الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 -
كشف كنيسة مطمورة
دعانا حضرة الهيرولهلم ليتن قنصل ألمانية ببغداد إلى مشاهدة الكنيسة التي كشفتها البعثة الأثرية الألمانية في طيسفون فذهبنا إليها ناهبين الأرض بالسيارة في الساعة 10 من صباح 16 ك2 (يناير) من هذه السنة. وبعد ساعة كاملة وصلنا إليها.
وأول من لاقيناه من علماء الألمان الأثريين كان رئيسهم وهو الأستاذ الدكتور روتر وتحت أمره يشتغل 120 حفارا من أبناء الوطن فاطلعنا على أسس الميدان الذي كان أنشأه الملوك الساسانيون وكانوا يلعبون فيه لعبة الصولجان أو يعرضون فيه السباع. ثم اطلعنا على ما وجدوه في تلك الحفريات من قطع الفسيفساء وقطع الحجارة المختلفة القدر والهيئة وعلى كثير من كسر الكلوي المختلفة الأشكال. ثم اطلعنا أحدهم على بعض قطع من التماثيل ومن جملتها قطعة تمثل شيئا من فرس وقطعة تمثل بعضا من خنزير البر الذي كان يصاد في تلك الأرجاء كما يصاد فيها اليوم. وارانا أيضا تمثالا يكاد يكون بكبره الطبيعي وهو يمثل على ما بدا لنا مطرانا أو بطرير كامرتديا شملة فضفاضة وعلى صدره بطرشيل البطاركة إلا أنه مقطوع الرأس واليدين والرجلين. وكل ما رأيناه كان من الجص.
وقل لنا الأثري دليلنا: إن هذا التمثال وجد بهذه الحالة المهشمة على
جرصن في كنسية كشفنا عنها التراب وهي في غربي طيسفون. ولا بد من الذهاب إلى تلك الضفة من دجلة لرويتها ويكون هذا الأمر بعد الظهر.
وفي الساعة الثانية عبرنا دجلة في مركب يسيره محرك (موطوربوط) وعند بلوغنا الضفة رأينا على الأرض أربعة مراحل من حديد بهيئة أجراس كبيرة قيل إنها كانت تتخذ في صنع البارود في أيام مدحت باشا. ورأينا غير بعيد عنا سور المدينة القديمة ذاهبا في الشط (في دجلة). وقال لنا الأثري أيضا: إن هذا السور كان عظيماً يحيط بطيسفون في عهد الساسانيين وكان دجلة يجري وراء السور من الغرب ثم تحول مجراه فقفز إلى السور فخرقه وأجرى ماءه من ذلك الشق إلى يومنا هذا.
ووصلنا إلى الكنيسة المكشوفة بعد أن سرنا على الأقدام بنحو 27 دقيقة إلى غربي دجلة.
فشاهدنا ما كشفوه منها وهو صدرها من جانب المحراب. وقد شاهدنا ثلاث قواعد كانت تقوم عليها عمد ينشأ من جميعها هيكل القربان أي وعلى طول الكنيسة اظآر (جمع ظئر وهي الدنكة عند العراقيين المحدثين أي لتقوية الحيطان وطول البيعة خمسة وعشرون مترا في عرض أحد عشر متراً وهذا عدا طول الهيكل الذي يبلغ تسعة أمتار ويظن العارفون من علماء الآثار الألمان أن طرز الكنيسة يدل على أنها بنيت في عهد بني ساسان أي في أواخر المائة السادسة أو أوائل القرن السابع بناها النساطرة أي الكلدان المشارقة.
ولما فتحت طيسفون أتخذ الفاتحون هذه الكنيسة حماما لهم، إذ يرى البناء المخصص بمثل هذا الأمر، أي أنك تشاهد قريبا من هيكل القربان مسالك للبخار الدافئ والحار لنقله إلى أنحاء الحمام وهي تذهب في الطول وتعرف اليوم بالزنابير.
ووجدنا من العملة الحفارين في هذا الجانب سبعين رجلا يشتغلون في تل غير بعيد عن هذه الكنيسة.
