المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌صدى اليوبيل كلمة رسالة قلب يسوع (العراق). في 7 تشرين الأول (أكتوبر) - مجلة لغة العرب العراقية - جـ ٧

[أنستاس الكرملي]

فهرس الكتاب

- ‌العدد 65

- ‌سنتنا السابعة

- ‌في يوبيل أنستانس الذهبي

- ‌لجنة اليوبيل الكرملي

- ‌دعوة الزهاوي

- ‌حفلة يوبيل العلامة الكرملي

- ‌رسالة المجمع العلمي العربي في دمشق

- ‌برقيات المستشرقين

- ‌لغة العرب

- ‌العلامة الكرملي في حفلة تكريمه

- ‌تقدير النبوغ والعبقرية

- ‌في موقف التكريم

- ‌نشيد وتفنيد

- ‌أقوال الصحف

- ‌العدد 66

- ‌اللغة العربية والتجدد

- ‌عند الشاطئ

- ‌رشيد الدين

- ‌البعيم

- ‌لواء الموصل

- ‌عوض

- ‌الأرملة المرضعة

- ‌يا محب الشرق

- ‌قبر الإمام أبي يوسف

- ‌اليوبيل

- ‌ثياب الشرق في بلاد الغرب

- ‌السيد محمد علي الشاه عبد العظيمي

- ‌نظرة في تاريخ مساجد بغداد

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 67

- ‌الشمسية

- ‌صفحة من تاريخ التطعيم

- ‌اللغة العربية والتجدد

- ‌معجم الشعراء للمزرباني

- ‌دار ابن الجوزي وقبره ببغداد

- ‌ثمار القلوب في المضاف والمنسوب

- ‌خزائن كتب إيران

- ‌جامع قمرية والمدرسة العمرية

- ‌عشائر لواء الموصل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 68

- ‌حضارة الإسلام ومفكروه

- ‌قبر الإمام أحمد بن حنبل

- ‌أسماء القبائل وأنسابهم

- ‌السرحيون أو الشرويون

- ‌على يفعول

- ‌من أوهام المنجد

- ‌الحامض وأنواعه

- ‌نصرة الحق واجبة

- ‌اليزيدية

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 69

- ‌حضارة الإسلام ومفكروه

- ‌في ظلال الحب الشريف

- ‌قبر ابن الجوزي وقصور الخليفة

- ‌معجم المرزباني

- ‌صفحة منسية من تاريخ نادر شاه

- ‌المدرسة البشيرية

- ‌لواء الدليم

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌الشفق الباكي

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 70

- ‌اليزيدية

- ‌كحل الإخفاء

- ‌إلياس صالح اللاذقي

- ‌نسخ كتاب الدرر الكامنة

- ‌أرجوزة الظاء والضاد

- ‌المطبوعات الحديثة في النجف

- ‌اللباب ورباعيات الخيام

- ‌صدى اليوبيل

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 71

- ‌القلم حاجية

- ‌الكشافة

- ‌نكبة الفلاح

- ‌لواء ديالي

- ‌قبر رابعة

- ‌الشيخ سكران

- ‌هولاكو في بغداد

- ‌من مشاهير رجال المائة السابعة للهجرة

- ‌تتمة عن اليزيدية

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 72

- ‌فضل العربية على سائر اللغات

- ‌بسمى أو أدب

- ‌جامع قمرية

- ‌ما فوق باب اورتمه من الكتابة

- ‌رسالة في تراجم أحوال الرجال

- ‌الحاج الميرزا معصوم العلوي

- ‌مندلي الحالية

- ‌الشعر في مصر

- ‌السريطاء أو السويطاء

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 73

- ‌الحالة الاجتماعية للعشائر العراقية

- ‌حرف الضاد واللغة المالطية

- ‌الكتابة التي فوق باب جامع مرجان

- ‌بسمى أو أدب القديمة

- ‌وزن الفعل الثلاثي بتداخل اللغتين

- ‌تكلم جبر ضومط

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 74

- ‌ترجمة فنان عراقي

- ‌مندلي الحالية

- ‌عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار

- ‌مشاهير جمع مشهور

- ‌الأغاني

- ‌الشعر في مصر

- ‌شرح لسقط الزند

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

- ‌العدد 75

- ‌معجمنا أو ذيل لسان العرب

- ‌أدب ومعناها

- ‌المولى في لغة العرب

- ‌كتاب الجيم في اللغة

- ‌أكان السموأل نصرانيا

- ‌علاج بدو العراق للزهري

- ‌أصل كلمة إبليس

- ‌تاريخ بغداد

- ‌الجري والجريث

- ‌فوائد لغوية

- ‌باب المكاتبة والمذاكرة

- ‌أسئلة وأجوبة

- ‌باب المشارفة والانتقاد

- ‌تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره

الفصل: ‌ ‌صدى اليوبيل كلمة رسالة قلب يسوع (العراق). في 7 تشرين الأول (أكتوبر)

