الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقوال الصحف
كانت الغاية من هذا اليوبيل إقامة الذكرى للسنة الخمسين من ابتداء تدريسنا للغة العربية وكان ذلك في 16 أيلول من سنة 1878 إذ بدأنا ندرس العربية دروسا خصوصية لعدة أناس منهم الأب دميانس الكرملي الحني والسنيور زانغيتا الإيطالي وأربع أوانس: سوسان بنة يوسف رحماني، وتوزة سكمن، ورجينة حبيب شيخا، وأميلية عبد الله مالكم.
هذا الأمر لا فضل فيه ولا فخر، إذ من الواجب على كل إنسان أن يجبب لغته لقومه ولغير قومه، إلا أن بعض الأصدقاء - ولا سيما واحد منهم أراد أن يبقى في ظل الخفاء - أحلب أن يشجع الغير على حب العربية وتحبيبها للغير، أخذ على نفسه إقامة ذكرى صدع (أي بين العظيمة والصغيرة). فاستحسنها الأوداء وأستقبحها نفر ومن ثم نشأت أقوال تناسب تلك الآراء. فقد ذكرنا أقوال المحبين، والآن نذكر آراء المحبين والكارهين معا من أصحاب الصحف والمجلات. ونحن لا نتبع في تقديم بعضها على بعض سوى ما يقع منها في أيدينا وقد جاء في بعض الصحف مدح وقدح في جزء واحد أو عدد واحد. فنذكر كل ذلك على علاته. فدونك ما ورد في (النشء الجديد) وهي مجلة كانت تصدر في البصرة واليوم تصدر في بغداد (273: 2) وهذا نصه:
يوبيل العلامة الكرملي واجب الحفاوة الكبرى به
أعلنت لجنة الاحتفال بيوبيل فضيلة العلامة اللغوي الشهير الأب أنستاس ماري الكرملي أنها ستقيم هذا الاحتفال في بغداد يوم 16 أيلول القادم، وهذا يوافق ذكرى مرور 50 سنة على بدئه بتدريس العربية في مدرسة القديس يوسف في بغداد سنة 1878، وهو ما يزال يدرس فيها حتى الآن. ويقابل هذا التاريخ كذلك انقضاء ما يناهز نصف قرن على خدمته الخالصة للغة الضاد سواء بالقول أو اللسان تحبيرا وتدريسا لتلامذته العديدين ومريديه الكثيرين المنتشرين في العالم العربي، دع عنك العلماء المستعربين في أوربا وأمريكا الذين يراسلونه
بانتظام للاسترشاد بآرائه الصائبة ومباحثه السديدة، وهي ثقة عالية تفرد بها العلامة الكرملي بين أئمة اللغة العربية المعاصرين، ولا تستكثر على عالم جليل مثله متبحر في فقه لغات جمة ما بين شرقية وغربية. إلى جانب تبحره الفذ في علوم العربية.
وقد أطلعنا على النداء البليغ الذي وجهه إلى الأدباء عامة الأستاذ الشاعر الفيلسوف الكبير
جميل صدقي الزهاوي رئيس لجنة الاحتفال، ولحظنا أن هذه اللجنة قريبة التأليف، ولكن كان بودنا تأجيل الاحتفال حتى مستهل السنة الميلادية الآتية ليوافق هذا أيضاً مستهل المجلد السابع (للغة العرب) فتكون المناسبة أتم. وتتاح بهذا التأجيل فرصة لاشتراك أدباء العربية في جميع الأقطار اشتراكاً محسوساً لأن علم الكرملي أو فضله ليس مما تحصره بغداد حتى ولا العراق بأسره.
وقد اغتبطنا لإسناد رئاسة لجنة الاحتفال إلى العلامة الزهاوي فهو قرين صديقه الأب الكرملي في الفضل وذيوع الصيت، كما أنه قرينه في كثرة الحساد له والمتحاملين عليه من أطفال الرجال والمغرورين المفتونين بالشهرة والعظمة على حساب غيرهم!. . .
وبديهي أن العلامة الكرملي في غنى كلي عن مظاهر هذه الحفاوة، فهو شيخ وقور متواضع دمث الأخلاق لم يعرف عنه في حياته المباركة أنه حفل مرة بالدعاية لمجهوده القيم. وكم من مرة وافى (المقتطف) وغيره من كبريات المجلات بمباحث لغوية وأدبية شائقة مكتفيا بتذييلها بإمضاء مستعار مثل (فهر الجابري) و (كلدة) ونحو ذلك، بينما جمهور الأدباء كان يكبرها إكبارا غير عالم بشخصية كاتبها الجليل المستتر تواضعا وتفانيا في خدمة العلم والأدب فلا فائدة إذن لمثل الكرملي من احتفال هو في غنى عنه، فمنزلته أسمى مرارا من أي احتفال، وإن لم ننكر أن لمثل هذا الاحتفال فائدة أدبية جليلة تعود على سمعة القطر العراقي. ولكن الفائدة تتحقق أيضاً لفضيلة المحتفل به إذا هي وجهت بالذات نحو أعماله القيمة، فتقدم المساعدات المالية إلى مجلته اللغوية الفريدة التي سدت فراغا عظيما في خدمة فقه اللغة وآدابها، ويعاون فضيلة الأب على نشر
مؤلفاته الخطية النفيسة التي يستفيد منها زائروه ومكاتبوه دون أن يستطيع هو نشرها لأنه ليس من رجال المال والدنيا، بل مثله يعيش في تقشف وزهد عيشه العالم المخلص الذي يضحي بكل نفيس حباً في العلم؛ ولذلك نلح على لجنة الاحتفال أن لا تغفل هذه المسألة الهامة من برنامجها برا يجهد هذا الرجل العظيم.
ولسنا في مقام سرد لسيرة فضيلة الأب وأن تكن مشهورة مأثورة، وقد ألمت بها مجلة (الحرية) في عدد آذار سنة 1924م. كما نوهت بها غيرها من المجلات العربية. فحسبنا أن نقول هنا أن الكرملي في آثاره اللغوية الإصلاحية يقابل الإمامين جمال الدين الأفغاني
ومحمد عبده المصري في إصلاحاتهما الاجتماعية والفكرية في العالم العربي، كما يقابل العلامة الزهاوي في نهضته التجديدية للشعر العربي. وللكرملي تلاميذ عديدون بين كبار الأدباء، وأصدقاء كثيرون ينتفعون بعلمه وإرشاده، وقد نالت مجلته اللغوية (لغة العرب) أضعاف ما نالته في وقتها مجلة (الضياء) التي كان يصدرها المغفور له الشيخ إبراهيم اليازجي وإطلاع الأب الكرملي غير محصور، كما أن إنتاجه نشرا وخطا وافر عظيم، هذا إلى جانب مجالسه الأدبية المشهورة التي يؤمها صفوة أدباء العاصمة العراقية وأسلوبه في النقد اللغوي أسلوب علمي محكم منقطع النظير، وأين لنا سواه المتضلع من بعض ما يعرفه من لغات وعلوم يطبقها تطبيقا سديدا شائقا في أبحاثه الفريدة؟ وحسبنا أن نشير إلى مساجلته اللغوية مع الأستاذ جبر ضومط، وإلى نقده البديع لمعجم (البستان) و (للأغاني)، وتصحيحه أغلاط المعاجم المشهورة، ناهيك بمؤلفاته الجمة التي يقتبس منها قاصدوه؛ وهي حبيسة ترتقب الناشر الأديب المقتدر، ناهيك بمباحثه اللغوية الموفقة التي كثيراً ما نقلت إلى اللغات الأوربية وتهافت عليها العلماء المستعربون ومحبو التمحيص والتدقيق اللغوي.
فالاحتفال بيوبيل الكرملي جدير بأن يكون منقطع النظير تقديراً لمنزلته ومراعاة لهذه المناقب والمآثر على الأخص:
1 -
تضحياته الجمة هذا العمر الطويل بالصحة والمال والجهد وبمصلحته الشخصية في سبيل اللغة العدنانية الشريفة رفعا لمكانتها، وصيانة لفرائدها، ودفعا لما يشوه جمالها، وتنقيبا عن حسناتها المستورة.
2 -
إنشاؤه (لغة العرب) ومثابرته على إذاعتها سادا بها فراغا لغويا كبيرا، مما يشرف أدباء العرب عامة وأدباء العراق خاصة، والحاجة الحاضرة إلى التعاون على إظهار مخطوطاته النفيسة الكثيرة المودعة في خزانة كتبه.
3 -
تفانيه العلمي الذي لا يعرف حياء ولا مواربة في الحق حتى مع أقرب الأصدقاء إليه. مما أدى إلى خلق خصوم كثيرين له بين صغار الأحلام وعباد التصفيق لهم والطنطنة بأسمائهم كما اكسبه احترام العلماء الأجلاء الذين يقدرون هذا الروح النزيه النادر.
