الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ولمّا وصل الملك الأفضل إلى بلبيس خرج فخر الدّين إياز جهاركس وزين الدين قراجا على أنهما يلتقيانه، فتوجها إلى الملك العادل. ثم خرج فى يوم وصوله الأمير شمس الدّين «1» سراسنقر بمماليكه وجماعة من أصحابه والتحق بالملك العادل، وسار إليه، إلى ماردين.
ذكر مسير الملك الأفضل إلى الشام وحصار دمشق وعوده عنها وخروجه عن الديار المصريّة
قال: ولما استقرّ الأفضل فى تدبير الدّولة بالدّيار المصريّة، ولم يبق للملك المنصور معه إلا الشّركة فى الخطبة، حمله أصحابه على قصد دمشق وحصرها، وقالوا: هى لك بوصيّة أبيك الملك النّاصر فعزم على المسير اليها، وأمر العساكر بالاستعداد لذلك. وبرز إلى المخيّم ببركة الجبّ، هو وابن أخيه الملك المنصور، فى يوم السّبت العشرين من جمادى الأولى من السّنة واستحثّ العسكر على الخروج.
ووصل إليه فى يوم الأربعاء، السّادس من جمادى الآخرة، رسول من أخيه الملك الظّاهر صاحب حلب وهو يلومه على إنفاذ الرّسل بالطّاعة للعادل، ويقول: إن أكثر الناس كانوا منصرفين عنه فانصرفوا إليه، وحثّه على سرعة قصد دمشق؛ ويقول: اغتنم الفرصة ما دام العادل فى حصار ماردين؛ ووعده بالوصول إليه فأكّد ذلك ما عنده، وأقام ببركة الجبّ وهو يحثّ العسكر على سرعة الحركة، إلى ثانى شهر رجب، فرحل عنها.
وفى مدّة مقامه ببركة الجبّ أحضر قاضى القضاة والشّهود، وأشهدهم على نفسه [144] أنه وقف المطريّة «1» ومنية الباسل «2» والرّباع المسوّغة والمستمرّة بيد الدّيوان على عمارة سور القاهرة ومصر والبيمارستان بالقاهرة.
قال: ولمّا وصل الأفضل إلى بلبيس احتاط على ما كان باسم العادل وألزامه بالدّيار المصريّة؛ وأقطعه، ثم قبض على أخيه الملك المؤيّد وقيّده وأعاده إلى القاهرة، فاعتقل بالقلعة. وتمادى الملك الأفضل فى سيره إلى دمشق. هذا ما كان منه.
وأمّا الملك العادل فإن سراسنقر النّاصرى وصل إليه بماردين واستحثّه على العود إلى دمشق، فأوصى ولده الملك الكامل بمحاصرتها.
وفارقها العادل لخمس بقين من شهر رجب، ووصل إلى دمشق فى يوم الاثنين حادى عشر شعبان، وأخذ فى تحصين البلد. ووصلت العساكر المصرية فى يوم الخميس، ورتّب الأطلاب وسار الملك المنصور بن الملك العزيز فى القلب وزحف على البلد فأخذ قصر حجّاج والشّاغور. وكان العادل لما شاهد إقبال العساكر أمر بإحراق قصر حجّاج، فأحرق، واحترق فيه عدّة مساجد وأطفال. وأحاطت العساكر المصريّة بدمشق، ودخلها جماعة منهم من باب السّلامة، وانتهوا إلى السّوق الكبير، وخرجوا من باب الفراديس. وقدم الأفضل الميدان الأخضر «3» ثم تأخّر إلى ميدان الحصى؛ واستقر بهذه المنزلة أكثر من ستّة أشهر.
وكاتب الملك العادل جماعة من الأمراء المصريّين، ففارقوه ودخلوا إلى دمشق فأكرمهم.
ثم وصل الملك الظّاهر صاحب حلب ومعه أخواه الظّافر والمعزّ وجاءهم الملك المجاهد صاحب حمص، وعسكر حماة دون سلطانها، وحسام الدّين بشارة صاحب حمص بانياس، وكان من أكابر الدّولة، فأشار بالصلح.