‌صدى اليوبيل

كلمة رسالة قلب يسوع

(العراق). في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1928 أجتمع في دار رئيس الوزارة جمهور من الوزراء والنواب والأعيان والأدباء للاحتفال بيوبيل الأب أنستاس ماري الكرملي، اللغوي الشهير؛ إقرارا بفضله على اللغة العربية.

عن رسالة قلب اليسوع السنة 10 (ك2 سنة 1929) ص 23.

يوبيل الأب انستاس الكرملي

أقام فريق من أدباء العراق، وفي مقدمتهم الشاعر البغدادي جميل صدقي الزهاوي، حفلة يوبيل للأستاذ المعروف الأب أنستاس (ماري) الكرملي الذي خدم اللغة العربية زهاء ربع (أقرها: نصف) قرن في ذلك القطر. وقد أقيمت الحفلة في دار عبد المحسن بك السعدون، رئيس الوزراء، واشترك فيها الكثيرون معترفين بفضل الأب المذكور على اللغة وعلومها في عصرنا.

فمجلة (المشرق) تضم صوتها إلى أصوات مكرمي العلم، وتهنئ من كان يتحفها بمقالاته النفيسة في اللغة والآداب، بيوبيله متمنية له سنين مديدة يواصل فيها بتقدم ونجاح أبحاثه المفيدة.

(عن المشرق 950: 26)

يوبيل الأب أنستاس ماري الكرملي

يسرنا أن نرفع إلى حضرة الكاتب الفاضل الأب أنستاس ماريا (كذا والصواب ماري بتشديد الياء، إذ هكذا نريد أن يكون أسمنا) الكرملي التهاني الحميمة بيوبيله الذهبي. فقد خدم اللغة العربية خدمة تذكر فتشكر في العراق وفي جميع البلاد الناطقة بالضاد. وقد طالعنا بلذة العدد الأول من (مجلة لغة العرب) لسنتها السابعة وهو مشحون كله بما جادت به قرائح الشعراء والكتبة على اختلاف مذاهبهم في وصف جهود هذا الأب الغيور. فنسال الله جل وعز أن يمتعه بالصحة ليواصل هذه الخدم الجليلة تعزيزا للدين والوطن واللغة

العربية.

عن مجلة الآثار الشرقية 417: 3

ص: 318

تهنئة المقتطف

(لغة العرب) أدرجنا مقالة في المقتطف بعنوان: (أداة التعريف في التاريخ) فكتب صاحبه هذه الكلمات ليعرف قراءه بصاحب المقال فكتب هذه الكلم:

(العلامة الأب أنستاس ماري الكرملي، صاحب هذا المقال الفريد في بابه - نابغة في العلوم العربية، وقد خدم اللغة وتاريخها وفلسفتها وفيلولوجيتها خمسين سنة خدمة صحيحة لا يشوبها رغبة في منصب أو نشب. فأجمع أفاضل العراق ووزراؤه وعلماؤه وأدباؤه وجمهور كبير من مستشرقي الإفرنجة ومريدي العلامة من علماء مصر وسورية وفلسطين وغيرها من الأقطار على تكريمه في حفلة في 7 أكتوبر الماضي في دار رئيس الوزارة العراقية وبرآسة وزير معارفها الهمام. فنهنئ الأب العلامة - ويسرنا أن ننشر لأبناء العربية والمشتغلين بعلومها هذا المقال النفيس من قلمه في نشوء أداة التعريف مثالا لمباحث الأب المحتفل به وإذاعة (لفضله) انتهى بحرفه.