4 -
تواليفه الجليلة القيمة، وبينها معجمه الكبير، وتصحيحاته اللغوية وابتداعه الموفق لكلمات كثيرة مستحدثة ذائعة تعد بالمئات، ومباحثه المدهشة في أصول الكلمات العربية -
تلك المباحث التي لا نعرف أحدا جاراه فيها لا قديما ولا حديثا، ولا عجب في ذلك وأمامنا اللغوي يتقن أشهر اللغات الحية، فضلاً عن معرفته بالأرمية والعبرية والحبشية والفارسية والتركية والصابئية، وهذه مقدرة فائقة تدل على حافظة نادرة وعلى عبقرية فذة مجبولة على حب الإتقان والولوع بالكمال،
5 -
خدمته التعليمية الطويلة باللسان والقلم في حاضرة العراق، وبالمراسلة إلى أقطار العالم العربي طول عمره الثمين.
6 -
الشعور بضرورة مقابلة تقدير مجامع العلم الأوربية إياه بتقدير خليق بمنزلته من أبناء العربية قولا وعملا.
ويحول فراغ (النشء الجديد) دون الاسترسال في التنويه بمنزلة هذا المصلح الكبير الذي يعد بحق إمام أئمة العربية في هذا العصر. فحسبنا هذا التذكير الوجيز لكل من يحترم اللغة القومية والعلم الصراح والفضل الممتاز فيكرم - باشتراكه في تحقيق هذا الواجب - لغته ووطنه ونفسه، وينصف جهد هذا الإمام العلامة الجليل الذي يمثل أرقى ما بلغته ثقافتنا اللغوية!. . .
الإسكندرية: المسجل
حول يوبيل الكرملي
حقا ما يقول الأستاذ (الزهاوي) أن الغرب قد سبق الشرق وأن الشرق قد أنتبه وسار يحاول اللحاق بالغرب - وهي نبوءة لا بأس بها تقوي الأمل بهذه الحياة وتدعو إلى التفاؤل بالمستقبل وما يضمه بين دفتيه من آمال رهن التحقيق لو صحت هذه الأحلام! وتقدير الرجال العظماء هو نهج الحق الواضح وهو رمز الانبعاث الذي جاء يبشر به الأستاذ؛ ولكن حق لنا أن نتساءل متى كان الكرملي من هؤلاء الرجال الذين يستحقون الإجلال والإكبار؟؟؟؟
عرفت الكرملي عالماً باللغة العربية ضليعا بأصولها مطلعا على غريبها ولكن في مكتبته فقط (كالإبل تحمل أسفارا) وبين كتبها المكدسة؛ أما في خارج جدرانها الأربع (كذا) فلا يعلم من شؤونها إلا ما أعلمه أنا من اللغة الهيروغليفية حرام علينا أن نستهتر بالأدب إلى هذا الحد المشين (كذا) فلقد ابتذلت الألقاب حتى جعلناها على من لا ناقة لهم في الأدب ولا
لهم جمل فيه! وما كفانا ما حبوناه للنظام من ألقاب الإعظام حيث أصبح خير ما يقدم به الشاعر الحق في الحفلات والصحف اسمه فقط لأن (الشاعر العبقري) و (الأستاذ الكبير) و (فيلسوف الشعراء) و (شاعر الفلاسفة) أصبحت تخلع على من أصبحوا كلا على الأدب وذويه!!
ما كفانا هذا الإسفاف حتى جئنا إلى أجل مقدسات الشعوب الناهضة ذلك هو حفلات للتكريم (اليوبيل) نقيمها لأناس لم يتذوقوا الأدب فضلا عن أن يخدموه ويحسنوا إليه.!. .
مناورات تقيمها فئة راغبة في الشهرة الكاذبة على حساب الأدب المحتضر الذي أصبح يتبرأ منهم إلى الله لما ألحقوا به من الإهانة،!
هذه كتبهم قلب صفحاتها المتناثرة ما تجد فيها إلا ما تأباه النفس ويعافه الذوق السليم!!
متى كان الكرملي أديبا ومتى كان عالما؟ أفي كتابه (تاريخ العلاق) وهو كتاب ملؤه اللحن والركة والخطأ التاريخي الفاضح؛ ناهيك عما فيه من سموم استعمارية ملاها كتابه الذي لم يصدر إلا لظروف خاصة وخدمة لجهة معينة؟؟
أم لمجلته (لغة العرب) وهي لا تحمل من (العرب) و (العربية) إلا أسمها فقط. . . حيث تسترجع الكلمات العربية القحة إلى أصول لاتينية وتيوتونية (كذا) وإن كان في تلك الكلمات ما لهجت بذكره العرب في جاهليتها وردد صداه شعراء صدر الإسلام ومؤلفوه.
أم لأنه عضو في المجمع العلمي العربي بدمشق وتلك ليست الغلطة الأولى من نوعها لهذا المجمع الذي سبق أن ضم إلى عضويته كاظم الدجيلي ومن لف لفه ممن حشروا (كذا) بظروف (كذا) لا تخفى على كل لبيب؟
لا أخال الزهاوي نفسه يستطيع أن يدلني على مصادر علم من جاء يطلب إليه التكريم غير هذه الثلاث (كذا) فإذا كان يجد فيها ما يستحق أن تقام له الحفلات وأن تحبوه من الإجلال ما ناله صروف وشوقي؛ فذلك يعني أن العلم والأدب فقيدان في العراق؛ وأنا لا ندري من شؤونهما إلا بقدر ما تعلمه هذه الفئة المهوسة!!. . . (ل. ع: صدقت لا فض فوك!)
وتلك سبة لا نرتضيها للعراق الناهض وذلك عابى (كذا) أن تلصقه الشخصيات النازعة إلى الظهور على حساب الأدب الذي وقفنا أنفسنا لنصرته والذود عنه وأنا له لحافظون!!
البصرة: فائق السامرائي
كلمة تعليق (حول اليوبيل (المرحوم) للأب الكرملي) (عنها)
نشرنا في غير هذا المكان. مقالين متناقضين موضوعهما واحد، هو الأب أنستاس ماري الكرملي أولا، وإشاعة الاحتفال بيوبيله (الخمسة والثلاثين)(كذا) ثانيا. .
وغايتنا من هذين المقالين، أن نقف (كذا) القراء على مبلغ ما يؤدي بصاحبه التطرف والشذوذ. . (فالمسجل) قد أغرق في مدح الكرملي والإشادة بذكره، حتى أصبح مدحه في نظرنا ذما، وثناؤه إسرافا وشططا وخروجا على حدود الحقيقة والواقع!. .
وتطرف صاحب المقال الثاني فجرد الكرملي من صفات العلم وميزات الإطلاع على فقه اللغة وقواعدها. وذلك ما لا يؤيده فيه أحد، مهما بلغت خصومته للكرملي من الشدة والعنف.
فالأب الكرملي في نظرنا من الرجال المعدودين الذين تجب حرمتهم ومراعاة جانبهم في كل من أفراد هذا البلد. ولكن هل هو بالمنزلة التي تؤهله ليوبيل لا ندري هل هو فضي أو ذهبي أو نحاسي أو شيء من هذا القبيل؟!
ذلك ما نتردد في الإجابة عنه، ولقد كفانا الأستاذ الزهاوي شر القتال، فأعلن تأجيل اليوبيل إلى أجل غير مسمى، وربما كان شاعرنا رئيس اللجنة ينتظر اليوم الذي يخلو الجو فيه من خصومه وخصوم الكرملي، وذلك يوم نراه بعيدا جدا، اللهم إلا إذا كتب على هذه البلاد أن تجتاز مستقبلا هزله جد وجده هزل والعياذ بالله. . .!
المحرر
يوبيل الكرملي
أحجية من يفسرها للعراق؟
(لغة العرب) قيل لنا إن صاحب هذا المقال التالي نقله هو للشيخ محمد باقر الشبيبي فلا نستبعد هذا الشيء لأنه من عداد الذين أحسنا إليهم وقد قيل: (اتق شر من أحسنت إليه) لكننا مع ذلك لا نجزم بنسبه إلى الشيخ المذكور والمقال جاء في جريدة الاستقلال البغدادية في العدد (1328) الصادر في 15 ت1 (أكتوبر)1928.
وقف عليه الكاتب الضليع مصطفى أفندي جواد فبدأ له بعض ملاحظات في أثناء مطالعته
له، ونحن نذيلها في الحواشي ليطلع عليها أدباؤنا ويحكموا على علم الشيخ ومنزلته من كفايته لنقد الغير. وهذا نص المقال:
(في العراق حركة فكرية مباركة ونهضة علمية ميمونة وفي هذه البلاد نزوع شريف للأدب الغض وتطلع عجيب للحياة العصرية واستعداد قوي للإقتداء بالأمم الراقية واقتباس أساليب المدنية في القرن العشرين والاتصال بأساليب التطور الاجتماعي والانقلاب الأدبي مما لم يسبق له مثيل اللهم إلا في
عهد الحضارة العربية وفي غضون دولة العرب في (مطلع الشمس).
فحق أن نكبر هذه النزعة وأن نشجع فينا هذا النحو من مناحي الحياة الجديدة وأن نقوي الروح الأدبي ونعضده ونتعهد هذا الشعور المبارك بالنمو.
