الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مندلي الحالية
(تتمة ما سبق)
20 -
وصف خلقهم
يقول إنه كانوا في زمن الأتراك في غاية الشراسة والتوحش حتى أن أحدهم حكى لي أن الواحد منهم كان يقتل رفيقه لأدنى شيء مثلا (على قطعة لحكم من الجزار) إذا أرادها أحد المشترين ولم يدفعها إليه الثاني فيطعنه حالا بسكين في بطنه ويميته ويقال إنه وجد يوما في الأزقة نحو 30 جثة على الحضيض وملطخة دمائها وذلك لبعض كلمات مهينة للشرف جرت بينهم وهكذا كان يخاف الناس عموماً من الخروج ليلا من منازلهم لسبب هذه الأعمال الفظيعة. ولم تتمكن الحكومة العثمانية من إصلاح شؤونهم وتأدبهم كما ينبغي حتى الاحتلال البريطاني فشرع الإنكليز لأول دخولهم مندلي يشددون على الأهالي بأنواع الصلب والغرامات الثقيلة والعقوبات والجلد القاسي فحينئذ صلحت أمورهم وشرعت المدنية تظهر فيهم ولم يبق من المتوحشين إلا نفر قليل دأبهم الفساد.
21 -
صنائعهم
إن معظم أهالي القضاء في ضنك شديد وفقر مدقع لقلة الأشغال فتراهم طول النهار يتنقلون من مقهى إلى آخر. وهذا دأبهم والقسم القليل منهم يسمونهم (فلاليح) وهم أهل الزراعة. ويكدون طول النهار في البساتين بعزقها وتمهيدها، وذلك للقاء أجرة زهيدة قدرها ثماني آنات يومياً ويكاد تسد عزوهم أما الذين يعتبرون أصحاب ثروة فلا يتجاوزون المائة ويسمونهم (ملاكين) لأنهم يملكون بعض البيوت والحدائق والمقاهي والدكاكين ومن هؤلاء السيد عبد القادر آغا والسيد عز الدين آغا رئيس بلدية مندلي سابقاً وقد أصبح في سنة 1928 نائبا عن لواء ديالى ونقيب البلدة السيد الياس آغا أخو النائب المذكور وغيرهم ومن الصنائع المعروفة في مندلي الآن - عمل الجاجيم (الجاجيم بساط لفراش النوم) الاحرامات الفاخرة - حياكة جوارب - الغزل على
أحسن طرز - مناديل فاخرة من حرير - كلاش (مداس الليل) من حرير ومن قطن - عمل ثياب صوف (فلانيلات) تصنعها
النساء - حبال شعر للشباك - أعبئة صوف - عقل (جمع عقال لشد الرأس) - حصران - أطباق مختلفة من الخوص - عمل سدائر وطنية (السدائر جمع سيدارة وهي قبعة الرأس التي يستعملها العراقيون حديثا).
معيشتهم
يعيشون على أنواع التمور المختلفة التي يبلغ ضروبها نحوا من تسعين ودونك أسامي أشهر التمور المعروفة فيها مرتبة على حروف الهجاء: 1 - (أزرق - 2 أزرق الأزرق - 3 أزرقاني - 4 أشرصي (أي أكرصي ويقال له أيضاً أشرسي خطأ) - 5 أمير حاج - 6 بادمي (من بادم وهو اللوز في الفارسية أي لوزي الطعم) 7 - بدمجاني - 8 بربند - 9 بربندلكي - 10 برني - 11 بصراوي - 12 بطة - 13 بمركي - 14 بنوش (أي بنفسج) - 15 بهراب - 16 بيراغ دار (أي ببرقدار) - 17 تبرزن (أي طبرزذ) - 18 - ترشاشي - 19 جعفري - 20 جمكة - 21 جوبان - 22 جوزي - 23 خاتوني - 24 خستاوي - 25 خضراوي 26 - خوافروش - 27 دقل أفندي - 28 دقل بقون - 29 دقل عماد - 30 زهدي (ازاذ) - 31 سعادة - 32 سماوي - 33 سكوتي - 34 سيلاني 35 - عرب سيكي - 36 قرنفلي - 37 قره دقل - 38 قسب (قصب) - 39 كلكنة - 40 كلمين - 41 كند كاوي - 42 لقيتوني - 43 مكتوم (مكدوم) 44 - مير علي.
ورأيت في هذه السنة (1929) بعض الأميركيين أتوا إلى مندلي فأخذوا من جميع النخل تالات ليغرسوها في أميركة. ويعيش الأهالي أيضا على أنواع الخضراوات والفواكه التي تجلب من بغداد في السيارات وليس في البلدة سوى مطعم واحد (لوقنطة واحدة) صغير يأكل فيه الغرباء وبعض الناس. وفي مندلي خمس كبابخانات (محل لعمل الكباب) وحركة التجارة بطيئة جدا والبزازون الذين فيها لا يتجاوز عددهم الثلاثين ويليهم في العدد بائعو المأكولات (البدالون) ولوازم المعيشة.
وأهم صادرات مندلي الآن أنواع التمور فترى الناس يقصدونها من أنحاء العراق لشراء هذه التمور التي قل مثلها في سائر الربوع.
