الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكلم جبر ضومط
كنا قد كتبنا مقالة في المقتطف في جزء شباط (فبراير) من هذه السنة موضوعها (أداة التعريف في التاريخ) فلم يستحسنها حضرة الأستاذ جبر ضومط فكتب رأيه في مقتطف يوليو (تموز) مبينا خطأنا في نظره، ولما وقفنا عليها وجدناها من نسيج ما حاكه في هذه السنين الثلاث من المذاهب اللغوية وبثه في مجلات سورية ومصر، أي إنه حبر مقالات ليقال عنه (تكلم الأستاذ جبر ضومط). أما أن هناك آراء مفتولة وأدلة منطقية معقولة فلا أثر له وما كنا نود أن نجيب عنها لجمودها بل قل لهمودها: إذ إنها واهية الأركان من جهاتها الأربع لولا إن أحد الأعزاء علينا ألح على أن نقول كلامنا الأخير في صدد ما يكتبه حضرة (خصمنا) فنقول:
إن صديقنا لا يكتب ما يكتب توخيا للحقيقة، بل يحبر مقالاته ليقال عنه (تكلم) ولا يهمه أن يكون ذيالك الكلام صحيحا أو خطأ، إذ غايته الكلام لا غير كما قلنا آنفا.
وأول شيء نأخذه عليه إنه لم يهتد حتى الآن إلى كتابة اسمنا الذي هو انستاس لا (انسطاس) لأننا هكذا اخترنا أن يكون لا غيره كما اختاره هو
2 -
لا يرى في كلامنا (بلاغة) ولم نفهم ما يريد بهذه الكلمة والعاقل لا ينطق بكلمة إلا يؤيدها بالدليل. وكلامه هذا بلا دليل.
3 -
من غريب ما كتبه في رده هذا إنه لم يفهم معنى (الخصم) فقد ظن إن معناه (العدو) ولهذا قال:
(ولكننا ننكر عليه أن يحسب من يناقشه آراءه خصما له. نعم إن بعض من يردون علينا أقوالنا يردونها لأنهم أخصامنا ولكن بعضهم قد يكونون من أحب أحبائنا وأخلص أصدقائنا. . .) وهذا كلام واضح على أن حضرته لم يفهم حتى الآن ما يراد بالخصم فالخصم يا سيدي قد يكون (عدوا) وقد يكون (أحب أحبائنا وأخلص أصدقائنا) فما عليك إلا أن تراجع أي كتاب لغوي
شئت لتتحقق أن (الخصم) هو المجادل لا غير بغض النظر عن صداقته أو عداوته لك. فلو رجعت إلى كتاب صديقنا صاحب (البستان) لثبت لك الأمر، هذا إن لم يكن بين يديك معجم آخر. إذن سقطت جميع أوهامك فينا إذ ليس هناك استخفاف برأي من
يخالفنا ولا اعتداد بعلمنا دون علم غيرنا.
4 -
يعارضنا حضرته في إن (ها) التعريف مقتطعة من فعل الوجود العبري وهو (هوه يهوه) بحجة إن الأقدمين لم يقولوا بقولنا كما لم يذهب إليه أحد من المستشرقين. فيا له من كلام يزري بالجمان! فلو كان لمثل هذه الأدلة قوة لما اشتغل أحد في أمر ولما كان رقي هذا العصر. فيا حضرة الأستاذ إن المسألة مسألة اجتهاد، ولا ينظر فيها أكان الأقدمون قالوا بها أو لم يوافقوا عليها. وعقلاء عهدنا هذا يأخذون بما يقبله العقل من الحجج والبراهين لا ما تحتقره أو لا تقنع به. فقد مضى زمان هذا الرأي الفطير مع أصحابه والنازعين إليه. فكيف تقول به حتى الآن؟
5 -
ذكر لنا حضرته مذهبي اللغويين: مذهب التوقيف ومذهب الاصطلاح أي مذهب النشوء والارتقاء في وضع الألفاظ وهو أمر قد أكل عليه الدهر وشرب والذي لم يحسن إيراده إنه جهل أن هذين المذهبين قد يعودان إلى مذهب واحد أي إلى أن الواضع الأول للألفاظ قد وقف على أسرار الطبيعة فوضع لها الكلم جريا على محاكاة ما فيها لا على ما يعن له من الكلم التي تخالف أوضاع محاكاتها فلا جرم إن الأسماء سابقة للأفعال في المعنى والوجود لكن ليس في هذا السبق مئات أو ألوف من السنين بل (سبق معنوي) لا غير ولهذا أصبح ما بنيته من القصور والعلالي أوهى من خيط العنكبوت.