ومن بواعث السرور أن الاتجاه لم يكن إلى ناحية واحدة من نواحي النهضة بل إلى كل نواحيها وذلك دليل على أن الثقافة العربية في اطراد وأن هذه الأمة حية لن تموت.
وإذا كان حقاً علينا تأييد هذه المظاهر والتنويه بما تحدثه من الآثار الطيبة والنتائج البليغة فحق علينا أن نسترشد بالعقل ونستفيد من الحكمة وأن لا نهرول في مواقف تستدعي تثبيت الخطى واجتناب الزلل والعثار فحاجتنا إلى أن نكون موزونين في الحياة أمس من حاجتنا إلى مظاهر هذه الحياة.
فكر الأستاذ الزهاوي في تكريم الكرملي والزهاوي شيخ قليل التجربة كثير الاستعجال كبير الدعوة والخيلاء فإذا رأى رأيا أو سيق إليه فلا يستشير أحداً وليس لأحد - أيا كان - أن ينصحه أو يناقشه على خطل ذلك الرأي وإذا انقدح في ذهنه أمر فقولوا له هذا الوحي إلا فأنتم أغرار وأنتم لا تعلمون.
ويكفي الشيخ الزهاوي من كل هذه الفلسفة!! أن يلقى قصيدة أو مقطوعة على شرط أن تستعاد أبياتها وتقاطع بالتصفيق ولكنه لا يكفيه إلا أن يذكر اسمه مقرونا بأفخم الأوصاف وأضخم النعوت. ففيلسوف العرب وشاعر العراق الكبير ورسول الحرية الفكرية والتجدد، أوصاف لا تسد حاجة هذا الشيخ.
هي فلتة من الأستاذ، وما دفعه إلى هذه الفلتة وما عرضه إلى هذه
الهفوة إلا حب الشهرة وأن جاءت من طريق إهانة العرب والعراق، والشهرة داء الزهاوي العياء.
ويمتاز هذا الشيخ الجليل بتفننه في البحث عن مواطن الشهرة فهو أستاذ في اصطياد الانباز (كذا) والألقاب وخبير بمعرفة استغلال النوادي والحفلات وقد برز على كثير من عبيد الفخفخة وعباد الظهور.
يكرمون الكرملي والكرملي أداة خلقها التنطع (كذا) وسهم فوقه التبشير وسيف صدئ جرده الاستشراق على رؤوس العرب الشرقيين والاستشراق سبيل من سبل المستعمرين (كذا) وعين من عيون الطامعين (لله درك!).
يكرمون الكرملي وأي شيء في الكرملي يستحق التكريم؟ الكرملي - وأنا من أعرف الناس به - فهرست لأسماء الكتب اللغوية وهيكل منقوش على صدره كل غريب غير مألوف وكل ما لا يستعمل من الألفاظ المعقدة المهجورة وكل حوشي من الكلام الجاف والمفردات المستنفرة،، أمن أجل هذا يستحق التكبير؟
عفى الله عن الأستاذ الزهاوي وسامح الله شركاءه في الاحتفال به وتكريم العلم والأدب بشخصه كما يقولون. ولا أدري أي درب يريدون وأي علم يعنون؟
لقد وصفوه بأنه علامة العرب وأنه المثل الأعلى تجمعت فيه مواهب العلماء وأخلاق الأدباء ومادة المؤلفين العظام، ووصفوه بأنه أكبر من خدم لغة التنزيل وأعظم من كتب في تاريخ هذه اللغة وإحياء آدابها (ل. ع: أين وجدت كل ذلك؟) فتجاوزوا في الغلو والإغراق فما كان انستاس ذلك الرجل وليس لأنستاس فضل على اللغة أكثر من فضل غيره من دارسي المفردات.
أما أنه من المتبحرين في تاريخ اللغة - فإذا صح ذلك - فما هو بالأول الذي تناول هذا الطرف من أطراف تاريخ اللغة وما كان من المجودين
في هذا الفرع ولا من المبرزين في التتبع والاستقراء وتفلية المعاجم والموسوعات وهذه أبحاثه في (لغة العرب) تشهد المتخصصين بأن الرجل قد استهدف للغلط والاضطراب مضافاً إلى أن مهمته - التي أستحق عليها التكريم - كانت ولا تزال محصورة في قلب الحقايق (كذا) وتشويه لغة العرب الكريمة وتغلط الأئمة والحجج الذين يعول على اختصاصهم في معرفة الأصول والمصادر، وقد حاول جهد الطاقة أن ينكر استقلال لغتنا التي شهدت كل العصور بأنها حية مستقلة لم يضطرب لها وضع ولا كيان. (ل. ع: لماذا لا تؤيد كلامك بالبرهان؟)
وإذا استقرينا أكثر أبحاثه التي تلقنها الأعاجم وأعتد بها علماء المشرقيات فلا نكاد نجد فيها أكثر من إرجاعه اللغة العربية إلى أصول يونانية مما يستوجب الضحك ومما لا يقره على رأيه الفطير أحد حتى من الأجانب الذين تفرغ لخدمتهم وتطوع لتزويدهم بما يهتمون به ويطمئنون (كذا).
فالعراق لا يعرف في الكرملي شيئا غير بلاده الإنشاء وسقم العبارة والتكلف في النحت والاشتقاق واستعمال ما لا يصح استعماله من الألفاظ والمفردات وقد وقف نفسه لفائدة المستشرقين وإرشادهم وحبر عدة مقالات في المقتطف والهلال و (المشرق اليسوعية) كلها غرائب وأوهام (كذا) ولا أبالغ إذا قلت إن مهمته كانت ولم تزل سياسية أكثر منها علمية ولغوية (كذا).
ولماذا نذهب إلى تلك المجلات فهذه مجلة (الآباء الكرمليين) وحدها أكبر دليل على صحة مذهبنا فيه وما يعمله من درس المباحث والعناوين وحسبنا أن
نكتفي بالتلميح إلى هذه الأمور تاركين التوسع إلى فرصة أخرى.
وأما أنه خدم الأدب العربي فأني لا أعرف أحداً يستطيع أن يخدم الأدب وأستحق عليه التكريم. إلا الأديب المتبحر لمعرفة أسراره وتحليل مزاج الأمة العربية وبحث ادواها (كذا) وفحص روحياتها. والكرملي وأن حذق بعض الألفاظ ووعى بعض التراكيب فأنه غريب عن فهم معاني الأدب وهو فقير إلى طرق التفكير في مناحي الأدباء ومعرفة مذاهبهم وأغراضهم وتتبع أحوالهم وخصائهم (كذا).
وما ظلم الأدب قديمه وجديده إلا الشيخ الزهاوي (كذا) وحملة رباعيته ودعاة قريضه المفلوج فقد اسمعونا أنهم يكرمون الأدب في العلامة الكرملي!! وما كنت أعلم أن الأدب خلع مذخرة في حقائب الفيلسوف! يكسوها للعراة الحفاة متى شاء وما كنت أظن أن الزهاوي الذي يستقل لنفسه لقب الأديب ويأنف أن يشاركه فيه غيره - وإن كان من أعظم الأركان والأساطين - يندفع للتهكم على الأدب فيصف به الكرملي، ويسخر على الأدباء فيخلع على صديقه في حفلة اليوبيل شعارهم وشعارهم لا يخلع على الجامدين، ولا نعلم لماذا يسف الفيلسوف إلى هذه المقاصد وما هي الغاية من هذا المهرجان؟
لقد خاب الأمل بالزهاوي فيا ضيعة الرجاء وعقيدتي وهي عقيدة جمهرة الأدباء (كذا) أن
الزهاوي الذي أقدم على تلفيق حفلة اليوبيل متوسلاً في ذلك بألف وسيلة وألف شفيع قد سجل له في أخريات حياته مثلبة ليس لها نظير بين المثالب المحفوظة في التاريخ وكنت حريصاً أن لا تمس شيخوخته المتوجة بالظرف وأن لا يكون أحدوثة غير حسنة للأجيال المقبلة.
حقا أن الحفلة كانت موقرة ولكن من هو المحتفل به؟ ومن هي تلك اللجنة التي اقترحت هذا التكريم؟ وإذا استنكرنا هذه الحفلة فإنما نستنكر المبالغة والفضول واصطناع المجاملة، وإذا قرعنا أحد فلا نقرع غير الزهاوي المخدوع.
