الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عوده إلى بلد الموصل والصلح بينه وبين صاحبها
قال: ولمّا تسلّم الملك الناصر ميّافارقين وفرغ من أمرها وتدبير أحوالها، عاد إلى الموصل لحصارها. فتردّدت الرّسائل بينه وبين عزّ الدين صاحبها، ووقع الاتّفاق على أن يسلّم للملك النّاصر شهرزور وأعمالها، وولاية القرابلى، وجميع ما وراء الزّاب، وأن يخطب له على منابر بلاده، ويضرب السّكّة باسمه؛ وتحالفا على ذلك. فتسلّم الملك النّاصر البلاد، وسكنت الدّهماء.
ورحل إلى حرّان فمرض بها وطال مرضه حتى أيس منه؛ ثمّ عوفى. وعاد إلى دمشق فى المحرّم سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة.
قال: ولمّا كان الملك النّاصر مريضا بحرّان كان عنده ابن عمه ناصر الدّين محمد [بن]«1» شيركوه، وله من الإقطاع حمص والرّحبة، فسار إلى حمص واجتاز بحلب، وأحضر جماعة من أحداثها، ووعدهم، وأعطاهم مالا؛ ثمّ وصل إلى حمص وراسل جماعة من الدّماشقة على تسليم البلد إذا مات الملك النّاصر. وأقام ينتظر موته؛ فتوفّى ناصر الدّين ليلة عيد الأضحى سنة إحدى وثمانين، وعوفى الملك الناصر.
[وكان الملك الناصر]«2» لما بلغه ما اعتمده ناصر الدّين بحلب ومراسلته للدّماشقة، وضع عليه النّاصح بن العميد سقاه سمّا فمات، وطلب ابن العميد من الغد فلم يوجد؛ وسار من ليلته إلى الملك النّاصر؛ فقويت الظّنّة «3» بذلك.
ولمّا توفى أعطى الملك النّاصر إقطاعه لولده شيركوه، وعمره اثنتا عشرة سنة. وخلّف ناصر الدّين من الأموال والخيول والآلات شيئا كثيرا، فحضر الملك النّاصر إلى حمص وعرض تركته، وأخذ أكثرها، واستعان به على الجهاد، ولم يترك إلّا ما لا خير فيه.
وحضر شيركوه عند الملك النّاصر [بعد موت أبيه بسنة]«1» ، فأجلسه فى حجره وسأله إلى أين انتهى من القرآن، فقال إلى قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً
«2» ، فاضطرب الملك النّاصر لذلك وظنّ أنّه عرّض بفعله، وطلب مؤدّبه ولوحه فوجده كذلك.
فعوّضه عمّا أخذه من مال أبيه الضّياع الخراب بالشّام فى ذلك الوقت، وهو الذى يعرف إلى زماننا هذا بالخراب الأسدىّ: وورثته إلى هذا التّاريخ يبيعون خراب ضياع الشّام والسّواد والبلقاء وغير ذلك.
واستولوا من الخراب على ما ليس فى كتابهم، وأباعوا مالا هو لهم، فإنّه قيل إن الذى اشتمل عليه كتاب المبايعة أربعمائة ضيعة، وهى الّتى كانت قد استولى عليها الخراب فى ذلك الوقت، فأباع ورثته جميع ما خرب بعد ذلك ممّا لم يتضمّنه كتابهم وأعانهم على ذلك أنّهم يبيعونه لأرباب الجاهات بأحسن الأثمان. وأعرف بلدا يسمّى رمدان من بلاد البلقاء بالقرب من الرّقيم والجادية وسنجاب «3» اشتراها الملك المنصور حسام الدين لاجين المنصورى «4» لمّا كان ينوب عن السّلطنة بالشام،