6 -
رجح حضرته إننا أطلعنا على كتاب محاضرات العلامة جويدي وأنا اقتبسنا منه رأيه في أصل الهمزة. ويعلم الله أنا لم نقتن هذا الكتاب ولم نطالعه والأستاذ كثير الظنون الواهية المعتمد. وكان أيضا قد نسب إلينا أنا طالعنا مقالاته في أصل (الخليفة وقريش والأديب) ردا علينا مع أنا لم نطالعها حتى مذ أن أشار إلى ورودها في المقتطف، ما خلا مقاله الأخير الذي أدرجه في
الهلال وبينا فساد أدلته ووهنها في مقتطف يوليو (تموز).
7 -
كلما تصفحنا صفحة مما دونه في المقتطف رأينا فيه فسادا جديدا خاصا به دون غيره مما يدل على إن قواه العقلية منهوكة لجهده إياها حين كان معلما في الكلية السورية. فقد قال مثلا في ص 205 (وحروف اللغة ثلاثة اللام والميم والنون. ومعنى الوقوف عليها أنا نقلب حرف المد إلى حرف غنة) أفهذا كلام رجل يعي ما يقول أو قد وقف على مصطلح السلف؟ مع إن الكل يعلم إن ليس للام دخل في حروف الغنة التي هي: التنوين والنون
والميم (راجع ص 299 من شرح العلامة ابن القاصح على الشاطبية المسمى بسراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي) وأغرب من قوله هذا قوله الآخر وهو تحديده لمعنى الوقف إنه (قلب حرف المد إلى حرف غنة) فإذا كانت هذه بضاعته من العلم فكيف يريد أن نجادله وكيف درس في الكلية تلك المدة الطويلة وكيف يجرؤ على أن يكتب ما يكتب قبل أن يتثبت في ما تخطه أنامله؟ ولهذا نطلب منه العذر في إننا لا نعود إلى الرد على ما يوجهه إلينا لأننا نراه يخالف المحققين من الأقدمين والمحدثين في الأمور الثابتة لكي يقال عنه (تكلم الأستاذ جبر ضومط) ونحن نرى أن سكوته أشرف له وأستر لخفاياه ومعايبه. أما إذا كان قد عرف الحقائق سابقا وقد نسيها الآن فهذا أمر آخر.
8 -
ومن قبيل هذا الجهل اعتباره لقول العوام (هل بحر وهل كتاب) بمعنى (ال بحر وال كتاب) وهذا سخف في المدارك ما وراءه سخف لأنه ليس من يجهل اليوم إن معنى قولهم (هل بحر وهل كتاب)(هذا البحر وهذا الكتاب) فكيف يريد أن ينكر أمورا تفقأ في العين حصرما؟ ثم زاد على ذلك سخفا آخر وهو قوله: (فوقف المضريون على اللام ووقفت حمير على الميم. وخفقت الهاء إلى (؟ كذا): الهمزة ولكنها بقيت على الألسنة لحد هذه الساعة عند كثيرين ومن جملتهم فيما أرجح الأب أنسطاس (كذا) وإن لم يفطن لذلك من لم يقل منا (كذا): (أعطني هل كتاب). . . اهـ إلى آخر ما خلط وخبط مع إننا إن كنا نقول كما يقول الغير (أعطني هل كتاب) نريد: (أعطني هذا الكتاب) لا (أعطني الكتاب)، وبين المعنيين فرق كالفرق الذي بين الثرى
والثريا وقولهم (أعطني هل كتاب) تخفيف واضح للكلام المألوف أعطني هذا الكتاب وهو أشهر من أن يؤول. فكيف خفي عليه وهو حلال المعضلات؟!