أتيتك متأخرا

كتب إلينا أحد علماء البندكتيين الألمانيين في مونيخ بتاريخ 27 ك2 سنة 1929 ما هذا حرفه العربي ما عدا ما حذفناه من عبارات التبجيل والتعظيم:

إلى حضرة الفاضل الأعلم ذي المجد الظاهر الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم أطال الله بقاءه

. . . قرأت في صحيفة ألمانية مقالة تذكر شيئا غير يسير عن اشتغالكم بالعلوم العربية وتوغلكم في أد بياتها ولغوياتها، وتروي المفاخر والمآثر التي امتزتم بها، والتكريمات والتعظيمات التي حظيتم بها في 7 ت 1 من السنة الماضية في بغداد المحروسة إذ قرأنا في الجريدة المذكورة أن رجال الحومة وأبناء العلم وأصحاب الفنون الفتانة أجمعوا على الإقرار بفضلكم الذي لا ينكره كل ذي فضل خال من عمى الغرض.

والآن أتيتكم - ولو متأخرا - لأقدم إليكم التبريكات اللائقة بشخصكم الكريم وأني أسر

بمكارم أخلاق العراقيين لأتفاقهم على تكريم من هو أهل للفضل والفخر (وهنا عبارات وألقاب ضخمة) وقد سمعت هنا عن حضرتكم

ص: 319

من الدكتور بركشتسر الأستاذ الشهير في كلية مدينتنا مونيخ أنه يعجب بعلمكم الزاخر وآرائكم اللغوية الطريفة لأنه يطالع (لغة العرب) بكل حرص ولذة، وهو من أشهر عارفي العربية والألسن السامية في عصرنا وقد قرأت عليه شيئا كثيرا من كتب فلاسفة العرب ونحاتهم وأخذت عنه أصول السريانية. . . ومن الذين يعترفون بعلمكم وتضلعكم من اللغة العربية الدكتور كراف وهو قسيس كاثوليكي من أحسن عارفي الأدبيات العربية النصرانية في ديار الإفرنج. وقد ألف كتابا بالألمانية عن لغة العرب النصارى ولا سيما، لهجتهم ودفع إلي نسخة من كتاب خطي موضوعه:(مجادلة أو محاورة بين الراهب سمعان وثلاثة من المسلمين) وطلب إلي أن أنقله إلى الألمانية وانشره وإذا وفقت لإتمام نقله أعرضه على حضراتكم لتروا رأيكم فيه لأن ما تقولونه فيه يكون حجة لا تنكر. كل ذلك لأن أساتذتي قد طبعوا في نفسي تقدير علمكم ورسوخ قدمكم في لغة الضاد المحبوبة الواسعة في بحار مبانيها ومعانيها وأرجوكم في الختام أن تقبلوا عذري وتغفروا لي تقصيري وحفظكم الله منارا وهدى لمن أستهدي بكم.

الأخ تيلو بنرث البندكتي

كتاب يوبيل الكرملي

لا مشاحة في أن اتفاق العلماء ورجال الحكومة والسياسة من كل المذاهب والأحزاب على تكريم أحد رجال العلم الذين خدموا وطنهم هو البرهان الساطع على أهلية واستحقاق النائل الإكرام ودليل واضح على النهوض والرقي في تلك البلاد.

وما الاحتفال الشائق باليوبيل الذهبي للأب أنستاس الكرملي الذي عني بإقامته في 7 ت1 سنة 1928 أدباء بغداد وعلماؤها ووزراؤها اعترافا بالخدمات الجلي للغة العربية الذي قام بها هذا الكاتب المعروف واللغوي المدقق نصف قرن إلاّ دليل حسي على النهضة الحديثة المباركة في العراق وعلى أهلية المحتفى به ورفيع مقامه في عالم العلم والأدب فالأب

الكرملي درس وبحث ونقب وكتب وعلم وألف بنشاط

ص: 320

وأمانة هذه السنين الطوال في اللغة العربية فأستحق ثقة وثناء أبناء هذه اللغة الشريفة.

أهدي إلينا مؤخرا جزء اليوبيل الذي أصدرته مجلة لغة العرب وتصفحناه فوجدنا في ما جاء فيه من بليغ المنظوم والمنثور تقديرا جميلا لمواهب الأب الكرملي وعبقريته وغيرته على لغة العرب.