وبعد أن شاهدنا كل هذه المكشوفات عدنا إلى الحاضرة في الساعة السادسة وطالت عودتنا هذه المرة بالسيارة نفسها خمسين دقيقة.
فنحن نشكر حضرة القنصل على إطلاعنا على هذه الحفريات كما نشكر الجماعة الأثرية الألمانية التي تعنى بإظهار كنوز أرضنا فعساهم أن يعثروا على آثار أنفس من هذه ترقية للعلم والتاريخ وتعويضا من المبالغ التي ينفقونها في هذا السبيل.
2 -
الأزهر وشيخه الجديد محمد مصطفى المراغي
الجامع الأزهر من أشهر جوامع ديار مصر أتم بناءه أبو تميم معد في جمادى الأولى سنة 359هـ وفي رمضان سنة 316 (حزيران وتموز 972) دشن وفتح للناس وابتدأ التدريس لخمسة وثلاثين طالبا أجريت لهم الجرايات وذلك سنة 988م وكان حماة الجامع والمدرسة معا الملوك والأمراء فكانوا يتولون إدارتهما بأنفسهم. وفي المائة الحادية عشرة من التاريخ الهجري عين للأزهر رئيس عام يدير شؤونه ويراقب أموره أطلق عليه أسم (شيخ الأزهر) وينتخب ممن اشتهروا بالفضل والدراية من جلة حضنة العلم بلا شرط أن يكون من مذهب معين من مذاهب الإسلام الأربعة
وكان التعليم في هذا الجامع في غاية السماحة (البساطة) يكاد يكون فطريا أساسه التقي
وقوامه احترام الدين وأهله ولم يكن فيه شيء من النظم العالية المتبعة في معاهد العلم الراقية والكليات أو الجامعات. وأول مرة وضع له قانون كان في سنة 1871 ثم توالت عليه النظم إلى سنة 1911م
وقد عين شيخا له في هذه السنة محمد مصطفى المراغي وهو عالم تخرج في الأزهر منذ عشرين عاما وعين قاضيا شرعيا لمحكمة دنقلة (السودان) ثم قاضيا لمحكمة الخرطوم ولا يزيد عمره اليوم على (49) سنة ولم يقابل كبار علماء الأزهر تعيينه بشيء من الارتياح لصغر سنه ولأن كبارهم كانوا يتوقعون أن يتولى المشيخة أحدهم. على أن الرفيعة التي رفعها إلى أولي الشأن لإصلاح التدريس فيه نم على سعة فكر وحب إصلاح وقوة إرادة لم يشاهد مثلها في من تقدموه في هذه المرتبة وقد اهتمت
بها جرائد مصر ونشرتها، فدل عمله هذا على أن الشيخ الجديد الأكبر رجل عصري منور حتى أن بعض اخصائه وصفه بقوله:(إن تحت هذه العباءة بزة إفرنجية على آخر طرز) وهذا كان نتيجة احتكاكه بالإنكليز في حين إقامته في السودان، إذ تعلم ثم بعضا من الإنكليزية.
وقررت وزارة (الحقانية) انتدابه لرياسة اللجنة التي عهد إليها تعديل الأحوال الشخصية للمسلمين.
وقد استأجر صرحا كبيرا في حي الدواوين لاستقبال زواره العديدين وإقامته الحفلات الأدبية، والمآدب الأخوية.
أما الذين فرحوا بتعيينه فرحا لا يقدر فهم محبو الإصلاح والرقي، إذ باتوا يتوقعون من همته نهضة تجدر باسمه وقدره وليس ذلك ببعيد على همته العالية.
3 -
شؤون مصرية
يهتم المصرف القومي الشهير المعروف (ببنك مصر) بتأسيس فرع له في فلسطين وقد وعد السيد عبد الحميد شومان من كبار التجار الفلسطينيين في نيويورك بإيداع خمسة وعشرين ألف جنيه مصري فيه. ويقال إن في نية (بنك مصر) إنشاء فرع له في بغداد في العام المقبل توسعا للعلائق التجارية بين الشعبين الشقيقين إذا وجد تعضيدا كافيا من أغنياء العراق.
