاهر لكنهم يبطنون مذهبهم الشمسي.
9 -
الولادة
العادة الشائعة في الشرق أو ولادة البنت تحزن أهل البيت جميعهم، ولا سيما والدتها. وهذه الكراهة للبنت ترى عند أصحاب جميع الأديان: عند المسلمين والنصارى واليهود.
أما عند الشمسيين فليس الأمر كذلك فأن ولادتها تعد من أيمن الطوالع. وهم إذا سمعوا بدخولها في هذا العالم هلهلوا لها وطربوا أشد الطرب وأقاموا لها أنواع الولائم والأفراح ولا سيما إذا كانت البكر؛ أما ولادة الابن فلا تحزن ولا تفرح بل يبقى أهل البيت على حالتهم المألوفة.
10 -
الزواج
الزواج عندهم مجلبة الأفراح، ولا يجوز للرجل الواحد إلاّ اتخاذ امرأة
واحدة، ولا يعرفون الطلاق ولا الزنى إلا في ما ندر. ومخالطة الرجال للنساء في مجتمعاتهم تحفظ آدابهم من الفساد. ولا يجري بينهم ما يخدش الآذان من أسباب الاضطراب والبلبال وأغلب الأحيان يعيش الزوجان بالاتفاق والوئام.
11 -
الموت
إذا مات في البيت واحد منه لم يضجوا له ضجة عظيمة كما يفعل أبناء الشرق من يهود ونصارى ومسلمين بل يسلمون أمرهم (للشمس) التي تحيي وتميت وتدعو عبادها إليها في دار الخلد الطيبة.
ويزعمون أن الصالح منهم إذا أوشك أن يموت ظهر بين يديه مثال من الخلق مجس جسما تعوزه الروح لتحيا. وهذا الجسم يكاد يشبه خيال الظل ولا يتحرك إلا بعد دخول الروح ويكون ذلك بعد موت المحتضر. ويرى حول ذلك الخيال روحانيون صالحون يسمون الواحد منهم بلسانهم (فري) ومنهم من يسميه (فر رخ - وبيد كل واحد منهم أداة من أدوات الجنة. فيرى في يد الواحد منهم صولجان الملك. وفي يد آخر إكليل جواهر، ويقبض ثالث على عصابة من لآلئ رطبة يعصب بها جبين الصالح إذا لفظ نفسه ويمسك الرابع بيده ثوباً موشى يتألق ضياء ويرى بيد خامس جام مملوء كوثرا وهو مكلل بالدر الرطب والزبرجد الفاخر؛ ويشاهد في كف سادس أثمار غضة طيبة إذا أكل منها الميت الصالح غدا خالداً ولا سيما إذا شرب عليها شيئاً من ذلك الكوثر شراب الآلهة، ولهذا لا يهرم أهل الجنة وإذا شعروا بضعف لتقدمهم في السن أكلوا من تلك الطيبات وكرعوا عليها كرعات من ذبالك السلسبيل.
وبازاء جماعة الفري طبقة من الأرواح الخبيثة النجسة يعرف الواحد منهم باسم (ديو)، وكل منهم يرغب المحتضر في أمر من أمور الدنيا، فواحد يرغبه في حسان النساء، وآخر في جميع حطام الدنيا وثالث يطري له المجد والكرامة والعظمة والتسلط على الأنداد. ورابع يزين له الأخذ بالثار وسحق الأعداء وقتل المناوئين له. وخامس يبعثه على التلذذ بأطايب المآكل والمشارب والمفارش إلى غير ذلك. فإذا مال المحتضر إلى الفريان (جمع فري) انتقلت
روحه الحيوانية إلى ذاك الخيال المستعد لأن تحل فيه الروح الحيوانية. وأما النفس أو الروح العقلية أو الروح النورانية فأنها تنتقل مزينة بتلك الملابس والحلي صاعدة إلى عليين يصحبها أولئك الفر رخان لتعود إلى ما كانت عليه سابقا في جنان من الخلد أو جنان النور. وأما الجسد فيبقى ملقى على الأرض فتجتذب منه الشمس والقمر وسائر الأجرام النيرة العناصر التي فيه أي الماء والنار والنسيم فترتفع كلها إلى الرب الأعلى الذي هو الشمس. ويقذف بما بقي من جسده - الذي هو ظلمة كله - إلى جهنم.
