الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السّلطان مكان عمّك، فهو يختارك ويكره العادل. فإن أجابك لذلك فاقتل عمّك.
فجهّز عبّاس ابنه وعرّفه ما تقرّر مع أسامة. فدخل إلى القاهرة على حين غفلة من العادل؛ واجتمع بالظّافر وأعلمه الحال؛ فأجاب لما طلب.
ثمّ مضى نصر إلى عند جدّته، زوجة العادل «1» ، وأعلم العادل أنّ والده أعاده شفقة عليه من السّفر. ومضى العادل إلى مصر وجهّز المراكب الحربية، وأنفق فى رجالها ليلحق عبّاسا، وأقام طول نهاره فى العرض [94] والنّفقة على رجالها، وعاد إلى داره بالقاهرة وهو على غاية من التّعب. فلمّا نام على فراشه احتزّ نصر بن عبّاس رأسه، ومضى به إلى القصر، ودخل إلى الظّافر، وجهّز إلى أبيه، فركب لوقته؛ ودخل القاهرة صبيحة نهار الأحد الثّانى عشر من المحرّم، فوجد جماعة من الأتراك، كان العادل قد اصطنعهم لنفسه، قد ثاروا لذلك، فلا طفهم وطمّنهم؛ فلم يطمئنوا. ومضوا إلى دمشق.
وكانت وزارة العادل ثلاث سنين ونصف سنة تقريبا؛ وكان من الأكراد الزرزارية. ولمّا قتل طيف برأسه فى القاهرة جميعا. ونصب الظّافر عبّاسا فى السّلطنة «2» .
ذكر مقتل الظّافر بأعداء الله وأخويه
كان مقتله فى ليلة الخميس سلخ المحرّم سنة تسع وأربعين وخمسمائة. وذلك أنه خرج ليلا متنكّرا ومعه خادمان وجاء إلى دار نصر
ابن عبّاس، وهى الدّار المعروفة قديما بدار جبر بن القاسم ثم عرفت بسكن المأمون بن البطائحى، وهى المدرسة المعروفة بالسّيوفيّة «1» فى وقتنا هذا، المقابلة لحافر الدبابله. بخط سوق السّيوفيين بالقاهرة وهى لطائفة الفقهاء الحنفيّة. فلمّا جاء الظّافر إليه قتله نصر بن عبّاس، وحفر له تحت لوح رخام ودفنه «2» ، وقتل أحد الخادمين وهرب الآخر.
وكان سبب ذلك أنّ الأمراء استوحشوا من أسامة بن منقد لمّا حسّن لعبّاس قتل عمّه العادل، وقصدوا قتل أسامة. فلمّا علم بذلك اجتمع بعبّاس وقال له: كيف تصبر على ما يقوله النّاس فى ولدك واتّهامهم أنّ الخليفة الظّافر يفعل به ما يفعله مع النساء! فعظم ذلك على عبّاس. وقيل بل كان الظّافر قد أنعم على نصر بن عبّاس بقليوب، فجاء نصر إلى والده وأعلمه بذلك، فقال له أسامة: ما هى بمهرك غالية.
فقال عبّاس لأسامة: كيف تكون الحيلة على هذا الأمر؟ فقال: إنّ الخليفة فى كلّ وقت يأتى لولدك فى هذه الدّار خفية، فإذا أتاه فأمره بقتله. فأوصى عبّاس ابنه بذلك؛ فلما جاءه قتله نصر «3» .
قال: ولمّا كان صبيحة يوم قتله ركب عبّاس وولده على العادة وأتى إلى القصر؛ فقال لبعض الخدم: أعلم مولانا ليجلس للاجتماع معه.
فدخل وأعلم أهل القصر بما التمسه عبّاس من الاجتماع بالخليفة.
فقالوا: قل له إنّه خرج البارحة ولم يعد. فجاء الخادم إليه وأعلمه الخبر؛ فشدّد عبّاس فى طلب الظّافر، ودخل إلى القاعات ومعه أكابر الخدم، وقال: لا بدّ من مولانا. فقيل له عند دلك: أنت أعلم بحاله. فأحضر أخويه يوسف وجبريل وقال لهما: أنتما قتلتما مولانا. فأنكرا ذلك وحلفا عليه الأيمان المغلّظة. وأحضر القاضى وجماعة من الأعيان أهل الفتيا وداعى الدّعاة وقال: قد صحّ عندى أنّ أخوى الظّافر قتلاه. فأفتوه بقتلهما؛ فقتلا بين يديه وقيل إنّه قتل معهما أبا البقاء ابن حسن بن الحافظ، وصارم الدّولة، مصلح، زمام القصر «1» قال: وكان الظافر من أحسن خلق الله وجها. وكان مولده يوم الأحد، النّصف من شهر ربيع الآخر «2» سنة سبع وعشرين وخمسمائة؛ فكانت مدّة عمره إحدى وعشرين سنة وتسعة أشهر وخمسة عشر يوما؛ ومدّة ولايته أربع سنين وسبعة أشهر وخمسة أيام «3» ولده: أبو القاسم عيسى.
وزراؤه: تقدّم ذكرهم.
قضاته: أبو الفضائل يونس، إلى أن صرفه العادل بن السّلار فى سنة سبع وأربعين؛ وولّى أبا المعالى مجلى «4» بن نجا المخزومى، فأقام إلى آخر الدّولة.