9 -
إننا في عجب مما يكتب حضرة الصديق، فبينما نراه يقول عنا في أول مقالة (ص 202):(ولو إن الأب المحترم عدل من حدته فيمن (كذا) تصوره يرد عليه بعض ما جاء في مقالته هذه النفيسة في موضوعها لكان أجدر بعلمه وفضله ومكانته الأدبية الرفيعة بل كان أجدر بفضله لو استغنى عن هذه الخاتمة بما جاء به في مقدمة المقالة مما يقع في أسماعنا وقلوبنا موقعا خليقا بعلم الأدب وفضله. . .) نجده يقول في ص 206: (واعذرني إذا قلت هذا التخبط الذي توصلت به اكتشافك (؟) الغريب الذي صرحت إنه لم يسبقك إليه
أحد ونحن نسلم لك بحق هذه السابقية ونعتقد إنك ستبقى فيها سابقا ومبتكرا معا. . . ولكن ما هو الرابط بين ما كنت فيه وبين ما وثبت إليه في هذه الترويسة (؟ كذا) اهـ
قلنا: كنا نود أن نجاوبك عن كلامك هذا لكنا لا نفهم كيف تمدح في بدء مقالك شخصا وحين تبلغ إلى وسطه تنسى كلامك فتقول: التخبط والترويسة وغيرهما من الألفاظ. فكان الأحجى بك يا سيدي أن لا تنعته بنعوت العظمة في أول كلامك لكي يتم لك أن تفرغ عليه من هرائك ما أفرغت أو ما شئت ونحن نعلم إن الخصم أو المجادل يتخذ الأدب وسيلة له لا ما ألفه من عبارات الهزء والشتيمة التي هي سلاح كل عاجز عن الإتيان بالدليل المقنع. ولو أجلت طرفك قليلا في ما كتبناه وأزلت السخيمة من صدرك لوجدت الرابط بين ما كنا فيه وبين ما وثبنا إليه من (الترويسة) التي لا نفهم معناها ولم نجدها في كلام بليغ عاقل مما لم نجد كثيرا من مصطلحاتك كتمعن (ص 204) وعلماء الفرنساويين (فيها أيضا) ولم تكتفي ص 207 (كذا وأنت تخاطب مذكرا) إلى غير ذلك من التعابير المكسرة التي لا ترد على قلم أديب يحترم نفسه أو يضعها في منزلة للكتاب والمؤلفين.
10 -
أثبتنا بأدلة تاريخية ولغوية إن الهمزة أداة التعريف عندنا نشأت بعد الهاء. وقلنا إنه كان في لساننا أيضا التاء والثاء من أدوات التعريف في سابق العهد وحللنا لذلك ألفاظا مستشهدين كلام الأئمة وكان على (الخصم) أن يفند تلك
الآراء جزءا فجزءا بدليل بعد دليل ليتبين فضله ويظهر علمه فتتجلى الحقيقة فإذا بصاحبنا يذكر عناوين فصولنا ويحشو عبارته هراء وخرفا ولا تكاد تستخلص منهما شيئا يذكر. فيقول مثلا ص 208: (لا أيها الأب العلامة ليس العربية هي التي هتكت أستار هذه الأسرار (قلنا: هذه عبارته ولم نغير منها حرفا فمن أراد أن يفهم فليفهم) بل أنت الذي هتكتها. وهنا أقول (هذا كلام الأستاذ جبر ضومط) إني استغربت منك إنك اكتشفت أن التاءات الزائدة في تمساح وترمس وتنضب وتذرج وترنموت هي أداة التعريف وغفلت عن أن تحسب الياءات الزائدة في يربوع ويعفور ويعبوب ويرقود ويعسوب الخ أداة تعريف مع إن ردها جميعها إلى تلك الأداة (أي إلى الياء) أسهل على الذهن وأقرب إلى القبول من رد تاء تمساح وترمس وثاء ثرملة) انتهى كلام الخصم.
