الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قبر ابن الجوزي وقصور الخليفة
من المولعين بالتحقيق عن آثار بغداد والمشغوفين بتاريخها الفاضل عبد الحميد عبادة وقد نشر عنها المقالات المفيدة في هذه المجلة الزاهرة. من ذلك مقالته الواردة في الجزء 3 ص 217 من هذه السنة وهي عن دار ابن الجوزي وقبره. وقد أبان فيها غلط من يقول أن المرقد الذي في حديقة اكريبوز هو لابن الجوزي المتوفى في سنه 597 (1200) وأحال القراء على الصفحة التي رجحت فيها أن هذا القبر هو لابن جوزي الذي أشير إليه.
وإني لأشكر عبادة على نقده النزيه وعلى تخطئته إياي. وكان سبب غلطي إني اعتمدت على (سالنامه) بغداد وعلى ما رأيته في أول مخطوط قديم ذكرته هناك. وكان الواجب علي أن أرجع إلى ابن خلكان. وليس بين المترجم والمترجم إلا قرن واحد فضلا عن ابن خلكان من الثقات المعلومين.
أما ما قاله عبادة أن القبر لا بد أن يكون لمحيي الدين بن الجوزي أو لأبنه جمال الدين عبد الرحمن أو لأخيه شرف الدين عبد الله أو لأخيه الآخر تاج الدين عبد الكريم وما رجحه أن القبر لمحيي الدين منهم لأبوته ولتفوقه على أولاده في العلم والرتبة ففي ذلك نظر. فإن قتل هؤلاء الأربعة - على ما قاله كتاب الحوادث وعلى ما نقله عبادة من مختصر تاريخ الحنابلة - كان في دخول هولاكو بغداد. وكانت الدماء تجري فيها والناس في ويل وثبور أفلم يكن عندهم ما يمنعهم من الوقوف على مدفن فلان ومدفن فلان؟ ويجوز أنهم وقفوا على دفين هذا القبر، أما سبب الترجيح الذي أورده عبادة فلا يمكن أن يكون
حجة في ما ذهب إليه إذ كم من القبور للمشاهير من العلماء وغيرهم درست وبقيت قبور غيرهم من الذين هم أقل شهرة ومقاما! هذا ويجوز أن يكون المرقد لأحد الجوزيين غير الذين ذكرهم كأبي الحسن علي والد المتوفى في سنة 597. وفي ترجمة الابن في ابن خلكان أن وفاة الوالد كانت في سنة 415 (1120).
قصور الخليفة
وإذا انتقلنا إلى قول عبادة القائل: (ولم تبق ريبة في أن القصور التي تملكها الخضيريون وما يليها هي قصور الخليفة كما أشار ابن جبير لقربها من باب البصلية (الباب الشرقي)
وخربة ابن الجوزي) وجدنا أن السند الذي تمسك به الكاتب لا يحمله على هذا القول الحاسم. وهذا ما نقله عن مستنده ابن جبير الذي قال:
(ثم شاهدنا. . . مجلس الشيخ. . . جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي و (الدار) في آخره (يعني في أخر الجانب الشرقي) على اتصال من قصور الخليفة و (هي أعني الدار) بمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي.) اهـ.
وإذ رأينا إن دار ابن الجوزي هي في آخر الجانب الشرقي وبمقربة من باب البصلية وأن هذه الدار على اتصال من قصور الخليفة فلا وجه لقبول عبادة أن قصور الخليفة كانت في موضع قصور الخظيريين وما يليها إذ يحتمل أن تكون قصور الخليفة فوق دار ابن الجوزي أو تحتها. ولعل الأرجح أن تكون تلك القصور فوق الدار إذ أن المقربة من باب البصلية قد نسبت إلى الدار وليس إلى القصور.
ومن يراجع مقالتي المعنونة (حريم دار الخلافة)(هذه المجلة 5: 449) يقل أن الجبهة المطلة على دجلة لحريم دار الخلافة كانت بين شريعة المربعة أو نحوها وبين شريعة المصبغة التي كانت تسمى باب الغربة ومما يؤيد ذلك قول ياقوت عن القرية (وهي اليوم محلة رأس القرية على الغالب كما سيبين) أنها محلة في حريم دار الخلافة بل قال في مادة باقداري أنها بدار الخلافة وفضلا عن ذلك فقد قال ابن الساعي في كتابه مختصر أخبار الخلفاء ص 91 و112 أن السيد سلطان علي هو دفين رأس القرية ببغداد، وإذ كان جامع السيد السلطان علي - ومرقده فيه - بمحلة طرفها يقرب من طرف ما نسميه اليوم بمحلة رأس القرية (وأن تفصل المحلتين إحداهما عن ثانيتهما محلة أخرى) وكانت
محلة القرية في حريم دار الخلافة بل بدار الخلافة نفسها على ما رأيناه في ياقوت جاء ذلك مؤيدا إن حريم دار الخلافة وضمنه دور الخلافة كانت جبهته ممتدة بين شريعة المصبغة وشريعة المربعة أو نحوها ولا تتجاوز ذلك.