ويسرنا أن نرى أنه قد اشترك في إكرام هذا العالم أما خطابة في حفلة اليوبيل أو كتابة إلى المحتفى به أو على صفحات المجلات والجرائد أدباء العرب والفرس من العراق ومصر وسورية وإيران. فمجلة الكلية تضم صوتها إلى أصوات هؤلاء الأدباء بالثناء الصادق على الزميل الكريم الأب الكرملي محبذة ما جاء في الكتاب من آيات الاعتراف بخدماته الثمينة وتسال الله أن يطيل عمره ليستمر نفعه بعلمه وأدبه وفضله لبلاده الناهضة ولسائر الأقطار العربية.

عن مجلة الكلية 237: 15

يوبيل الكرملي والنهضة اللغوية الحديثة

كان وقت لم يحفل فيه أحد بتكريم نوابغ الرجال بيننا إلى أن أخذ الاستيقاظ الفكري يتمشى في بيئاتنا المتعلمة، فبدأنا حينئذ نلتفت إلى هذا الواجب الاجتماعي فأهتم عظماؤنا بتكريم المرحوم العلامة سليمان البستاني معرب (الإلياذة) وتبعث ذلك حفلات للتكريم مناسبة وجديرة بالاعتبار. ثم جاء وقت أصبحت فيه حفلات التكريم مذالة تقام بمناسبة وبغير مناسبة لكل من خدمته الظروف، سواء كان أو لم يكن على جانب من المواهب المذكورة وأخيرا في عهدنا الحاضر - عهد التيقظ الآثم - أخذنا نعنى بتكريم نوابغنا في مصر خاصة وفي العالم العربي عامة ولكن بميزان.

ولعل من أصدق المظاهر لهذا التنبه المحمود حفلة اليوبيل الكبرى التي أقيمت حديثا في بغداد لإمام اللغة الشعير الأب أنستاس ماري الكرملي، وقد اشتركت في إقامتها الحكومة العراقية ورجال الأدب في العالم العربي ومشاهير المستشرقين ولو كانت الحفلة في مدينة سهلة المواصلات لحضرها الجم الغفير من أهل العلم والأدب من مختلف الأقطار ولكانت مؤتمرا أدبيا عظيما، ولما اكتفى الكثيرون اضطرارا

ص: 321

بإهداء تمنياتهم الطيبة عن بعد. على

أننا نرجو أن يكون لمصر حظ خاص في تكريم حضرة الأب الجليل بين ربوعها في المستقبل.

ولكن لماذا نعلق أهمية خاصة على هذا اليوبيل؟ ليس ذلك لمنزلة فضيلة الأب المحتفل به فقط، ولكن لظروفه الاجتماعية أيضاً. فالأب الكرملي راهب متقشف يعيش في بيئة منقسمة إلى شيع وطوائف دينية شديدة التعصب، تنفر كل منها من الاعتراف بفضل من ينتسب إليها، وكثيرا ما تستحل الطعن في أخيار الرجال مدفوعة بعامل التعصب المذهبي الذمي!!! ولكن برغم كل ذلك لاقى الأب الكرملي من الحفاوة البالغة به ما دل دلالة صريحة على التيقظ الفكري السليم في العراق بل في العالم العربي بأسره وكان ذلك في دار فخامة رئيس الحكومة العراقية برعاية معالي وزير معارفها، وبأشراف كثيرين من الوجهاء والأدباء وصفوة أبناء العراق على اختلاف مشاربهم وعقائدهم الدينية والسياسية.

ولد الأب أنستاس في بغداد 5 آب (أغسطس) سنة 1866، فهو الآن شيخ جليل يناهز السبعين من سني حياته المباركة ولكنه ما يزال فتى في نشاطه وهمته وصفاء تفكيره وجلده العظيم وفي حبه للعمل المنتج، واهبا نفسه هبة صادقة للغة والأدب، مستبقيا عهده الديني في تقشفه الدائم.

وقد أنفق الأب الفاضل نحو خمسين عاما في تدريس العربية وآدابها؛ فقد ظهرت علامات نبوغه المبكر وهو ابن ست عشرة سنة وحينئذ تولى التدريس في مدرسة الكرمليين ببغداد، وكان قبل ذلك يقوم بالتدريس الخاص، وهذا نبوغ مبكر حقا، ولم يكن نشاطه قاصرا على التدريس بل كان يكاتب طائفة من كبريات الصحف والمجلات في ذلك العهد (كالبشير) و (الصفا) و (الجوائب) مهتما بالأبحاث اللغوية والأدبية. وفي سنة 1886 م قصد المدرسة اليسوعية الأكليريكية في بيروت لتدريس العربية وفي الوقت ذاته كان يدرس اليونانية واللاتينية.