وفي القصبة نوع من العقارب أصفر سام اسمه (الجرار) وهو وإن كان في سائر مدن العراق قليلا، كثير الوجود في (محلة بوياقي ومحلة قلم حاج) وسمي جرارا لأن له ذنبا
طويلا يسحبه سحبا ولا يلتوي على ظهره التواء وهذه الجرارات تخرج حالاً من أجحارها إذا سكب ماء فيها وإذا لدغت إنساناً شعر الملدوغ كأنه وخز وخزاً بالإبرة ولا يسري سمها في جسم الملدوغ إلا بعد أربع وعشرين ساعة فإذا عولج المصاب بعد هذه المدة لا يبرأ بل قد يموت وعلاجه يكون بكي المكان الملدوغ فعليه يجب المعالجة حالما يشعر باللدغة. وسم بعضها زعاف فتميت في أول لدغها وقد جربنا أن وضعنا في قنينة واحدة جرارا وعقربا وبعد نصف ساعة رأينا الجرار قد أمات العقرب بسمه.
23 -
العلم فيها
إن الذين يحسنون القراءة والكتابة في لغتنا لا يتجاوزون المائة (هذا ما عدا تلامذة المدرسة الأميرية الحالية وموظفي الحكومة) أما الذين يحسنون التكلم والكتابة بالفارسية والتركية فيمكنني القول إنهم 20 في المائة وذلك لأن في البلدة كتاتيب يدرس فيها الملالي أصول القرآن واللغتين الفارسية والتركية للقاء أجرة زهيدة تدفع للملا شهريا قدرها ربية. ولهذا أرى رغبة الأهالي في العربية قليلة ومحبذي العلم والتهذيب الحقيقي قليلين. ولكن المدرسة الأميرية الحالية أمكنها أن تخرج بعض الشبان المنورين وبعد أن دخلوا مدارس أخرى في العاصمة أرقى من هذه المدرسة. أخص من هؤلاء بالذكر محمد صالح آل ناصر آغا من الأشراف ثم زينل خماس وكلاهما من خريجي دار المعلمين الأولية ببغداد. وأصبحا الآن مدرسين في مدرسة مندلي. وآخر أخرج ضابطا من المدرسة الحربية اسمه نجم الدين ابن السيد خضر آغا. وآخرين خرجا من الكلية الأعظمية وهما جليل وعمران أولاد موسى أفندي من الأشراف وآخر من الثانوية اسمه محمود مظفر وهكذا شعرت مندلي بحاجة إلى العلم وأخذ أبناؤها يجدون للحصول عليه وبسبب تمدنهم هذا أنهم ينظرون إلى ما جاورهم من أبناء
البلاد الأخرى فيرغبون في الاقتداء بهم ولا سيما أكثر الأهالي يسافرون إلى العاصمة وحينما يتحققون سير العلم وأهميته فيها وانتشاره العجيب وكثرة المدارس واكباب جميع الناس على تحصيل الآداب والعلوم يرجعون إلى بلدتهم متدفقين غيرة ونشاطا فيبعثون هذه الفكرة بين ظهرانيهم بالكلام والتشجيع والنصائح وغير ذلك وسوف نرى مندلي بعد سنين قليلة في عداد المدن المتمدنة.
والبلدة تشتمل الآن على مدرسة ابتدائية أميرية تامة العدة ذات ستة صفوف وهي قريبة من
صرح الحكومة ونظم فيها الصف السادس في أيلول من سنة 1927 وما زالت في تقدم يوما فيوما يسعى رئيسها المفضال (نظيف أفندي) مدير مدرسة بعقوبا سابقا. ومعلميها الكرام الذين يبذلون كل مجهودهم لإعلاء شأنها وترقيتها بجميع الوسائل الممكنة وقد بلغ مجموع تلامذتها نحو المائة والعشرين ونؤمل أن يزداد هذا العدد أضعافه لأنه قليل بالنسبة إلى سكان البلدة وهذه المدرسة قديمة يرتقي عهدها إلى نحو 30 سنة وقد كان في بناء هذه المدرسة نواقص كثيرة فأتمت وأصلحت منذ سنة 1926 إلى سنة 1929 وذلك لقدم البناء وميلان أكثر جذوع السقف ولا نزال تجري الإصلاحات فيها وبنى فيها غرفتان جديدتان في سنة 1928 بسعي مدير المدرسة السابق (أحمد حمدي) فبلغ ما أنفق على تعميرها وإصلاحها في هذه السنين ما ينيف على 3000 ربية فصار عدد غرفها الآن تسعا: غرفتان للمدير والمعلمين وواحدة لأدوات الكشافة والست الباقيات للصفوف الستة والمدرسة ذات طبقة واحدة فقط.
وفي عهد الأتراك كان عدا المدرسة المذكورة مدرستان أخريان الواحدة رشدية أرقى من الحالية وقد تخرج فيها أكثر أدباء مندلي وأشرافها أذكر منهم السيد عز الدين آغا النقيب وأخاه الياس آغا. والسيد محمود آغا رئيس البلدية في سنة 1929 والسيد ظاهر البندنيجي وغيرهم أما الآن فقد أصبحت مقرا للسيارات (كراج) والمدرسة الأخرى أولية كان فيها 3 صفوف والآن هي بيت كسائر البيوت. فكانت المدارس الرسمية إذاً ثلاثا في زمن الأتراك والآن ليس فيها إلا واحدة وفي المدينة مدرسة صغيرة للإسرائيليين يدرسون فيها أصول ديانتهم واللغة العبرية ولا يتجاوز عدد تلاميذها الثلاثين.
(ميخائيل توماس أحد المدرسين في وزارة المعارف العراقية)