قصور الخظيريين ليست بموضع قصور الخليفة
يؤخذ من كلام ياقوت وكلام أبي الفداء اللذين نقلتهما في (حريم دار الخلافة) أن مبدأ هذا الحريم من جهة الغرب (الشمال الغربي) باب الغربة وهو الآن شريعة المصبغة ولا جدال
في ذلك. وإذ كان الحريم بمقدار ثلث بغداد وفي وسطها ولا سيما دور العامة محيطة بالحريم فلا يتصل الحريم بسور المدينة في آخرها. وإن قيل عن الإحاطة أن ياقوت قالها من باب التوسع وليس بكل معنى الكلمة وحصره قلت ذلك جائز ولكن لا يمكن اتصال الحريم بسور المدينة عند آخرها لقوله أن الحريم في وسط بغداد الخ. وإذ كانت قصور (الخظيريين) في منتهى المدينة على ما بسطته قبيل هذا في الحاشية فقصور الخليفة - ودور الخلافة كما سماها ياقوت - لم تكن في موضع قصور (الخظيريين).
أبستان اكريبوز هي دار ابن الجوزي؟
لا يبعد أن يكون ذلك وكنت قد قلته. أما عبادة فقد رأى أن يبت ويجزم بالأمر بعد إيراده نص ابن جبير عن أبواب بغداد وعن دار ابن الجوزي ومجلسه وبعد كلامه عن القبر الذي في بستان اكريبوز، قال عبادة:(فلم يبق شك في أن الحديقة (حديقة اكريبوز) هي دار عبد الرحمن المشار إليه (ابن الجوزي)) اهـ فالظن بما كنت قد قلته وقاله قوي لكنه لا يصل إلى درجة الحكم القاطع مع وجود دليلين آخرين لم يذكرهما. وهما: أولا كلام ياقوت وفيه أن (حريم دار الخلافة يكون بمقدار ثلث بغداد وهو في وسطها الخ وثانيا وجود شريعة المربعة على بعد نحو مائة متر فقط فوق بستان اكريبوز. وإذا لاحظنا موقع هذه البستان وجدناه في مبدأ نحو الثلث الأخير من بغداد وهو يوافق وصف ياقوت فيكون موقع هذا البستان على اتصال من دور الخلافة الواقع في وسط
بغداد، وسبب تعرضنا لذكر شريعة المربعة فضلا عن وجود القبر الذي في بستان اكريبوز هو لقول ياقوت أيضا أن الدار المربعة هي بدار الخلافة فيمكن أن تكون هذه الدار آخر دور الخلافة وأن دار ابن الجوزي كانت باتصال منها فالقول أن بستان اكريبوز كان دار ابن الجوزي حري بأن يؤخذ بنظر الاعتبار ولكن - على ما أظن - يجب ألا يتجاوز ذلك حتى يقوم برهان ليؤيده.
ومما ذكره عبادة حديقة نسبها إلى عبد الجبار غلام وكانت صفته فيها صفة مستأجر. والأحرى في مثل هذه المواضيع أن يذكر الملك باسم مالكه لأن المالك - على الغالب - يكون قابضا على زمام الملك مدة أطول من مدة الإيجار ولا سيما إذا كان الملك وقفا فإن اسمه يعمر دهرا. وإرجاع نسبة الملك إلى مالكه يفيد الخلف على تعيين المواضع، هذا وإن اشتهرت هذه الحديقة في عهدنا وقتا بعبد الجبار غلام أما الآن فلا أحد يعرفها بهذا الاسم.
والذي اعرفه عنها أنها وقف للكيلانيين أو للنقباء منهم. وهي اليوم عرصة خالية وجبهتها على الشارع العام طولها على الشارع الممتد إلى الشيخ عبد القادر الكيلاني فآخر المدينة من جهة الشمال الشرقي. وقد شرع الآن بعمارتها.
وقال عبادة (وهي (أي دار ابن الجوزي التي قال إنها حديقة اكريبوز) حتى اليوم واقعة على دجلة على الشط يفصل بينهما قصر النقيب الآنف ذكره) اهـ ولا أدري ضمير (بينهما) إلام يعود ولا اسمين في الجملة أما ما جعله فاصلا فلا يبين لي. والذي نعرفه أن لا فاصل بين قصر النقيب وحديقة اكريبوز وهما متصلان أحدهما بالآخر.
والآن ألخص كلامي بما يأتي:
1 -
ليس بأيدينا مستند يرجح أن القبر الذي في بستان اكريبوز هو لمحيي الدين يوسف بن الجوزي.
2 -
من المحتمل كل الاحتمال أن يكون بستان اكريبوز دار ابن الجوزي دون البت في ذلك.
3 -
ليست قصور (الخظيريين) في موقع قصور الخليفة.