فالحفلة تاريخية والتاريخ سيحفظها كما حفظ غيرها، ولكنها لم تكن للعراق والعراق برئ من هذه الأخلاق الضعيفة والشعور الركيك وكنا نريد أن يقدم هؤلاء وعلى رأسهم فيلسوف العرب!! على تكريم العلم والأدب في غير الأب الكرملي وفي آباء عراقيين وأبناء وطنيين لهم أثر في خدمة العرب والعراق ولو كان الأب الكرملي متحليا بتلك الفضيلة لما أنكرنا تكريمه على أيدي هؤلاء وأيدي غيرهم فهل خلت هذه البلاد من أشخاص يستحقون التكريم؟
أما وقد تم للزهاوي ما دبرته الدسائس وما خبأته الحيل والمكايد فأنه لا يبالي بالتأنيب والتبكيت ولا يهتم بغضب الأدب الموتور. وماذا يضره من ذلك؟ ولماذا يهتم بسخط الفضيلة؟ وقد ألقى قصيدته وهي كل ما أعده منذ أمد بعيد - مسلما فيها على المستشرقين محبباً عطفهم على سلائل العرب؟ مشجعا صديقه الكرملي على المضي في سبيل الدعوة وطرق التبشير إلى غير ذلك مما يقتضيه الإيمان بالوطن والشعور بالواجب والقيام بما تفرضه كرامة العلم والعلماء، ويعجبك من الأستاذ أن يطري نفسه ويمدح شعره ويذكر جهاده وجهوده وحريته
وتجديده.
ومما يغضب العرب ويقض مضاجع العلماء والأدباء والشعراء وقوف سكرتير لجنة اليوبيل يعدد مزايا الكرملي ويذكر فضله العظيم على لغة الفرقان والانكى من ذلك أن يقابل بين الزهاوي والكرملي وبين الشريف الرضي وأبي إسحاق الصابئ غير مدرك ما في هذه المقارنة من الشذوذ والخروج على الأدب الصحيح، فهل كان الزهاوي مشبها شاعر قريش؟ وأية نسبة بينه وبين نقيب الطالبيين الذي أجمع الأكثرون على أنه أشعر قريش
وحسبكم علو كعبه في الشعر والأدب ويكفيكم أنه ما ضم شاعر بين جنبيه نفسا مثل ما ضم الرضي الذي قصر أكابر الشعراء عن اللحاق به وإدراك شأوه ومجاراته في شاعريته العظيمة، أما غيره فأنه ذرة في الهباء وفقاعة على وجه الماء.
ويضحكني أنه حاول التشبيه بين شيخ الكتاب والمترسلين أبي إسحاق وبين الأب الكرملي على بعد ما بينهما من أوجه الشبه والتقريب، فما رأيت ولن يرى الناس محاولة أسخف من هذه المحاولة وتخرصا أقبح من هذا التخرص، وهذا دليل آخر على نقص في التربية والغذاء (كذا) في الأخلاق وجهل بضروب المقايسة والتمثيل، ونحن لا ندري كيف يتحقق الشبه بين الصابئ والكرملي
فهل كانا متشابهين في الخلق والطباع في العلم والأدب، فهل كان الكرملي يحفظ القرآن ويقتبس من آيه كما كان أبو اسحق، وهل صام رمضان مع المسلمين كما صامه أبو إسحاق متأدبا بالآداب الإسلامية متحلياً بأخلاق علماء العربية إلى غير ذلك من الخلال الطيبة والصفات الحميدة أو ليس ظلما أن يقال إن أنستاس كالصابي جد أبي الحسن هلال صاحب التاريخ.
لنترك ناحية الأخلاق والطباع فلا ينقص الكرملي إنه لم يقتد بالصابي وإن كان قدوة حسنة، ولنأتي (كذا) إلى الناحية الثانية من نواحي القياس، فقد ترك أبو اسحق طائفة من الكتب النافعة لم يترك مثلها أحد وحسبنا أن نأخذ من كتب كل منهما مثالين دلالة على أثر الفضل ومبلغ الثقافة والعلم في كل منهما. لقد ذكروا للكرملي ثلاثين مؤلفا في اللغة والأدب والتاريخ واللاهوت أشهرها كتاب الفوز بالمراد في تاريخ بغداد وكتاب تاريخ العراق، أما الأول فهو رسالة صغيرة جمعها من هنا وهناك (كذا) كما تجمع الأخبار النافية (كذا) والقصص الباهتة (كذا)، ولو وقع هذا التاريخ المنقوص بين يدي غريب من غرباء الأقطار النائية والأمصار البعيدة لم يعرف منزلة بغداد التاريخية في العصور الذهبية لما ظن عاصمة الخلافة وقاعدة الحضارة والثقافة إلا قرية محقرة من قرى العراق، ولو توفر لأحد صغار الطلاب
ما توفر له من المأخذ (كذا) والمصادر والوثائق والمستندات لاستطلاع أن يخرج للناس كتابا شيقاً في تاريخ هذه الحاضرة الإسلامية ومؤلفاً ممتعاً مما لا يستطيع المحتفل به أن يؤلف مثله ولو انفق مثل سنين اليوبيل!!
ومع كل هذه الحقايق (كذا) يقف (بطي) مكشوف الرأس يسمي آثار الكرملي واحدا بعد
واحد ويعد هذه الرسالة من آثاره الخالدة (كذا. ومتى قال ذلك؟).
وأما كتابه الآخر وهو تاريخ العراق فحدث عن الخبط والخلط والحشو والفضول وإذا أرتم أن تعرفوا قيمة هذا الكتاب فاذكروا أن مؤلفه الكرملي واذكروا أن السلطة العسكرية المحتلة هي التي كانت كلفت صاحب اليوبيل كتابة هذا التاريخ الجليل واذكروا أن الميجر بومن ناظر المعارف في ذلك العهد القريب هو المقترح على العلامة الكرملي وضع كتاب على هذا الغرار خدمة للعرب والإسلام!! وحرصا على مآثر الخلفاء في هذه الديار!! وهكذا كان الأمر وعلى هذه الصورة نجز هذا السفر الجليل طبق رغبة الدساسين.
هذه هي أهم آثار الكرملي (كذا) وهذه هي التي أهابت بالأستاذ الزهاوي أن يقول في تكريمه:
حفلنا بأستاذ تبحر باللغى
…
ولا سيما الفصحى سليلة يعرب
وأن أنستاسا هو السند الذي
…
همى علمه للظامئين كصيب
ترهب يرعى العلم خمسين حجة
…
فأكرم به من عالم مترهب
إلى آخر الأبيات التي أنشدها في الحفلة بل إلى نهاية القصيدة الركيكة (كذا) التي لا يحضرني وصف اصف به ركاكتها أبلغ من أنها قصيدة الأستاذ الزهاوي (كذا).
وإليك مثالين من أمثلة أبي اسحق الصابي فهما يكفيانك مشقة البحث في آثاره وعناء الوقوف على كل أفكاره فالأول رسائله المعروفة برسائل الصابي، كتبها لما تقلد (ديوان الرسائل) سنة 349 وهي من أمتع الرسائل وأكثرها فائدة
وأغزرها مادة لا يستغني عنها أبلغ المنشئين وأحذق الكتاب وهي مقسمة إلى أبواب في المراسلات والشفاعات والمكاتبات وما أنفذ إلى العمال والمتصرفين والنواحي وفيها كثير من الرسائل الودية فضلا عن المخابرات السياسية والتقاليد الرسمية والمناشير ونحوها وفيها من الفوائد التاريخية والاجتماعية ما يحتاج إليها الأدباء والحكام والولاة والرؤساء.
والمثال الثاني (منشئات الصابي) وهي خزانة أدب وتاريخ وسياسة ومن أبلغ ما كتب في ذلك العصر تشتمل على مراسلات كتبها على لسان ولاة الأمر في عصره من ملوك آل بويه والخلفاء وغيرهم وهي كالمخابرات الرسمية في وصف الوقائع الحربية أو غيرها منها رسالة كتبها إلى ركن الدولة سنة 364 شرح فيها فتح بغداد وانهزام الأتراك منها
ووصف الخلاف، ورسالة على لسان عز الدولة إلى عضد الدولة جواب كتاب بفتح جبال (القفص) بين فارس وكرمان، وقهر البلوص (جيل من الأكراد)(كذا. والرجل يدعي الوقوف على التاريخ مع أن البلوص جيل كالأكراد وليسوا منهم) ورسائل أخرى عن حروب بين البويهيين والحمدانيين وغيرهم وكلها تشتمل على حقائق تاريخية رسمية تفسير بعض ما ألتبس في تاريخ ذلك العصر ومنها صورة عهود أو تقليدات رسمية للولاة والعمال والقضاة صادرة من الخليفة كالعهد الذي قلده الطايع (كذا) لله العباسي أبا الحسن علي بن ركن الدولة على الصلات وأعمال الحرب وفيه أمور مهمة عن السياسة والإدارة والاجتماع مما لا أيتيسر الوقوف عليه في كتب التاريخ ونسخة عهد إلى قاضي القضاة وغيرها إلى القواد والفقهاء وأمراء الحج ومنشورات بعثت
إلى الأهلين أو العمال أو القرامطة فضلا عن رسائل خصوصية كتبها الصابي إلى أصدقائه.
تلك هي أمثلة الاثنين وذلك هو الكرملي وهذا هو الصابي فأيهما العلامة يا مدير المطبوعات؟ وأيهما خدم العلم والأدب يا فيلسوف العراق؟ وأيهما المثقف والمهذب يا بطي؟ لقد ظلمتم الصابي بهذا القياس وظلمتم هذه البلاد.
