الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب
(مغالط الكتاب ومناهج الصواب): أسم كتيب محتو على إصلاحات لغوية جمعها الأب (جرجي جنن البولسي) مما كتبه المرحوم الشيخ إبراهيم اليازجي ومما كتبه هو نفسه. وقد ألفيت آثار عثرات في هذه المناهج فوجب علي أماطة العواثير عنها والإشارة إلى المعاثر خدمة للغتنا الضادية وتنبيهاً لكتاب العربية الكرام على أشياء يستحسن الوقوف عليها وإليك ذلك:
1 -
نقل الأب جرجي في ص 131 عن الشيخ إبراهيم اليازجي قوله (وغلط أفظع قولهم: أولد عمرو كذا بنين) ثم ذكر عنه أن الصواب (ولد عمرو كذا بنين) ولم يذكر سبب التغليط غير أني حسبته (كون الثلاثي متعديا فلا حاجة لنا إلى استعمال الرباعي). واليازجي لم يصب في تخطئته لأن العرب تستعمل أحيانا أفعالا متعدية إلى مفعولين فتهمل أحدهما وتذكر الأخر وأن هنالك من لم يذكرهما كليهما ومن الأدلة الناطقة قول الرسل عليه السلام لعلي (ك)(أما إنك ستسام مثلها فتعطي) يريد (فتعطي منازعيك مثلها) ولكنه حذف المفعولين. فقولهم (أولد عمرو كذا بنين) قد حذف منه مفعول واحد فقط وذلك شيء مألوف كقولهم (أعطى درهما) و (ألبس ثوبا) لأن المعطي منوي وكذلك الملبس. فأصل قولهم إذن (أولد عمرو زوجه كذا بنين) ولكنهم حذفوا (زوجا) وما بقي فدال على المحذوف فالقول المذكور فصيح لا يستوجب الطعن ولا الاستنكار.
2 -
وقال الأب نفسه في ص 121 ناقلا عن اليازجي مسندا غليه (النيف الزيادة أو ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني. ولا يأتي إلاّ بعد عقد.
غلط قولهم: (نيف وعشرون دينارا. صوابه: عشرون دينارا ونيف) قلت: إن تغليط اليازجي المرحوم من غريب الغلط لأنه أنكر تقدم النيف للعقد مع أن الفصحاء الكبار قدموه. ومن ذلك قول (الحسن بن رجاء) في الكامل (ج 1 ص 216) (ونحن إذ ذاك نجري
على نيف وسبعين) وقول أبي العباس المبرد فيه ج 2 ص 54 (قد ولدت في العرب نيف وعشرين حيا) وهذا نص صريح على خطأ اليازجي. فالقائل (نيف وعشرون دينارا) مصيب كل الإصابة ومستعمل للفصيح من الكلام.
3 -
وقال الجامع في ص2، 1 (غلط: لا يفنيه كر الأيام. صوابه: كرور الأيام) ثم عرض السبب وهو أن معنى الكر والكرور والتكرار لا تقتضيه الحال لأنه من (كر) بمعنى عطف وحمل وهجم وأن الموافق لمقتضى الحال (الكرور) بمعنى الرجوع) قلت: وليس الرجل مستندا إلى دعوى رصينة لأن هجوم الأيام أشد إفناءا من رجوعها فهو يحتمل الشدة والتكرار معا. ففي قولهم إذن معنى كبير. قلت ذلك فضلاً عن أن تعبيرهم من تعابير السلف الفصيح. فقد قال أبو الأسود الدؤلي:
أفنى الشباب الذي أفنيت جدته
…
(كر الجديدين) من آت ومنطلق
فلقد رأيت قوله (كر الجديدين) أي الليل والنهار فما وجه التخطئة وللقائل أسوة حسنة في أول جامع للنحو وهو من أشهر الفصحاء؟ وقال الصلتان العبدي:
أشاب الصغير وأفنى الكبير
…
مرور الليالي و (كر العشي)
4 -
وقال في كلامه على مهما (وتاتي ظرفا بمعنى (كل مرة) نحو: مهما يزرني زيد أكرمه. أي كل مرة يزورني) قلت أن المشهور عن (مهما) كونها لغير العاقل وتستعمل في الاشتراط. وإن كلامه فيه ارتباك عبارة فقد قال (أي كل مرة يزورني) والصواب (كل مرة يزورني فيها) أو (كلما زارني) فهو استعمل (كل مرة) بدلا من (كلما) وشتان ما هذان التعبيران وما أضعف (كل مرة) أمام (كلما)!!
5 -
وذكر في ص 101 قول اليازجي (ويقولون: رأيته أكثر من مرة وجاءني أكثر من واحد. ومقتضاه: إثبات الكثرة للمرة وللواحد لأن المفضل
عليه في معنى من المعاني لا بد أن يشارك المفضل في ذلك المعنى فقولك: بكر أشرف من خالد يتضمن إثبات الشرف لخالد مع زيادة بكر عليه فيه) اهـ. قلت أن اليازجي قد ألتبس عليه استعمال (أفعل التفضيل) فعده ذلك العد. ألا ترى أن الجملتين اللتين عدهما خطأ فيهما اسما تفضيل قد تقدمهما فعلان مختلفا الاستعمال. فالأول ذكر معه فاعله فصار أسم التفضيل (مفعولا مطلقا) وهي في الأصل صفة للمفعول المطلق) المحذوف. والتقدير (رأيته رؤية أكثر من مرة)
فليس في الكرم إثبات الكثرة للمرة. أي كما ادعى اليازجي وإنما الكثرة للرؤية. فالمصدر مفضل والمرة مفضل عليه ولا خطأ في الكلام لأن الرؤية التي هي أكثر من مرة تشمل المرتين وأكثر منهما. وكذلك قولهم (جاءني أكثر من واحد) لأن الذي هو أكثر من واحد (اثنان فأكثر منهما) وتقديره (جاءني بشر أكثر من واحد) أما ضرب اليازجي (بكر أشرف من خالد) مثلا للاستدلال فمرغوب عنه لأن ما قبل أسم التفضيل في المثل (أسم هو بكر) وقد ارتبط اسم التفضيل بالدلالة على التفضيل صريحا. فلو كان قد قال (جاءني أشرف من خالد لأصاب حقا. وتقدير قوله (جاءني إنسان أشرف من خالد). ولكن حذف الموصوف فنابت الصفة منابه فليس من خطأ ثم.
6 -
وقال في ص 123 ناقلا عن اليازجي (أما هاته فلم ترد في شيء من كتب المتقدمين وما هي بالفصحى ولا الفصيحة) قلت ذلك جزم يدل على أن اليازجي قد قتل كل كتب اللغة بحثا وتفتيشا فلم يجدها ولكن الحقيقة غير ذلك فقد وردت في كتب المتقدمين بنص صريح. قال أبو العباس المبرد (ذي: معناه ذه. يقال: ذا عبد الله وذي أمة الله وذه أمة الله و (ته) أمة الله ثم قال: وتقول (هاته هند وهاتي هند) وذلك في الجزء الثالث من الكامل. الكلام في ص 59 و60 وفي مختار الصحاح (تا اسم يشار إلى المؤنث مثل ذا الذكر و (ته) مثل (ذه) فاليازجي مخطئ في ما ذهب إليه لا محالة لن المبرد ذكر (ته) وأدخل عليها (ها) التنبيه والمختار ذكرها من غير (ها).
(لها بقية)
مصطفى جواد