وقد أتم فضيلة الأب الكرملي دراسته الدينية ورهبنته في بلجيكة وفرنسا وبعد أن قسس غادر فرنسة إلى الأندلس ليطلع على مخالفا الحضارة العربية.

ص: 322

ثم عاد إلى بغداد فتولى إدارة المدرسة الكرملية وتعلم العربية والفرنسية فيها إلى أن تفرغ أخيرا لأبحاثه المستقلة العظيمة ولمجلته الشهرة (لغة العرب).

وقد زار المترجم مصر كما زار أوربة مرارا، وكذلك تجول في كثير من أقطار الشرق، فأكتسب بذلك معارف شتى وخبرة واسعة بطباع الناس وأخلاقهم وميولهم.

ولفضيلته من الأبحاث المبتكرة في كبريات المجلات (المقتطف) و (الهلال) و (المشرق) و (الزهور) و (المقتبس) و (المباحث) و (المنهل) و (الزهراء) و (فتاة الشرق) وغيرها ما كان ولا يزال موضع العناية والإجلال سواء كان بإمضائه الصريح أو بإمضاء مستعار كما كان يفعل كثيرا زهدا في الشهرة، وحبا في خدمة اللغة والأدب والتاريخ لذاتها.

ويعد الأب الكرملي عن جدارة الحجة الثقة في فلسفة اللغة العربية وشيخ أئمتها وما كان ذلك عن إطلاع كبير أو عن ذاكرة نادرة فقط بل كان أولا لعبقريته المبتكرة الفذة، فإذا أردت دليلا عليها في مجال البحث المستقصى المشبع بالتحليل والذكاء والاستنتاج العميق فحسبك ان تقرأ ما كتبه عن (أداة التعريف في التاريخ) كمثال لمباحثه الجليلة التي لم يسبقه إليها باحث ولم يلحقه فيه مجتهد: وإذا أردت نموذجا لنقده اللغوي الدقيق الممتلئ بالإنصاف والأحكام فحسبك أن تقرأ ما كتبه في نقد معجم (البستان). وهذه مجلته (لغة العرب) مفعمة دائما بالكثير من مباحثه النقدية الثمينة.

وقد أدى تخصص الأب الكرملي في فقه اللغة العربية إلى اهتمامه بلغات شرقية قديمة وحديثة وتضلعه منها كاللغات الآرامية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية، دع عنك اللغات الأوروبية القديم منها والحديث على السواء فأصبح دائرة معارف لغوية مدهشة، وصار علما لا يسامى في منزلته ومعارفه الفذة الممتازة التي يستثمرها خير استثمار في جميع كتاباته ومباحثه.

وقد نكب الأب الكرملي أثناء الحرب العظمة بتبديد مكتبته الكبيرة على أيدي الأتراك وبنفيه زمناً إلى قيصري حيث لاقى صنوفا من الهوان والعذاب حتى إذا ما عاد إلى وطنه أنكب غير يائس على إصلاح ما أتلفت ظروف الحرب والسياسة

ص: 323

مجددا قدر الطاقة مكتبته، ومضاعفا جهوده لخدمة اللغة العدنانية. ورغم مكانته العالية في جميع المحافل الأدبية واللغوية وفي دوائر المستشرقين التي كثيرا ما ترجمت مقالاته إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والروسية والإيطالية والأسبانية فأنه لم يقو على نشر تأليفه وهي كثيرة حتى إذا استثنينا منها ما عبث به أيدي الغزاة أثناء الحرب العظمى حين تبديد مكتبته ونفيه مع من

نفي من كرام العراقيين ومن أهم تأليفه (غير تصحيح المعاجم الكبرى وغير اشتراكه في تهذيب تأليف جمة تنشر ونشرت في الشرق العربي وفي أوربة) هذه الأسفار القيمة: (جمهرة اللغات) و (كتاب الجموع) و (كتاب السحائب) و (الغرر النواضر) و (العرب قبل الإسلام) و (شعراء بغداد وكتابها) وكلها تتناول من مباحث اللغة والأدب ومسائل التاريخ ما يمتاز بالابتكار والتعمق والاستقصاء بحيث تسد فراغا عظيما في ثقافتنا اللغوية والتاريخية، ويبلغ مجموع مؤلفاته نحو ثلاثين كتابا جديرة كلها بالذيوع والإجلال. ولعل أهم ما يعنينا منها معجمه الكبير الذي ضمنه ما ذكرته المعاجم القديمة وما أغفلته ويجب أن لا ننسى أيضا فضله العظيم في وضع ألفاظ جديدة لكثير من المسميات الحديثة، نستعملها تكرارا دون أن نعرف مبدعها المتواضع المتواري ولعل أشهرها لفظ (برقية) لكلمة (تلغراف). ولفظ معلمة لكلمة (انسيكلوبيديا).