وبعد ذلك وقف وزير المعارف توفيق السويدي فتكلف أن يخطب في تكريم الكرملي وما الجأه إلى ذلك - على ما أظن إلا كونه وزير معارف فقط!! فمقالة (كلدة) المنشورة في مجلة الهلال هي التي جعلت وزير معارفنا يشهد بفضل الأب أنستاس وهي شهادة عن الوزير!! أليس كذلك؟
ولا بد لي هنا من الاستفهام عن الأسباب التي قلبت شكل الحفلة وصيرتها نصف رسمية - إن لم تكن رسمية - وصبغتها بصبغة سياسية وإلا فلماذا تقام في دار رئيس الوزراء وبإشراف وزير المعارف؟.
أما السبب الذي نعرفه - وهو غير تلك الأسباب السياسية - فأنه مكشوف فلولا إقامتها في دار فخامة الرئيس لحبطت كل المساعي المبذولة في سبيل هذا التكريم ومع ذلك فقد قوطعت من قبل كثير من الأدباء والمفكرين وقوبلت بالاستهجان وعدت من قبيل التطويح بالأدب والإهانة للأدباء.
ومن دواعي الفرح أن كثيرا ممن حضروا الحفلة كانوا متفرجين على هذه الرواية حائرين
في تفسير العوامل التي أهابت بتمثيلها على هذا الشكل ولا يسعني إلا أقول إن حفلة اليوبيل أحجية من يفسرها للعراق؟
ابن زريق (؟ كذا)
يوبيل العلامة الكرملي
(عيد اللغة والأدب)
(عن جريدة وادي النيل في مصر 25 أكتوبر 1928)
يعد الكرملي عن جدارة إمام أئمة العربية في هذا العصر لا لتبحره في علوم اللغة فقط تبحرا منقطع النظير يذكرنا بعهد الإمام الشنقيطي بل لمواهب أخرى فذة. فالرجل راهب متقشف كريم النفس مفروض فيه أنه وهب نفسه للدين ولكن الواقع أنه مفتون فتنة كبرى بعلوم اللغة التي خدمها نصف قرن أجل خدمة وكون بطريقته ونهجه مثلا أعلى لأهل اللغة المحدثين. فهو لم يقصر على استيعاب القديم بل تضلع من لغات شتى غربية وشرقية تضلعا عجيبا. وتذوقها تذوق رجل فنان يستوحي أسرارها. ولهذا السبب تجد فتاويه اللغوية - سواء وافقتها أنت أم خالفتها - دليلاً ناصعاً على تعمقه الكبير في اللغة والأدب بل في لغات وآداب شتى. ومثالا جميلا للأسلوب العلمي النزيه في البحث. وإلى جانب هذا نجد الكرملي ذا شجاعة أدبية نادرة في الشرق العربي على الأخص حيث يؤدي الاستقلال الفكري إلى إيجاد الخصوم الأدعياء ولكن الكرملي لم يكن يبالي بشيء من ذلك في سبيل إعلان ما يعتقده. ويتسع صدره لكل ما يقال أو يكتب
ضده من أهل الطوائف والعصبيات الذين يحاربون العلم والنهضة بسلاح الدين أو بسلاح الجمود. وبذلك أكتسب الكرملي احتراماً لطهارة ذمته ورجاحة ذهنه الذي لا يتأثر بشهرة أو صداقة أو قرابة في الحكم على أي عمل أدبي ينقده.
ومن أجل هذا نال الرجل احترام الجامعات والمعاهد اللغوية في الغرب وغبط العالم العربي عليه العلماء المستشرقون. وكان ولا يزال يعد الحجة الكبرى في النقد اللغوي الأدبي - ونقول الأدبي لأن للرجل أسلوباً سهلاً صافياً وذوقاً أدبيا ممتازا بخلاف كثيرين ممن اشتغلوا بعلوم اللغة فتحجر أسلوبهم وأذواقهم معا وأصبحوا عاجزين عن النقد الأدبي
الصحيح فلم يخدموا الأدب السامي ولا الثقافة العصرية بل كانوا عقبة في طريقها.
هذا هو العلامة الجليل الأب أنستاس ماري الكرملي الذي أحتفل بيوبيله في عاصمة العباسيين في السابع من أكتوبر الجاري احتفالا شائقا بمنزل فخامة رئيس الوزراء محسن بك السعدون وبإشراف وزير المعارف العراقية معالي توفيق بك السويدي وبحضور صفوة أهل العلم والبيان في بغداد ونخبة رجال العراق من وزراء وأعيان ونواب وعلماء وأدباء ووجهاء وصحفيين وكان فخامة رئيس الوزراء يرحب بالقادمين. وقد أفتتح الشاعر الفيلسوف الكبير الأستاذ الزهاوي الحفلة بخطبة وجيزة مناسبة وخطب بعده سكرتير لجنة الاحتفال الأديب المعروف الأستاذ أحمد أفندي حامد الصراف مدير المطبوعات خطبة بليغة ثم تلا ما جاء من المستشرقين من عواصم الغرب في تهنئة الأستاذ الكرملي. ومن مصر وسورية وإيران وغيرها من الأقطار الشرقية من برقيات ورسائل وقصائد عربية وفارسية ومن جملتها قصائد الشعراء المصريين الأساتذة أحمد محرم والدكتور أبي شادي ومحمد الأسمر ورسالة الأستاذ الكاتب المجدد أحمد الشايب ثم تلا الأستاذ الزهاوي رسالة المجمع العلمي العربي بدمشق في تهنئة الأب الكرملي وإطرائه - تلاها بالوكالة عن المجمع بصفته عضوا فيه. ثم قام الصحفي الأديب الأستاذ رفائيل أفندي بطي وقرأ ترجمة المحتفل به ترجمة مفصلة أجاد فيها. ثم قام الأستاذ الزهاوي وأنشد قصيدته العامرة. وأثره أرتجل الأستاذ الصحفي القدير إبراهيم أفندي حلمي خطبة بليغة نفيسة. وكانت الحفلة شائقة فريدة في بابها
وكان التصفيق عجاجا. وفي الختام خطب الأستاذ الكرملي خطبة وجيزة بليغة دلت على سلامة ذوقه ومراعاته الجميلة لمقتضى الحال فقوبلت بإعجاب وافر.
و (وادي النيل) يكرر تهنئته لفضيلة المحتفل به وللعراق الشقيق شعبا وحكومة بهذا العيد - عيد اللغة والأدب - ويحمد للحكومة العراقية اشتراكها النبيل في هذا الحفل الجليل. ويرجو أن يتبع في التقدير العملي الصحيح بإخراج بقية آثار هذا العالم الكبير إلى عالم المطبوعات لأن مثل الكرملي ملك للعالم العربي بأسره بل للعلم أين كان وقدر لا للعراق وحده.
حفلة تكريم الكرملي
عن مجلة (النديم) المصرية في عددها ال 23 من السنة الأولى
العلامة الأب أنستاس الكرملي من زعماء الأدب العربي في هذا العصر وهو مشهور بأبحاثه اللغوية التي انتشرت في معظم مجلات الشرق والغرب منذ خمسين عاما ولا يزال دؤوبا على أبحاثه ويصدر مجلته لغة العرب الذائعة الصيت من دون كلل ولا ملل ومن غرائب الاتفاق أن العراق ولبنان تبادلا قطبين من أقطاب اللغة في منتصف القرن الماضي فأن الأب لويس شيخو العلامة المشهور هو من سلالة عراقية أما الأب أنستاس الكرملي فهو من سلالة لبنانية وقد شاءت الظروف والمقادير أن يرأس الكرملي نهضة العراق اللغوية، ويقوم شيخو بنصيبه من الخدمة العلمية والأدبية في لبنان! ولكن شتان بين الرجلين فالأول لغوي يغار على لغة القرآن غير صحيحة ولا شائبة فيها ولا مغمزا منقباً على الأسانيد التاريخية ذائدا عن حياضها ومنابعها الصافية؛ أما الأب شيخو فكان يتخذ العلم والأدب وسيلة لبث دعايته الدينية. ولا أدل على الفرق البارز بين الرجلين من أن الأب أنستاس فند أشد تفنيد كتاب شعراء النصرانية وكتب مقالات شائقة أظهر فيها خطأ الأب لويس شيخو ونقد افتئاته على الحقيقة والتاريخ وكان في جملة ما قاله أن العجز عن تنصير الأحياء حدا بالأب شيخو إلى تنصير الأموات وحقا أن رجلاً كهذا حريصاً على اللغة والأدب وحقائق التاريخ لا يمكن أن تجهل بلاده مكانته أو يتناسى قومه خدمه فقد تألفت لجنة من خيرة أدباء العراق برئاسة الأستاذ الكبير جميل صدقي أفندي الزهاوي لإقامة حفلة أنيقة لمناسبة يوبيله الذهبي تعرب فيه العصبة الأدبية في
العراق عن تقديرها لجهوده العلمية وإعجابها بما قدمه إلى لغة الضاد من جليل المآثر ومما جعل لهذه الحفلة أهمية كبرى هو أن فخامة السعدون بك رئيس الوزراء رضي أن تقام في قصره الفخم كما أن معالي توفيق بك السويدي رضي أن يشملها بأشرافه بصفته وزيرا للمعارف ولقد كانت الحفلة على جانب كبير من الأبهة والعظمة إذ أشترك معظم الوزراء وأكابر رجال الدولة وأقطاب الإنكليز وجمهرة صالحة من أدباء العراق الكبار وخطب فيها كل من الفاضل أحمد حامد الصراف مدير المطبوعات بصفته سكرتيرا للجنة الاحتفال وألقى رفائيل أفندي بطي خطبة ممتعة عن حياة المحتفل به وأعماله في خدمة اللغة وألقى الأستاذ الزهاوي قصيدة عصماء من قصائده المحجلة وارتجل الأستاذ السويدي بك وزير المعارف خطبة شكر لما شهده من عطف بني وطنه عليه ثم الأستاذ إبراهيم حلمي العمر خطبة ارتجالية قيمة،
وهكذا أثبت العراق أنه يقدر العلم حق قدره ويكرمه في أشخاص أقطابه ورجاله وبرهن أن العلم لا يعرف دينا ولا مذهبا وأن جميع أبناء العراق على اختلاف نحلهم سواسية في تشييد صرح هذه النهضة الأدبية في ديار الرشيد.