قال: ولمّا حاصر الملك الأفضل دمشق منع من يدخل إليها بشىء من الميرة، وقطع عنها الأنهار؛ فاشتدّ الأمر على أهل دمشق، واستغاثت الرّعايا على العادل، وتسلّطوا عليه، وحملوه على تسليم البلد. وانتقل أكثر من فى البلد إلى العسكر، ونصبوا به أخصاصا ومساكن؛ وأقيمت الأسواق به.
فلمّا اشتدّ الأمر على العادل كتب إلى الظّاهر يستميله وقال: أنا أسلّم البلد إليك دون غيرك، فنمى الخبر إلى الأفضل، فاضطرب رأيهما، وقيل بل كتب إليهما يقول: أنا أسلم البلد إليكما بعد سبعة أشهر فأجاباه إلى ذلك. وقيل إنه كان يكتب إلى الأفضل يقول الظّاهر قد صالحنى، وإلى الظّاهر بمثل ذلك.
واتفق فى فساد حال الأفضل أن جماعة الأمراء كان بأيديهم إقطاعات بالدّيار المصريّة جليلة المقدار، فحسدهم آخرون عليها، فكانوا يأتون إلى الملك الأفضل ويقولون: إنّ فلانا قد عزم على قصد عمّك العادل والانضمام إليه، ويأتون لذلك الأمير فيقولون: إنّ الأفضل قد عزم القبض عليك، ويأتى ذلك الأمير إلى الأفضل فيرى فى وجهه أثر التغيّر لما نقل عنه، فلا يشكّ ذلك الأمير فى صدق النّاقل فالتحق به جماعة من الأمراء
فبينما الأفضل كذلك إذ قدم الملك الكامل بن الملك العادل من الشّرق، فى تاسع عشر صفر سنة ست وتسعين وخمسمائة، بالعساكر والتّركمان فاشتدّ به عضد أبيه. وتأخر الأفضل بمن معه إلى سفح جبل العقبة، ثم انتقل إلى مرج الصّفّر فى يوم الاثنين ثانى عشرى صفر؛ وعاد الظّاهر والمجاهد «1» .
واشتد البرد على العسكر المصرى فعاد الأفضل إلى الدّيار المصريّة، وساق العادل بعساكره فى أثره. فكان وصول الأفضل إلى بلبيس فى حادى عشرى شهر ربيع الأول فأشار عليه أصحابه بالإقامة بها.
قال: ولمّا وصل الملك العادل إلى تلّ العجول «2» أقام به حتى اجتمع إليه أصحابه، وراسل الأفضل، فعاد جوابه أنه لا يصالحه حتّى يفارق الأمراء الصلاحية.
فلما اتصل ذلك بالصلاحية غضبوا وعزموا على المسير إليه.
هذا والأفضل على بلبيس، وقد تفرق معظم أصحابه إلى إقطاعاتهم وجماعة منهم باطنوا الملك [العادل]«3» .
[ومضى الملك العادل يطوى المراحل إلى أن دخل الرمل وبلغ الملك الأفضل ذلك، فرام جمع عساكره، فتعذر ذلك عليه لتفرقهم فى أخبارهم، وتشتتهم فى الأماكن التى يربعون فيها خيلهم، فخرج فى جمع قليل، ونزل السانح.
ووصل الملك العادل، وضرب معه مصافا، فانكسر عسكر الملك الأفضل، وولوا منهزمين لا يلوون على شىء.
ثم سار الملك العادل بالعساكر، ونزل بركة الجب، وسير إلى الملك الأفضل يقول له:«أنا لا أحب أن أكسر ناموس القاهرة، لأنها أعظم معاقل الإسلام، ولا تحوجنى إلى أخذها بالسيف، واذهب الى صرخد وأنت آمن على نفسك» .
فاستشار الملك الأفضل الأمراء فرأى منهم تخاذلا، فأرسل إلى عمه يطلب منه أن يعوضه عن الديار المصرية بالشام، فامتنع من ذلك، فطلب أن يعوضه حران والرها فامتنع، فطلب منه جافى وجبل جور وميافارقين وسميساط، فأجابه إلى ذلك، وتسلم القاهرة منه.] «1»
[انتهى الجزء السادس والعشرون من كتاب: نهاية الأرب فى فنون الأدب، يتلوه إن شاء الله تعالى الجزء السابع والعشرون، والحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل]«2» .