وتعنى الحكومة المصرية بأعمال إنشائية كثيرة واسعة النطاق في جميع مرافق الأمة
لتتقرب بذلك إلى الشعب، ومن بين هذه الأعمال إصلاح (الأزهر) إصلاحا عصريا جديا، وتأسيس مجمع لغوي عظيم وإنشاء كلية للطب وأخرى للحقوق بثغر الإسكندرية تمهيد الإنشاء جامعة كبرى في عاصمة القطر الثانية، وتعميم مياه الشرب في القرى بطريقة صحية، والبدء بتنفيذ مشروعات الري الكبرى، وبيع أراضي الحكومة لصغار الفلاحين بأثمان معتدلة مقبولة تدفع أقساطا، وتحسين هندسة القاهرة بإنشاء متنزهات جديدة فيها وبغير ذلك، وإصدار قانون عصري للأحوال الشخصية والسعي الجدي لدى الدول الأوربية للقضاء على الامتيازات الأجنبية، وإنشاء مستشفيات ريفية كثيرة، وتسهيل الهجرة إلى السودان، وتحسين حالة مساكن العمال وردم البرك والمستنقعات، وغير ذلك من أعمال الإنشاء والإصلاح الجليلة التي بدأت فعلا تتكيف غير
مقتصرة على الوعود والأقوال.
ومن الأخبار المصرية السارة هبة السيد عبد الرحيم باشا الدمرداش لوطنه بمائة ألف جنيه لإنشاء مستشفى، وباثنين وثلاثين ألفا من الجنيهات ثمن أرض لهذا الغرض. وقد جادت المحسنة الكريمة شقيقة صاحبي السعادة عزيز عوزت باشا وفؤاد عزت باشا بستمائة فدان من أجود أطيانها على إدارة مستشفى عظيم ومدرسة كبيرة ومسجد فخم في محطة التوفيقية من أعمال أيتاي البارود. وهذه الأطيان تساوي مائة وعشرين ألف جنيه، يضم إليها عشرون ألف جنيه قيمة نفقات البناء فيكون مجموع ما تبرعت به مساويا مائة ألف جنيه وأربعين ألف جنيه، وقد بوشر العمل التحقيق ذلك. وفي مثل هذا الإصلاح العظيم والإحسان الخالد فليتنافس المتنافسون!
4 -
وفاة ثروت باشا
توفي في باريس في الثاني والعشرين من شهر سبتمبر (أيلول) الماضي داهية مصر السياسي الذي - كثيرا ما شبه بالكونت دي كافور - صاحب الدولة عبد الخالق ثروت باشا. وافانا نعيه بعد إتمام المجلد السادس فلم يكن في وسعنا قبل هذا الجزء أن نشير إلى كارثة مصر السياسية بفقده. فالرجل من أعظم رجالاتها ومن أفذاذها النادرين كسعد زغلول، وحسين رشدي، ومحمد سعيد. ويعرف ثروت باشا بأبي الدستور المصري وواضع حريات مصر ومنظم كيانها السياسي، كما عرف سعد زغلول بمزيني مصر تشبيها له ببطل الوحدة الإيطالية العظيم.
لقد كان بنيانا لمصر مبجلا
…
كما قد بنى تاريخها الناصع الفخما
توفي رحمه الله بعد مرض يوم أو أقل بحمى رثيية (روماتزمية) حادة تبعتها ذبحة صدرية كانت في الخاتمة، فبكته مصر بكاء حارا إذ قلما تجود البيئات السياسية في الشرق العربي بأمثال هذا النابغة السياسي الكبير.
يمر زمان قبل جود بمثله
…
وقد تورث الأحداث للأمم العقما
وكم من عظيم مجده مجد غيره
…
وقل الذي يعطي الورى مجده الضخما
فنقدم إلى آل الفقيد وإلى الشعب المصري الكريم - الذي روع على اختلاف أحزابه لهذه الفادحة - عزاءنا الخالص.