(مكاتب النديم الخاص في بغداد)
يوبيل الأستاذ الكرملي في بغداد
عن (مجلة السيدات والرجال) نقلا عن الجزء السابع من سنتها التاسعة
احتفل في هذا الشهر أدباء بغداد وأعيانها وأهل الفضل فيها برئاسة شاعرهم الحكيم الكبير جميل أفندي صدقي الزهاوي احتفالاً شائقا بيوبيل العلامة اللغوي الأب أنستاس ماري الراهب الكرملي منشئ مجلة لغة العرب ومؤلف المعجم اللغوي المقارن بين الألفاظ العربية والرومانية واليونانية والمعلل أصولها. ولحضرة الأب الجليل ضلاعة في اللغة نادرة المثال فضلا عن براعته في اللغتين اليونانية واللاتينية وأهم اللغات الأوربية الحديثة فضلا عن اللغات الشرقية القديمة. وقد خدم اللغة العربية والنهضة الشرقية خدما يستحق لأجلها هذا التكريم وأعظم منه. فنهنئ الأب المحترم بما ناله من حفاوة قومه ونهنئ العراق بوجوده فيه ونشترك معه بتكريمه.
يوبيل الكرملي
عنها أيضاً في الجزء التاسع من السنة المذكورة
نوهنا في عدد سابق بهذا اليوبيل كأنه حدث قرأنا عنه في إحدى الصحف ثم وردت إلينا نشرة من اللجنة القائمة بالاستعداد له ففهمنا إنه لم يحدث بعد بل أن شاعر العرب الكبير جميل صدقي الزهاوي أفندي نشر في الصحف دعوة يحث بها أهل الأدب والفضل على إقامة احتفال كبير بيوبيل العلامة الشهير اللغوي الأب المحترم انستاس ماري الكرملي صاحب مجلة (لغة العرب) في بغداد فلبى نداءه عدد من الكرام الذين يعرفون قدر الأب وانتخبوا لجنة للاهتمام بهذا الاحتفال الذي تعين موعده 16 أيلول (سبتمبر) فنحن نهنئ الأب الجليل بما لقيه من عناية الفضلاء والعظماء بيوبيله الذي يتوقع أن يكون حافلا أنيقا لائقا بعلم الأب وفضله وخدمته للشرق.
الأب انستاس ماري الكرملي
نقلاً عن مجلة (فتاة الشرق) في جزئها الأول لسنتها الثالثة والعشرين
هو العالم العلامة واللغوي المدقق صاحب (مجلة لغة العرب) قضى خمسين عاماً من حياته باحثا منقبا متوخيا تهذيب اللغة العربية من ادران الشطط عاملا على ضبط ألفاظها فيما يتفق مع أصول قواعدها ويقبله الذوق السليم وقد انتشرت انتقاداته اللغوية في العالم العربي انتشاراً جعل كل ناطق بالضاد يعرف قدره العلمي، ويعترف بمنزلته السامية في عالم الأدب.
ورأى أدباء العراق أن الواجب يدعوهم إلى تكريم مواطنهم النابغة اعترافاً بفضله العظيم فتألفت لجنة في بغداد برئاسة الشاعر الكبير جميل أفندي صدقي الزهاوي لتنظيم حفلة شائقة دعوا إليها رجال العلم والأدب من جميع الأقطار العربية ليشتركوا معهم في تكريم الأب الفاضل.
وسنأتي على وصف الحفلة في عدد قادم، مرددين مع سائر المحتفلين آيات الثناء على صاحب اليوبيل سائلين المولى أن يمد بأيامه ويقويه على خدمة لغتنا التي هي في أشد حاجة لأمثاله.
اليوبيلات
عن مجلة (المورد الصافي) في جزئها الثالث من السنة الثالثة عشرة
. . . ومنها يوبيل العلامة الأستاذ الأب أنستاس ماري الكرملي - فإنه خدم اللغة العربية خمسين عاماً. فرأى فضلاء العراق أن الواجب يدعوهم إلى تكريمه وتعينت لجنة لذلك برئاسة العلامة الشاعر جميل صدقي الزهاوي لإقامة الحفلة في 16 أيلول القادم فأذاع منشوراً يطلب فيه إرسال ما تجود قرائح الأدباء في صاحب اليوبيل.
حفلة تكريمية فخمة
عن (نشرة الأحد) من الجزء 21 من سنتها السابعة
في السابع من هذا الشهر (ت1 - أكتوبر) - وكان يوم الأحد - اجتمعت في دار فخامة رئيس الوزراء عبد المحسن بك السعدون في الساعة الرابعة زوالية نخبة من وزراء بغداد
ونوابها وعلمائها وأدبائها للاحتفال بيوبيل حضرة الأستاذ اللغوي الأب انستاس ماري الكرملي وحضر هذا الاحتفال الشائق من الرؤساء الروحانيين حضرة الأب غريغوار رئيس الرسالة الكرملية وحضرة المنسنيور عبد الأحد جرجي بالنيابة عن سيادة المطران جرجس دلال وبالأصالة عن نفسه وحضرة الأب نرسيس صائغيان النائب البطريركي. وهيأت هذا الاحتفال المنقطع النظير لجنة شريفة الأعضاء رئيسها شاعر العرب وفيلسوف الأستاذ جميل صدقي أفندي الزهاوي.
ولما تم عقد الجمع أفتتح الاحتفال الأستاذ الزهاوي رئيس لجنة اليوبيل بكلمة ترحيب بالقوم الكرام الذين لبوا دعوته تكريماً للعلم في العالم المحتفى به ثم عقبه أحمد حامد أفندي الصراف كتوم (سكرتير) اللجنة ومدير المطبوعات فتلا بيانا طويلاً ختمه بقراءة كل ما بلغ اللجنة من جميع أنحاء العالم شرقاً وغرباً من التقاريظ والتهانئ لحضرة الأب صاحب اليوبيل ومن الاستحسان لفكرة هذا اليوبيل وقام بعده الأستاذ الزهاوي واسمعنا كلمة أخرى في مديح الأب الأستاذ وردت من المجمع العلمي بدمشق ثم تلاه الشاب الأديب والمكاتب التحرير رفائيل
أفندي بطي وسرد لنا في خطاب وجيز فصيح ترجمة المحتفل به، وهب تلوه من كرسيه حضرة الأستاذ الزهاوي شاعر العرب وعندليب العراق وأنشد قصيدة عصماء اهتزت لها الألباب طربا وارتياحا لما جمعت من المعاني الجليلة والمباني البليغة والمبادئ القويمة بحيث أنه اضطر إلى إعادة بعض أبياتها دفعتين أجابه للمعجبين بكلامه والصارخين إليه (أعد أعد) ثم خطب صاحب المعالي توفيق بك السويدي العباسي خطابا شرح فيه فضل الأب أنستاس على اللغة العربية بدقيق أبحاثه.
وختم هذا الاحتفال حضرة الأب صاحب اليوبيل المحترم بكلمة شكر وتواضع وجهها إلى جماعة الحاضرين فأحببنا أن نزفها بنصها إلى قراء نشرتنا الكرام في آخر مقالنا هذا.