أفهذا كلام رجل متمتع بجميع قوى عقله؟ أفليس الأحسن له أن يكسر قلمه ويلقيه في النار
فيصون بذلك عرضه وسمعته وثمالة عقله وعلمه ولا ينطق بمثل هذه السفاسف التي ليس فيها إلا المهاترة والمعاندة وحب الهزء من الناس والنيل منهم عوضا من أن يأتي بالبرهان السديد لينقض أدلتنا بأدلته فيصدق أن يقال عنه: نقض أدلة بأدلة؟ لكن أعلم يا صاح إن أربعة من العلماء الراسخي القدم في اللغة والنقد كتبوا إلينا يمدحوننا على ما بيناه ويشكروننا على ما حللناه من أدوات التعريف ثم يقول أحدهم وهو من المستشرقين الإثبات (قد سبقكم إلى اعتبار التاء في تمساح ونحوها من الألفاظ أداة تعريف وقد أخذها العرب من المصريين الأقدمين فهي عندهم أداة تعريف للمؤنث كما أن الباء في مثل بامياء وبطيخ وبطارخ وبطلينوس أداة تعريف للمذكر عندهم أيضا وقد نقلها العرب عنهم بلفظها وبأداة تعريفها معا. اهـ فهذا كلام رجل عاقل محقق لا ما يكتبه جبر ضومط عن موجدة وضغينة ملفقا أقوالا تشبه تلفيق (الخنفشار) إذ مقاله كله على هذا القياس من الخبط والخلط والهذر والخرف والهراء حتى إنه لا يمكنك أن تجمع شتاته لترده إلى فكر معقول. فالكلام الموزون بمعيار الفطنة والأسلوب المؤدب الذي يجري عليه أهل النقد. كل هذا وما أشبهه بعيد عنه لأنه متشبع من نفسه ومن آرائه ولا يريد أن يرى
بجانبه من يعنى بأسرار اللغة. فلله دره من محقق!
11 -
من غريب أعمال (الخصم) إنه إذا رأى مذهبا في لغتنا ينسب إلى غير المستشرقين لم يقبله فيقول: (أسألك هل وجدت أحدا من المشتغلين بمثل بحثك بين علماء الفرنساويين (هكذا ينسب إلى فرنسة أو فرنسا) أو الإنكليز أو الألمان أو الإيطاليان (كذا ينسب إلى إيطالية أو إيطاليا) يقول بقولك هذا؟) (ص 204) أما هو، فإذا جاءنا برأي من عنده لا يريد منه أن نذكره بسؤاله هذا فإنك تراه يقول مثلا بعد نقل رقيم امرئ القيس:(لي رأيي الخاص (أنا الرجل العبقري) في قراءة اللفظة التي صورها العلامة جويدي هكذا (فراس) وإليك هو. . .) فيا حضرة الأستاذ النجيب والعبقري الداهية والباقعة الفريد دعنا نسألك (هل وجدت أحدا من المشتغلين. . . إلى آخر ما قلت.
الختام إن الرجل لا يكتب عن نية صافية فهو يبوح بما فيها من السيئات في كل عبارة ينطق بها أو يكتبها فقد نقل مثلا ما كنا أدرجناه في المقتطف مأخوذا عن جرجي زيدان في كتابه (العرب قبل الإسلام)(ص 202 و203) ولم نزد عليه حرفا. فقال حضرته ما هذا
نقله (يظهر أيها الأب إن قراءة جويدي لا تتفق مع قراءتك في إدخال اللام على (فرس) وتكتبها (فراس) ومن الفعل (وكلهم) أي جعلهم قبلها يظهر إن اللام في (للروم) هي حرف الجر المعروف لا أداة التعريف والذي أراه أنا (العلامة الذي لا يشق له غبار وأنا أنا من عرفاني يفوق كل عرفان بشري) 1 - إن قراءة العلامة جويدي أتم من قراءتك وأخلص من شائبة الغرض الظاهرة اظلاله في قرائتك أو نقلك (كذا بحروفه). . .) اهـ. أفرأيتم أيها القراء كيف أن هذا الرجل يسيء بي الظن وكيف إنه يبوح بما في صدره من السخيمة والحقد وتسويد كل أمر أغر آتي به؟ فلعن الله الغايات وما أسوأ نتائجها إذا داخلت صدور حملة العلم!
إن الرقيم الذي نقلنا صورته مأخوذ بحرفه عن كتاب جرجي زيدان في الموطن الذي ذكرناه آنفا. فما معنى هذه التقولات التي يتقولها علينا وما معنى هذه الافتراءات المتلونة؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولنتركه في شأنه يتخبط في وخزات ضميره قائلين: سكت ألفا ونطق خلفا أو خرفا) هداه الله إلى سواء السبيل. وهذا آخر كلامنا لهذا الصديق.