الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تزل كلّ طائفة منهم تتبع الأخرى حتّى خلا السّور، فصعد الفرنج إليه على السّلاليم. فلمّا علوه تحيّر المسلمون ودخلوا دورهم، ووضع الفرنج فيهم السّيف ثلاثة أيام، فقتلوا ما يزيد على مائة ألف وسبّوا السّبى الكثير.
وأقاموا بها أربعين يوما وساروا إلى عرقة «1» ، فحصروها أربعة أشهر، ونقبوا سورها عدّة نقوب ولم يقدروا عليها. وراسلهم ابن منذر «2» صاحب شيزر، وصالحهم عليها. ثم ساروا إلى حمص وحصروها، فصالحهم صاحبها جناح الدّولة. وخرجوا على طريق النّواقير «3» إلى عكا فلم يقدروا عليها «4» ؛ فساروا إلى البيت المقدّس.
ذكر استيلائهم خذلهم الله تعالى على البيت المقدس
كان استيلاء الفرنج، خذلهم الله تعالى، على البيت المقدّس فى يوم الجمعة، ضحى، لسبع بقين من شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وكان إذ ذاك بيد افتخار الدّولة نيابة عن المستعلى بالله. فإنه كان بيد تاج الدّولة تتش السّلجقى صاحب الشّام، وأقطعه للأمير سقمان بن أرتق التّركمانى، فجاءه الأفضل أمير الجيوش واستولى عليه «5» ، وبقى بيد نوّابه إلى الآن.
فقصده الفرنج عند عجزهم عن فتح عكّا، وحصروه نيّفا وأربعين يوما، ونصبوا عليه برجين، أحدهما من ناحية صهيون «1» ، فأحرقه المسلمون وقتلوا جميع من فيه من الفرنج.
فلمّا فرغوا من ذلك أتاهم الصّارخ أن المدينة قد ملكت من الجانب الآخر، وهو الجانب الشّمالى، وركب النّاس السيف ولبث الفرنج أسبوعا يقتلون فيهم.
واحتمى جماعة من المسلمين بمحراب داود وقاتلوا فيه ثلاثة أيام، فبذل لهم الفرنج الأمان، فسلّموه إليهم، فوفوا لهم؛ وخرجوا ليلا إلى عسقلان وأقاموا بها.
وقتل الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين ألفا، منهم جماعة كثيرة من أئمة المسلمين وعلمائهم، وعبّادهم وزهّادهم، ممّن فارق أهله، ووطنه وجاور بذلك الموضع الشّريف. وأخذوا منّ عند الصّخرة نيّفا وأربعين قنديلا من الفضّة، زنة كلّ قنديل [ثلاثة آلاف وستمائة درهم، وأخذوا تنورا من فضة وزنه]«2» أربعون رطلا بالرّطل الشامى «3» ؛ وأخذوا من القناديل الصّغار مائة وخمسين قنديلا من الفضّة؛ ومن الذهب نيّفا وعشرين قنديلا. وغنموا ما لا يقع عليه الإحصاء.
وورد إلى بغداد القاضى سعيد القروى «1» فى شهر رمضان، ومعه جماعة، يستنفرون النّاس، وأوردوا فى الدّيوان كلاما أبكى العيون، وصدع القلوب واستغاثوا بالجامع يوم الجمعة، وبكوا، وذكروا ما نزل بالمسلمين من البلاء، وما حلّ بهم من المصيبة. فأمر الخليفة أن يسير القاضى أبو محمد الدّامغانى، وأبو بكر الشّاشى، وغيرهما «2» ، إلى السّلطان «3» بسبب ذلك، فاتّفق ما ذكرناه من الاختلاف الذى وقع بين الملوك السّلجقية «4» ؛ فتمكّن الفرنج من البلاد.
قال: ولمّا اتّصل خبر هذه الحادثة العظيمة بالأفضل أمير الجيوش جمع العساكر وخرج إليهم، فقاتلهم فى شهر رمضان من السّنة. ثمّ كبسه الفرنج هو ومن معه، وهم على غير تعبئة، فهزموهم وقتلوا منهم مقتلة عظيمة.
وحاصر الفرنج عسقلان، فصالحهم أهلها على عشرة آلاف دينار، وقيل عشرين ألف دينار، فعادوا إلى القدس.
قال: وكان الذى ملك البيت المقدّس من الفرنج كندفرى «5» .