وأما إذا مال المحتضر إلى الديوان (جمع ديو) فللحال تفوح منه رائحة كريهة وتهرب الفر رخان أو الفريان فيأخذه الديوان ويعذبونه ويرونه الأهوال بألوانها، فيحضر ثانية أولئك الفريان ومعهم أدوات السجينة التي كانت معهم في حضورهم الأول، فيتوهم المحتضر أنهم قد جاؤوا لنصرته وتحريره من أيدي الديوان، وإنما جاؤوه لتعزيزه وتوبيخه وتذكيره مساوئه ومآثمه وإلزامه الحجة في ترك إعانته الأولياء والصلحاء، ثم لا تزال روحه تتردد إليه في الدنيا متعذبة إلى وقت تقمصه في المثال الذي كان يرى بقرب الفريان، ثم يكفى في النار الجاحمة.
أما من كانت سيرته وسطا بين سيرة الصالح والطالح فأن روحه المادية تنتقل إلى المثال الجامد المعد لقبولها مع روحه العقلية فتكونان واحدة فيعود الإنسان إلى الحياة إلى أن يكفر عن سيئاته فيكون صالحا أو لا يكفر عنها فيعود شريرا وتكون عاقبته عاقبة من ذكرنا من أمر الصالحين أو الأشرار.
ولهذا تراهم يذبحون الذبائح لمن يعتقدون فيه السيرة الوسط ومن بعد أن يقطعوها يوزعونها على الفقراء البؤس. وربما ذهبوا إلى كهنة النصارى وحلوهم ليصلوا على نفوس موتاهم. وكذلك ينفخون رئيسهم الأعلى دراهم أو يهدون إليه هدايا لمثل هذه الغاية. ورئيسهم هذا يسمى (هازربيد) وأظن أن أصل الكلمة هيربد المشتقة من اللغة الزندية آيتثرا بيتي أي كاهن النار. وعندهم أناس يعتبدون في الجاهات أو يتحنثون فيها واسم الواحد منهم (هرتاسب وهم يعتزلون الخلق أكثر من
غيرهم. وهؤلاء أيضا يحلون (أي يهدى إليهم حلوان وهو أجرة الكاهن للصلاة التي يقيمها على روح الميت). ولا جرم أن الكلمة هرتاسب فارسية الأصل منقولة إليهم كابرا عن كابر.
وإذا دفنوا موتاهم وضعوا على قبره حجرا محفورا حفرا مستديرا يمثل الشمس في نظرهم، وكأنهم يقولون له: إنك من عباد الشمس الإله العظيم وإليه عدت فلا خوف عليك ولا حزن. وهكذا تتميز قبور الشمسيين من غير الشمسيين.
أوهام المنجد
1 -
في المنجد (الزهر والزهر: نور النبات الواحدة زهرة وزهرة. الجمع أزهر وأزهار وزهور وجمع الجمع أزاهر) أقول (ليس الأزاهر جمع أزهار بل جمع الأزهر بمعنى النير المشرق وجمع الأزهار: أزاهير طاظافير وأهاويل وأباطيل وأقاويل. وقد جاء هذا الجمع في حديث علي في وصف الطاوس. وإن أحتج بأن الأزهار وردت في الشعر مكان أزاهير فليس ذلك إلاّ لضرورة استوجبت حذف الياء كما استوجبت حذفها في قولهم في الشعر (أظافر).
2 -
وفيه (قطع الشعر: حلله إلى أجزائه العروضية) أقول: لم يذكر في باب (حلل) أنها جاءت بمعنى (جزأ) وما الذي أراده بقوله (حلله) إلاّ (جزأه) فلم ينجد المنجد صاحبه؟ ذلك أمر غريب.
3 -
وفيه (التحاسين: الأشياء الحسنة يقال ما أبدع تحاسين الطاوس وتزايينه) أقول: هذا تفسير لا يوفى بالمقصود لأن التحاسين جمع (تحسين) من قولك (حسنت تحسينا) ولأن التزايين جمع (تزيين) من قولك (زينت تزينا) وكل مصدر سمى به على وزن (تفعيل) فقياس جمعه على (تفاعيل) كتراتيب وتقاويم وتقارير وتحارير وتصاوير.
مصطفى جواد.