الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حفلة يوبيل العلامة الكرملي
بإشراف معالي وزير المعارف
أتشرف بدعوة. . . إلى حضور حفلة يوبيل العلامة الكرملي في دار فخامة رئيس الوزراء يوم الأحد الموافق 7 تشرين الأول 1928 في الساعة 4 بعد الظهر ولكم مني الاحترام.
رئيس لجنة يوبيل الكرملي جميل صدقي الزهاوي
بغداد (العراق)
منهاج
حفلة يوبيل العلامة الكرملي
1 -
كلمة ترحيب للأستاذ الزهاوي.
2 -
بيان سكرتير لجنة اليوبيل أحمد حامد الصراف.
3 -
كلمة المجمع العلمي بدمشق يتلوها الأستاذ الزهاوي.
4 -
ترجمة المحتفل به لرفائيل طي.
5 -
قصيدة الأستاذ الزهاوي.
6 -
كلمة صاحب المعالي وزير المعارف.
بغداد في 7 تشرين الأول (أكتوبر) سنة 1928
شكر وترحيب
أشكر ما للسيد الجليل المبجل رئيس الوزارة فخامة محسن بك السعدون من العناية بالعلم والعلماء كما تفعل الوزارات الرشيدة وأكبر برهان على ذلك هو إقامته هذه الحفلة المباركة في داره العامرة بإشراف وزير المعارف المحترم معالي الأستاذ توفيق بك السويدي وأرحب بالذين أجابوني على دعوتي فأولوني الشرف بحضورهم من وزراء فخام ونواب كرام ووجوه وعلماء ومحررين أكفاء.
وما الحفل بيوبيل العلامة الكرملي إلا حفل بالعلم في شخصه الذي خدم لغة
العرب أكثر من خمسين سنة بأمانة وصدق وهو الحفل الذي أذعنا قبل أشهر نبأه فرددت صداه الصحف في الشرق والغرب وتوالت من كبار المستشرقين في عواصم أوربة ومن المجمع العلمي
العربي في دمشق ومن مصر وسورية وإيران رسائل وبرقيات وقصائد يهنئون بها العراق ويستدلون على رقي أهله بتقديرهم لعلمائهم مهما اختلفت أديانهم ولا غرو فأن الأمة أخذت توسع خطاها لبلوغ شأن الذين سبقوهم في مضمار الحياة العلمية من الأمم الراقية بعد أن فقهت ما للعلم من الشأن في ترقية المجتمع وذلك برعاية جلالة ملكها المعظم فيصل الأول جعل الله عهد حكومته سلاما على الأمة وعصمة لها!
فليحيي الملك المعظم فيصل الأول ولتسعد الأمة في ظل عرشه الوارف!
كلمة كتوم اللجنة (سكرتيرها)
في ظل عرش صاحب الجلالة، وفي بيت فخامة رئيس الوزراء، وبإشراف معالي وزير المعارف، ورئاسة فيلسوف العراق وشاعرة الأعظم، وبمحضر هذه الوجوه الكريمة نكرم اليوم شيخاً من شيوخ اللغة وعلما من أعلام الأدب ورجلا أنقطع في ديره منزويا خمسين حجة يبحث خلالها في كنوز اللغة الفصحى ويدافع عن منزلتها وكرامتها دفاع الصب المغرب عن حبيبته بل دفاع الكمي الشريف عن عرضه وشرفه. في هذا اليوم المبارك نكرم رجلا عربيا عراقيا قد ترك الدنيا وما فيها من زخرف وبهرجة وجمال. واختفى في صومعة تارة يذكر اسم الله وطورا يقلب المعاجم اللاتينية واليونانية ويسترجع ما استعارته الأقوام من الأمة العربية ويسلها من مكمنها ويضيفها إلى أخواتها ويعيدها إلى وطنها الأصلي.
نكرم اليوم الأب أنستاس ماري الكرملي العربي محتداً وأرومة ذلك الرجل الذي خدم لغة القرآن منذ حداثته حتى كسته الأعوام إكليلا من أكاليل الوقار وهو (الشيب) الذي يلوح في رأسه وفي عارضيه. واحتفال هذه الوجوه الشريفة بهذا الرجل العالم دليل على أن العراق الواثب الناهض السباق إلى كل مكرمة يقدر علماءه وعظماءه على اختلاف نحلهم وعقائدهم حق التقدير
ويوفيهم حقهم ويجلهم إجلالا عظيما.