ولي أنا محرر هذه الوضيعة كلمة أقولها في شكر حضرة الأب أنستاس ماري الكرملي المحترم في فرصة يوبيله الذهبي الميمون على ما له علي أيضاً وعلى نشرتي خاصة من الأيادي البيضاء إذ أنه لا يزال يحور بدون ملل وكلال كتاباتي كافة وينزهها بل يعصمها على قدر الإمكان من الأغلاط النحوية واللغوية ويزيح لي الستار عن أغلاط الكتب والكتبة بل عن أغلاط المعاجم عينها. وكل مرة قصدته في حاجة رأيته يرحب بي كل الترحيب
تاركاً أشغاله الخاصة ليتفرغ لأشغالي الشاقة التي كثيراً ما أتعبته بكثرة التنقيب والتدقيق والتفتيش إذ لا يريد أن ينص نصاً إلا يتأكد صحته ويتحقق متانته فأضم إذن اليوم صوتي إلى أصوات جميع المقرظين إياه شرقاً وغرباً لأهنئه معهم بما حصل عليه بجده الحثيث واجتهاده الطويل من وسيع المعارف في آداب اللغة العربية ودقائق معانيها وفصيح مبانيها.
حفظه المولى وأطال أيامه فخراً للنصرانية وإعلاء لشأن اللغة العربية التي أغرم بحبها واكب على درسها منذ نعومة أظفاره فرفعت منزلته وأذاعت صيته في الخافقين وخلدت اسمه في الصحائف والمجلات وإلينا كلامه بعينه شاهداً صادقاً على صحة قولنا:. . .
يوبيلات!!
عن جريدة (الشورى) الصادرة في 20 آب (أوغسطس) 1928
كل عوائد الغرب اللطيفة أصابها المسخ منذ وصلت إلينا، ومن ذلك الاحتفال بالأعياد الخمسينية للعلماء.
نفهم أن يحتفل العالم العربي بمرور خمسين سنة على وجود مجلة المقتطف ونفهم أن يحتفل كذلك بالأستاذين عبد الله أفندي البستاني وجبر أفندي ضومط. ولكن لا نستطيع أن نفهم قيام الأستاذ الزهاوي وبعض الذين لا يكاد يعرفهم أحد نشر الدعوة للاحتفال بانستاس الكرملي في بغداد!!
ماذا صنع الكرملي للعلم العربي واللغة العربية غير التشويه ودس الألفاظ الملفقة وانتقاص علماء العصر واحداً بعد واحد؟ (كذا بحرفه)
إذا لم يجمع أهل المرء وسكان وطنه على أنه يستحق التكريم فهو بلا شك لا يستحق التكريم وما رأيناه دعوة صادفت أعراض الجمهور كدعوة الأستاذ الزهاوي هذه (كذا). ومن شاء أن يتبين الخبر فما عليه إلا مطالعة صحف بغداد. فأي تكريم عمرك الله يوم في بلد لا تعضده الصحف المحلية؟ (كذا)
ليت الأستاذ الزهاوي يلم نفسه ولا يعرض اسمه المحترم للقيل والقال، وإلا فهذه صحف بغداد أخذت تتهمه بأنه يريد بهذه الحفلة للكرملي أن يقوم هذا فيدعو إلى حفلة مثلها للزهاوي!! فهل يعجب الأستاذ الزهاوي هذا الصيت اللطيف؟!
عدول الأستاذ الزهاوي عن تكريم الكرملي
عنها أيضاً في عددها الصادر في 11 أكتوبر 1928
ذكرت صحف العراق أن الأستاذ الزهاوي عدل في آخر لحظة عن رياسة حفلة التكريم هذه التي كنا وجهنا إليه أشد اللوم من أجلها.
وتقول العالم العربي الغراء أن رئيس وزارة العراق أقام الحفلة في داره.
أما نحن فنعتقد أن الوزير لم يقم بهذا إلا لاعتبارات ظنها صحيحة، ومنها
منع بعض الألسنة من القول أن في الموضوع شيء (كذا) من التعصب الديني! وهو اعتبار غير وجيه لأن العالم العربي كله أشترك في تكريم المقتطف والبستاني وضومط حتى في تكريم الأب شيخو.
يوبيل الأستاذ الكرملي
عن جريدة (الأوقات البغدادية) الصادرة في 8 تشرين الأول 1928
أحتفل عصر أمس في دار صاحب الفخامة السر عبد المحسن بك السعدون بيوبيل الأستاذ الأب أنستاس ماري الكرملي الذهبي بمناسبة مرور خمسين حجة على خدماته المتوالية للغة العربية. وحضر الحفلة أكثر من مائة من أعيان العراق وسراته بينهم أصحاب الفخامة والمعالي الوزراء الحاليين والسابقين والأسبقين والعلماء الفضلاء والأعيان والنواب وكبار موظفي الحكومة.
وأفتتح الحفلة شاعر الفلاسفة الأستاذ جميل صدقي أفندي الزهاوي عضو مجلس الأعيان، بكلمة شكر بها الحاضرين تكرمهم بالحضور. وتكلم بعده حضرة الأديب الفاضل أحمد حامد أفندي الصراف مدير المطبوعات معددا رسائل التهنئة والتقدير الواردة على لجنة اليوبيل. وأعقبه حضرة الأديب الفاضل رفائيل أفندي بطي فألقى خطبة ممتعة للغاية عدد بها مآثر الأستاذ الكرملي. ثم تلا حضرة الأستاذ الزهاوي رسالة تهنئة وتقدير من حضرة الأستاذ رئيس المجمع العلمي بدمشق.
وألقى الأستاذ الزهاوي أيضاً قصيدة عصماء استعيدت تلاوة بعض أبياتها بين الهتاف والإعجاب ثم وقف صاحب المعالي توفيق بك السويدي العباسي وزير المعارف فأطنب في مدح المحتفل به ومدح خدماته للغة العربية داعياً له بطول العمر.
ورد حضرة الأستاذ الكرملي على حضرات الخطباء فأشاد بفضل حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم بعنايته بالعلم وتكرمه بتشجيع العلماء شأن الملوك المصلحين العظام، وشكر لفخامة السعدون بك والأستاذ الزهاوي وحضرات أعضاء لجنة اليوبيل تكرمهم بإقامة يوبيله، كما شكر حضرات الجهابذة المستشرقين والمستعربين الذين بعثوا إلى اللجنة برسائل التهنئة والتقدير وقال في تواضع أنه لا يستحق كل هذا التقدير من المحتفلين به.
ثم ألقى الأديب الفاضل إبراهيم أفندي العمر كلمة ارتجالية تناسب المقام
أثنى فيها الثناء المستطاب على فخامة السعدون والأستاذ الكرملي والأستاذ الزهاوي وكان ذلك مسك الختام فأنصرف الأستاذ الكرملي شاكراً لفخامة السعدون تخصيصه داره العامرة لإقامة الحفلة فيها. وأنصرف بعده باقي المدعوين متحدثين بأناقة الحفلة وحسن ترتيبها ووفرة عدد الأفاضل الذين حضروها وكرم فخامة السعدون وتقدير الأستاذ الزهاوي وأنصاره الفضلاء للمساعي القيمة التي بذلها حضرة الأب الورع المحتفل به ولا يزال يبذلها لترقية اللغة العربية.
وأنا بدورها نهنئ حضرة الأستاذ الكرملي المفضال بيوبيله الذهبي داعين له بطول العمر. ونقدر لفخامة السعدون ولحضرة العين الأستاذ الزهاوي وحضرات أعضاء لجنة اليوبيل ولمعالي وزير المعارف الهمام سعيهم المحمود لإقامة هذه الحفلة الشائقة. ولولا ضيق نطاق القسم العربي من جريدتنا لوفينا الحفلة حقها من الشرح المسهب.
تكريم العلم
نقلاً عما نشر في صدر جريدة (العالم العربي) البارزة في 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1928 وهو من كلام (المتفرج)
1 -
كفارة
عيب، وأيم الحق، كبير أن يقام في جامعة أوكسفورد مؤتمر عام للبحث في الأمور الشرقية المختصة بالآثار والعادات والتواريخ والآداب والعلوم والفنون. . . وأن يشترك في المؤتمر 700 مستشرق من جميع الشعوب والأجناس والنحل، وأن يكون في جملتهم ترك ومغربيون ومصريون وسوريون ولبنانيون يمثلون بلادهم في مؤتمر (المشرقيات)، وأن لا
يكون بينهم من يمثل العراق رسما، في حين أن العراق هو معدن الآثار ومنبع العلوم والآداب والفنون والحضارة الشرقية الغابرة التي هي مدار أبحاث المؤتمر.
وقد تألم بعض المستشرقين المؤتمرين الذين يعرفون العراق لرؤياهم أن حكومته حرمته حظ الاشتراك في المؤتمر كما أنها حرمت المؤتمر الاستفادة من وجود خبراء العراقيين فيه. ولم يقدر وزير معارف سوريا وممثلها هناك أن
يتحمل ذلك إلى النهاية فطلب من الشيخ كاظم الدجيلي أن يحضر المؤتمر بصفة غير رسمية ليقال أقله أن العراق موجود وقد اشترك في مؤتمر العلماء ولو اشتراكاً غير رسمي.
فعدم اشتراك العراق اشتراكاً رسمياً في المؤتمر العلمي العام المذكور حسب خطيئة كبيرة اقترفت أمام العالم أجمع!
