الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال ثمّ عرض عليه الشيعىّ جوارى زيادة الله فاصطفى منهنّ لنفسه وأعطى ولده، وفرّق أكثرهنّ على وجوه كتامة؛ وقسّم عليهم أعمال إفريقية، واستعمل وجوههم على مدنها، وأمرهم بالتجمّل وحسن اللّباس، فلبسوا الثّياب الفاخرة وركبوا بالسّروج المحلّاة. ورتّب الدّواوين وأنعم على النّاس، فرفع إليه صاحب بيت المال ما أخرجه من الصّلات فى شهر رمضان، فبلغ مائة الف دينار واستكثره صاحب بيت المال فقال عبيد الله:
لو بلغت ما أؤمّله ما رضيت بمثل هذا المال لرجل واحد [من أوليائى]«1» .
ذكر أخبار أبى عبيد الله الشيعىّ وأخيه أبى العبّاس وما كان من أمرهما بعد قيام عبيد الله المهدىّ إلى أن قتلهما
قال: لمّا استقامت الأمور لعبيد الله المهدىّ داخل أبا العبّاس محمدا أخا الشّيعىّ فساد دينه «2» وسبب ذلك أنّ أخاه أبا عبد الله كان يعظّمه ويقوم له عن مجلسه ويقبّل يده [34] كما قدمناه، وكان لأبى عبد الله من الرئاسة ونفوذ الكلمة والغلبة على الأمر كلّه ما ذكرناه «3» . فلمّا صار الأمر لعبيد الله المهدىّ زالت تلك الرئاسة عن أبى عبد الله وأخيه، فداخله الحسد، فجعل يزرى على عبيد الله عند
أخيه وأبو عبد الله ينكر ذلك على أخيه، وأبو العبّاس لا يرعوى، ويؤكّد أسباب النّفاق. ثم قال أبو العبّاس لأخيه: لقد ملكت أمرا عظيما وانطاع لك النّاس، فجئت بمن أزالك عنه وأخرجك منه، وكان الواجب عليه ألّا يهتضمك هذا الاهتضام. ولم يزل يغريه بمثل دلك إلى أن أثّر ذلك فيه، وحمله على مشافهة عبيد الله المهدىّ ببغضه، وأشار عليه بتفويض الأمور إليه والانقطاع فى قصره والاحتجاب عن الناس، وقال هذا أهيب لك وأشدّ لامرك. فردّ عليه فى ذلك ردّا لطيفا. وكان قد بلغ المهدىّ ما هو عليه، فحقّقه ولم يره أنّه اطّلع على شىء من ذلك. وعمد أبو العبّاس إلى الدّعاة، وكانوا يعظّمونه لما يرون من تعظيم أخيه أبى عبيد الله له، فجعل يرمز لهم، ثمّ صرّح، وطعن فى عبيد الله، وأدخل فيه الشّبهة. وكلّ ذلك يبلغ عبيد الله فيعرض عنه ويغضى عليه، هذا والشيعىّ فى ذلك مدار لم يبلغ حد النّفاق إلى أن فشا أنّ حال أبى العبّاس قد أنهيت إلى عبيد الله.
وما زال أبو العبّاس يتخيّل إلى أن قال للدّعاة إنّ الإمام هو الّذى ياتى بالآيات والمعجزات ويختم بخاتمه فى البلاط، فأمّا هذا فقد شككنا فيه.