خدم الأب لغتنا المحبوبة ورفع شأنها وخدمها خدمة صادقة فهو لذلك جدير بالتكريم والتبجيل والاحترام الكثير، ولكل لغة في الحياة صلة قوية بالقومية وعلاقة كبيرة بحياة الأمم السياسية والاجتماعية وقد أجمع العلماء على أن للغة تأثيرا عظيما في حياة الشعوب لأن اللغة أداة لبث الإحساس والشعور وهو قوام الأدب. والأمة التي لا يتفشى فيها الحس
الأدبي لا يتفشى فيها الإحساس الوطني وقد عانت الأمة العربية خلال أربعة عشر قرنا مصائب جمة وتوالت عليها النكبات ونزلت بها الملمات والطامات. وثقوا أيها السادة الأفاضل لولا القرآن الذي يتلوه العربي في العشية والضحى لأصبحت الأمة العربية أثراً بعد عين.
إلا فليعش القرآن! ولتعش اللغة العربية المحبوبة!
أيها السادة في منتصف القرن الرابع الهجري ولد في مدينتنا بغداد هذه علويان شريفان زكيان هما السيدان الشريفان الرضي والمرتضى ولدا العلوي الشريف أبي أحمد الحسيني نقيب نقباء الطالبيين وقد تتلمذا لعلامة عصرهما صاحب الحجج القاطعة الشيخ المفيد رحمه الله وأخذا العلوم العربية الأخرى عن عظماء النحويين والمحدثين والمفسرين واللغويين كابن جني والسيرافي وغيرهم.
وقد نشأ الرضي وبين جنبيه نفس شريفة لا تضام وفي عروقه دم عربي هاشمي وقد غلب على طبعه الشعر كما غلب على طبع أخيه العلم وكان الرضي شاعر قريش وأديب الطالبيين شجاعاً جريئاً كبير الروح فخوراً شريفاً غير آبه لسلطان الخليفة. ومن شعره الذي يخاطب به الخليفة قوله:
مهلا أمير المؤمنين فأننا
…
في دوحة العلياء لا نتفرق
إلاّ الخلافة ميزتك فأنني
…
أنا عاطل منها وأنت مطوق
وقد نشأ في ذلك اليوم أيضاً أديب كبير وكاتب تحرير هو أبو أسحق الصابئ صاحب الرسائل الشهيرة وكان كاتب الدولة إذ ذاك فتعرف بالسيد الشريف الرضي وتوثقت بينهما عرى الصداقة والمودة وألف الأدب بين قلبيهما حتى أفتتن كل واحد بصاحبه وكان إذا حل شهر رمضان صام أبو أسحق الصابئ مجاراة للرضي وكان إذا قصد أبو أسحق الصابئ الذهاب إلى الرضي مشى إليه
حافي الأقدام إجلالا لقدره ولما خطفت يد المنون روح أبي أسحق حزن الرضي حزنا شديدا وبكى صديقه ورثاه بقصيدة عصماء خلد بها ذكر أبي أسحق وهي التي قال في مطلعها:
أرأيت من حملوا على الأعواد
…
أرأيت كيف خبا ضياء النادي
ومن الشواهد على مروءة الرضي ووفائه أنه مر ذات يوم بقبر أبي أسحق الصابئ صاحبه
وخليله فترجل هو وحاشيته ووقف على قبر الصابئ باكيا منشدا:
لولا يذم الركب عندك موقفي
…
قبلت قبرك يا أبا أسحق
وقد شاء الله أن يقذف ذلك الحب المتبادل بين الرضي والصابئ بعد عشرة قرون في قلب حكيم عراقي وشاعر عظيم إذا قال كلمة أحدثت تلك الكلمة دويا في أرض الله وهزت النفوس والأعصاب هو أستاذنا شيخ الشعراء جميل صدقي الزهاوي الذي يكرم اليوم الكرملي كما كان يكرم الرضي صاحبه الصابئ في مجلسه العظيم.
إن هذا الوداد المتبادل بين الرضي والصابئ قبل قرون وبين الزهاوي والكرملي اليوم برهان ساطع على أن المسلمين من العرب يعيشون مع إخوانهم العرب المسيحيين بوئام ووفاق وإخاء تجمعهم الجامعة الوطنية وتربطهم الرابطة القومية وسنتهم الدين لله والوطن للجميع:
وعشنا وعاشت في الدهور بلادنا
…
جوامعنا في جنبهن الكنائس
وسوف يعيش الشعب في وحدة له
…
عمائمنا في جنبهن القلانس
إن للأب المحتفل به شهرة واسعة في الغرب والشرق ومكانة عظيمة في قلوب العلماء الإجلاء ما يدل على فضله وتضلعه من اللغة ولا أدعي أن الأب معصوم من الخطأ فهو إنسان ولكل إنسان خطيئات وحسنات إلا أن الحسنات يذهبن السيئات ونحن في تكريمنا الأب نكرم العلم في شخصه مقدرين أعماله وحسناته وفضله غير ناظرين إلى شيء سوى ذلك. والواجب على كل شخص منصف أن يفكر في أعمال الرجال لا في الرجال جريا على قاعدة (فكروا في آلاء الله ولا تفكروا في الله) تلك القاعدة العظيمة التي وضعها السادة الصوفية.
أحمد حامد الصراف