ولكن بينا المستشرقون وأرباب التاريخ والآداب والعلم يتحدثون في هذا وينكرون على رجال العراق إهمالهم هذا، إذا بيوبيل أحد علماء العراق قد ظهر في الميدان فاتخذته الحكومة فرصة مناسبة تكفر فيها عن خطيئتها وتحاول بهذا التكفير تصحيح ظن عالم العلم، والاشتراك في تكريم النبوغ العراقي في شخص الأستاذ الكرملي المتفاني في خدمة علم اللغة العربية.
فتسهيل أمور لجنة يوبيل الكرملي التي يرأسها الزهاوي، وإقامة الحفلة نهار الأحد في دار السعدون رئيس الوزراء تحت إشراف السويدي وزير المعارف مما يعد نوعا ما كفارة عن خطيئة إهمال أمر العراق، وشرف العراق، وسمعة العراق، ومصلحة العراق في مؤتمر اوكسفورد.
2 -
حفلة تكريم العلم
حضر حفلة يوبيل الكرملي 95 رجلاً بحيث أن الكراسي (الأنيقة) التي أعدت في صالة دار السعدون بك رئيس الوزراء، وفي البقعة الجميلة من جنينتها، قد امتلأت.
ومن الجدير بالذكر أن حضرة السيد أفنان رئيس التشريفات في وزارة الخارجية العراقية كان (يدشن) في فناء الدار - على سبيل التبرع - فنون التشريفات بثغر باسم، وناظر مرفوع وكلام حلو. أما فخامة السعدون بك فكان هو بنفسه قائما باستقبال المدعوين يعاونه حضرة مرافقه جميل روحي بك.
وكان الأستاذ الكرملي صاحب اليوبيل في صدر (الطارمة) يكتنفه الشيخان باقر الشبيبي وعلي الشرقي، والسويدي وزير المعارف والزهاوي رئيس لجنة اليوبيل وساطع الحصري، ورئيس الرهبان الكرمليين. . . ثم الوزراء (ما عدا نوري السعيد والحيدري والشيخ أحمد غنيمة فأنهم كانوا غائبين) ثم بعض رجال
الدين والعلم ثم فريق من الأعيان والنواب ورؤساء الدوائر وأرباب الصحافة وحملة الأقلام.
وفي الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وقد انتهى تقديم الدخان والشاي والحلويات وما أشبه، نهض الأستاذ الزهاوي فرحب وسر وشكر. وتلاه سكرتير لجنة اليوبيل أحمد حامد أفندي الصراف مدير المطبوعات فألقى خطبة نفيسة في الموضوع. وختمها بتلاوة بعض برقيات التهانئ والثناء الهابطة من كبار المستشرقين، وأشار أيضا إلى الرسائل والقصائد الواردة من الخارج في هذا الباب، ومن ذلك: برقيات المستشرقين كراتشكوفسكي (روسية) وكافمير (برلين) وماسنيون (فرنسة) ورسالتا كرنكو ومارجليوث (إنكلترة) وقصائد مصر للدكتور أبي شادي ومحمد الأسمر وأحمد محرم وإسماعيل صالح. وقصائد إيران، ورسائل عبد الله مخلص (حيفا) وجميل البحري صاحب الزهور، وعبد العزيز الرشيد (الكويت) والشيخ كاظم الدجيلي (لندن) والعالم عبد الله الزنجاني ومحمد مهدي العلوي وجورج يني صاحب المباحث. . .
ثم تلا الأستاذ الزهاوي رسالة العلامة عبد القادر المغربي عن المجمع العلمي بدمشق. وتلا رفائيل بطي ترجمة المحتفل به. وألقى الأستاذ الزهاوي قصيدته الكبيرة المنشورة في غير محل من هذا العدد. وكان في أثناء إنشاده يقعد ويقوم ويثور وهو في كل ذلك يتذوق حلاوة الشعر ويتحسى كأسه حسوة حسوة.
ثم فاه السويدي وزير المعارف بكلمة مدح طيبة بين فيها وجوب تكريم العلم في أشخاص ذويه، وأثنى على خدمة الكرملي للغة العربية العزيزة.
وعاد الزهاوي فشكر لرئيس الوزارة عطفه وحسن صنعه بإقامة الحفلة في داره وأثنى كذلك على وزير المعارف وجميع الذين اشتركوا في الحفلة.
وختم الحفلة الأستاذ الكرملي صاحب اليوبيل الذهبي إذ تلا بإيمان قوي وشعور حي كلمة وجيزة قال فيها كل ما يجب أن يقال. وكلمته منشورة في محل آخر من هذا العدد. وكان
مسك الختام لكل خطاب وكلام الهتاف الحار بحياة جلالة ملك العراق الساعي السعي الحثيث إلى تعزيز أسباب العلم ونشره. . .
يوبيل انستاس الكرملي
عن جريدة (الموصل) الصادرة في 15 تشرين الأول 1928
الأب انستاس الكرملي راهب بغدادي اشتغل مدة خمسين سنة في نشر لغة الضاد في البلاد العراقية والعالم المستشرق اجمع. ولد في بغداد سنة 1866 وأنكب منذ حداثته على نشر اللغة العربية بالرغم عن احتقار السلطات التركية لها. وبعد أن ترهب في فرنسة قام برحلة في بلاد الأندلس بغية الإطلاع على آثار التفوق العربي ثم عاد إلى عاصمة العباسيين وأخذ يدرس اللغة العربية ويؤلف الكتب ويدبج المقالات الممتعة في أرقى المجلات العربية باسمه الصريح أو تحت أسماء مستعارة طارقا مواضيع مبتكرة لم يبحث عنها أحد غيره وفي إبان الحرب الكبرى أحتمل الأم النفي وتضييقات السلطات التركية لولعه الزائد في نشر لغة القرآن وإحياء آثار وأمجاد العروبة.
وزار انستاس الكرملي معظم العواصم الأوربية وتفقد معاهدها التاريخية واللغوية وقد حاز على أوسمة من البلاد الإنكليزية والفرنسية وكان عضوا في مجلس معارف الحكومة العراقية التي عهدت إليه مراقبة إنشاء (جريدة العرب) ومجلة (دار السلام).
هذه نبذة وجيزة من حياة خادم العلم واللغة العربية الذي احتفل بيوبيله الذهبي في دار فخامة عبد المحسن بك السعدون رئيس الوزارة العراقية بناء على دعوة معالي العين جميل أفندي صدقي الزهاوي.
حضر حفلة اليوبيل 95 رجلا من الوزراء والأعيان والنواب ورجال الصحافة وكبار القوم في بغداد تحت إشراف معالي توفيق بك السويدي وزير المعارف وتكلم في هذه الحفلة كل من الزهاوي وأحمد حامد الصراف مدير المطبوعات ورفائيل بطي وتوفيق السويدي وإبراهيم حلمي العمر وختم الحفلة الأستاذ بكلمات التواضع العميق ناسبا الإطراء والمديح والفضل إلى أصدقائه الأجلاء أصحاب الهمم العالية البارزة الذين أقاموا له هذه الحفلة لتكريم لغة الضاد الشريفة.
يوبيل الكرملي
عن (المهذب) في العدد 131 - 132 من سنتها الرابعة
أستقر رأي لجنة الاحتفال بيوبيل العلامة الأب الكرملي على اختيار يوم الأحد الموافق 7 أكتوبر سنة 1928 في الساعة الرابعة بعد الظهر في دار فخامة رئيس الوزراء بعد أن أجابت من قبل طلب الأفاضل الغائبين عن العاصمة العراقية فأجلت الحفلة حتى انقضاء العطلة الصيفية حتى يكون الحفل أتم. . .
و (المهذب) يكرر أخلص تهانيه بهذا التقدير الحق إلى فضيلة العلامة الجليل الأب الكرملي وإلى الأمة العراقية النبيلة، بل إلى العالم العربي الذي احتفى بإخلاص بإمام اللغة الأكبر في دياره هذا الاحتفاء الجليل. . .
(ل. ع) أغفلنا مقالات كثيرين لأنها سرقت منا ولم ندرج بعض المقالات لما فيها من الإطراء الزائد عن حده وأهملنا ما لم يرد إلينا إلا بعد طبع هذا الجزء
الهدايا إلى صاحب اليوبيل
من أدباء مصر (30 جنيهاً مصريا) أو 400 ربية و8 آناتمن الفاضلة ح. ت. س40 ربيةمن أربع بغداديات60 ربيةمن ثمانية عراقيين128 ربيةمن سوريين (اثنين) 48 ربيةمن فلسطيني21 ربيةمن ثلاثة فرنسيين184 ربيةالمجموع880 ربية و8 آناتمن الخوري منصور عواد البحر صافي تآليفه: 1 - الزوجة الأمينة أمام القضاء - 2 - ماذا عمل الخوري - 3 - بسكنتا وما يجاورها - 4 - راشيا - 5 - هل من جزية على الأكليروس أو خراج؟ 6 - نقطة سوداء.
فنشكر جميع الذين احسنوا إلينا بقلمهم أو بلسانهم أو بيدهم طالبين لهم المكافأة في الدارين أضعاف الأضعاف بمنه وكرمه. وربما عدنا فأدرجنا ما وصل إلينا متأخرا