ومن المصريين الذين كتبوا عن الأب الكرملي كتابة تاريخية ذات تحليل فلسفي الأستاذ أحمد الشايب الذي عد الكرملي في العراق بل في الشرق العربي مدرسة قائمة في شخصه يقابلها في مصر دار العلوم. وعندنا أن الأب الجليل أسمى من ذلك. وحسبك أن تطلع على آثار المستشرقين ومجلاتهم وعلى جميع الكتب العربية المحققة الهامة التي صدرت في أواخر القرن الماضي وفي هذا القرن لترى النفوذ اللغوي والأدبي للعلامة الكرملي منبثا فيها. حينما لا تجد شيئا من هذا لأساتذة دار العلوم. . . فلا عجب بعد ذلك إذا كانت سيرة هذا اللغوي الكبير مبجلة في الغرب وموضوع كتابه أمثال كراتشكوفسكي المستشرق الروسي. وغريفيني المستشرق الإيطالي، كما أنها موضوع إجلال كل عربي يبجل العلم النزيه غير متأثر بالتعصب الأعمى لجنس أو دين أو مذهب.

ص: 324

وبعد هذا، فما هو أثر الكرملي في نهضتنا اللغوية الحاضرة ولماذا يكون ليوبيله ميزة خاصة؟

وعندنا أن الإجابة على هذا السؤال الوجيه ميسورة وخليقة بالاهتمام بها؛ فلنجملها في النقط الآتية:

(1)

الأب الكرملي مثال لرجل العلم اللغوي الصادق الذي يقدس النزاهة العلمية غاية التقديس: وحسبنا أن نذكر مناقشته التاريخية الحادة للأب لويس شيخو اليسوعي حينما

نسب النصرانية خطأ إلى بعض شعراء العرب وأدبائهم. فأبت ذمة الألب الكرملي النصراني أن يقبل ذلك إنصافا للعلم والتاريخ. وهذه الصفة النزيهة متجلية في جميع كتاباته بحيث أنه يتساوى أمامه في مجال النقد الأصدقاء وغيرهم على السواء. وهذا ما جعل الكرملي قدوة صالحة في النقد وكون لارائه المستقلة قيمة ثمينة في عالم الأدب كما خلق كثيرين من الخصوم بين الجهلة والمغرضين وأهل الإدعاء الكاذب.

(2)

للرجل فضل لا ينكر في حركة النشر اللغوي والأدبي الصحيح شرقا وغربا ونظن الأستاذة أحمد زكي باشا وأحمد تيمور باشا والدكتور محمد شرف بك وأمثالهم في مقدمة من يشهدون بذلك وهذا ما يجعل العالم العربي بأسره مدينا لفضله العميم.

(3)

وضع الأب الكرملي قواعد جديدة للبحث والنقد اللغوي ولدراسة فقه العربية تنم عن ذكاء عظيم ومقدرة فائقة. فشجع الابتكار في الدرس والبحث وقضى على أساليب القدامى النقلية التي جنت شر جناية على ثقافتنا اللغوية وأطالت أسرها في سلاسل التقليد.

(4)

قضى الأب الكرملي على التقطع اللغوي وبرهن برهانا عمليا على أن العالم اللغوي يجب أن لا يتجرد من صفات الكاتب الأديب العصري وهذا ما يمتاز به أسلوبه دون غيره من اللغويين المتحذلقين وإن لم يدانوه معرفة وذكاء.

(5)

عاش الرجل طول حياته الثمينة العامرة مثال النزاهة والشمم والإخلاص الكلي لما وهب نفسه له، فأستحق بتضحياته المتنوعة المتواصلة إكبارنا الأوفى.

عن مجلة (العصور) جزء مارس 1929 ص 319

ص: 325