فعند ذلك أرسل هارون بن يونس «1» أحد المشايخ إلى عبيد الله يقول: قد شككنا فى أمرك فأتنا بآية إن كنت المهدىّ كما قلت. فتعاظم ذلك وقال:
ويحكم إنكم كنتم قد أيقنتم والشكّ لا يزيل اليقين، فأبيتم إلّا الإصرار! ثمّ أمر من قتله. فلمّا علم أبو العبّاس والقوم الذين استزلّهم «2» بقتله جعلوا ذلك سببا لمباينة عبيد الله وأجمعوا على النّقض والإبرام فى دار ابى زاكى ابن معارك، وعزموا على الفتك بعبيد الله. واجتمع كتامة إلّا قليلا منهم؛
وكان عزوية «1» بن يوسف يأتى بأخبارهم لعبيد الله، فجمع عبيد الله إليه من سلم من النّفاق والعبيد واستعدّ لهم، على كثرتهم وقلّة المبايعين له. فجمعوا له الجموع وأحاطوا بقصره ليوقعوا به، وهو فى ذلك جالس منتصب غير مكترث؛ فقذف الله فى قلوبهم الرّعب على كثرتهم وقلّة من معه، حتّى كانوا يعبرون وقد عزموا على الفتك به، فإذا قابلوه ملأت الهيبة قلوبهم فإذا انصرفوا ندموا على تركه لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولًا
«2» .
فنظر عبيد الله فى بعض الأيّام إلى أبى عبيد الله الشيعىّ وقد لبس توبه مقلوبا، ودخل عليه ثلاثة أيّام وهو على تلك الحال، فقال له فى اليوم الثّالث: يا أبا عبد الله؛ ما هذا الأمر الّذى شغلك وأذهلك عن أمر نفسك؟
فقال: وما هو يا مولاى؟ قال: إنّ ثوبك مقلوب عليك منذ ثلاثة أيّام ما اهتديت له، وما أحسبك نزعته. فنظر إليه وقال: والله يا مولاى ما علمت به. فقال: إنّ هذا لشغل عظيم؛ فأين تبيت منذ كذا من اللّيالى؟
فسكت. فقال: ألست تبيت فى دار أبى زاكى قال له: بلى. قال:
وما أخرجك من دارك التى أنزلتك بها؟ قال: يا مولاى خفت. قال:
وما يخاف المرء إلّا من عدوّه، والمؤمن لا يخاف وليّه «3» . فسكت أبو عبد الله وأيقن أنّ عورته قد بدت لعبيد الله، ووجبت حجّته عليه، وحلّ له قتله.
فانصرف وأعلم القوم بما جرى بينهما، فأمسكوا عن الدّخول إلى عبيد الله وخافوا على أنفسهم منه. ثمّ جاءوه بعد ذلك وأظهروا البراءة مما قيل فيهم،
واعتذروا؛ فردّ عليهم ردّا جميلا، وأخرج جماعة منهم إلى البلدان، فتفرّقت جماعتهم. وأخرج فيمن أخرج أبا زاكى بن معارك «1» إلى طرابلس، وكان غزوية بن يوسف واليا عليها «2» ، فلمّا وصل إليه كتب إليه عبيد الله، فقتله وبعث برأسه إليه. وقتل جماعة منهم كذلك فى البلدان بصنوف من القتل.
وخرج أبو عبد الله فى بعض الأيام هو وأخوه أبو العبّاس يريدان قصر عبيد الله على العادة، فحمل غزوية بن يوسف «3» على أبى عبيد الله، وحمل خير بن ماشيت «4» على أبى العبّاس. فقال أبو عبد الله لابن غزوية: يا بنىّ لا تفعل. فقال: الّذى أمرتنا بطاعته أمرنا بقتلك. وقتلاهما فيما بين القصرين؛ وذلك فى يوم الاثنين، النّصف من جمادى الآخرة سنة ثمان وتسعين ومائتين؛ وأمر عبيد الله بدفنهما.
قال: وهذا اليوم هو اليوم الّذى قتل فيه أبو زاكى بطرابلس.
قال: ولما قتل أبو عبد الله وأبو العبّاس ثار جماعة من بنى الأغلب وأصرّوا على النّفاق، وكانوا بالقصر القديم، فأخرجوا منه الكتاميّين وقتلوا جماعة منهم، فأحاط به من حوله من كتامة، فقاتلهم بنو الأغلب، وقتل من