الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الرّحيم فى الاجتماع به، فأذن له العزيز فى ذلك؛ فخرج إليه، فاستبشر النّاس بخروجه رجاء وقوع الصّلح. وركب العادل وتلقّاه على فراسخ «1» ، فاجتمعا، واستقرّت القواعد على أن يكون إقطاع العادل بمصر على عادته، وأن تكون إقامته عند الملك العزيز بالقاهرة، وأن يعفو [العزيز]«2» عن الأسديّة والأكراد.
واجتمع العادل بالأفضل وأمره بالرّجوع إلى دمشق. ثمّ اجتمع الأفضل بالعزيز، واستقرّ الصلح بينهما، وأهدى العزيز إليه هدايا جليلة المقدار. ورجع الأفضل إلى دمشق ومعه أبو الهيجاء السّمين، فدخلها فى المحرّم سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة.
ولم تطل المدّة إلى أن بلغ الملك العادل عن الأفضل ما استوغر خاطره، فعند ذلك قرّر، مع الملك العزيز، أن يجهّز العساكر لتمهّد قواعد الملك بالشّام وسائر البلاد، واتّفقا على أن يكون العزيز بدمشق والعادل ينوب عنه بالدّيار المصريّة.
ذكر ملك الملك العزيز دمشق وخروج الأفضل إلى صرخد
قال: ولمّا اتفق الملك العادل والملك العزيز على ما قرّراه تجهّز [الملك العادل]«3» للمسير إلى دمشق وبرز بخيامه من القاهرة فى يوم السّبت
مستهل شهر ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة [فى]«1» ثلاثة آلاف فارس. ثمّ برز الملك العزيز فى يوم الثّلاثاء، رابع الشهر، وظاهر خروجه وداعه لعمّه الملك العادل، وحث العساكر المجرّدة على الخروج.
وأقام ببركة الجبّ.
فلمّا كان فى العشرين من الشّهر اتّصل بالملك العادل عن الملك الأفضل أنّه كاتب الأسديّة، وأنّه قبض على أموال كانت للعادل بدمشق، وأطلق رهائن كانت عند نوّابه، وأنّه وافق الظاهر صاحب حلب؛ فقرّر مع الملك العزيز أن يتوجّها جميعا ويأخذا دمشق من الأفضل وحلب من الظّاهر، فاتّفقا على ذلك وعقدا بينهما يمينا.
وشرع الملك العزيز فى تجهيز رجال الحلقة والأعيان، ورحل هو وعمّه الملك العادل من البركة فى يوم الثّلاثاء ثامن جمادى الأولى، فحصل للعادل ضعف فى هذا النّهار منعه عن الحركة. وكان وصولهما إلى بلبيس فى سابع عشر الشهر، وكملت صحّة العادل فى العشرين من الشهر، وسار إلى الشام على مهل ورفق.
فلمّا تحقّق الملك الأفضل قصدهما لبلاده استشار شيوخ دولته، فأشاروا عليه أن يستقبل أخاه وعمه ويسلّم لهما الأمر؛ وأشار وزيره ضياء الدّين ابن الأثير الجزرى بالتّصميم والمخالفة، فرجع إلى رأيه، وحصّن البلد، وفرّق الأمراء على الأسوار. فلمّا رأى شيوخ الدولة وأكابرها أنّه لم يرجع إليهم واعتمد على رأى وزيره راسلوا الملك العزيز والملك العادل فى انتهاز الفرصة؛ فركبا بعساكرهما وتأهّبا فى يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر رجب وخرج أهل دمشق لقتالهم؛ والتقوا فى السّابع والعشرين من الشّهر. فلم يكن بأسرع من انهزام العسكر
الشامى. وتبعهم العزيز والعادل حتى ألجأوهم إلى سور البلد، ودخلوا دمشق «1» ، وتبعهم العسكر، فملكت البلد.
فعندها ركب الملك الأفضل إلى خيمة أخيه الملك العزيز، واجتمع به بظاهر دمشق.
قال: ودخل الملك العادل ومن معه باب توما والباب الشّرقى، ونزل بالدّار الأسدية. ودخل الملك العزيز من باب الفرج وبات فى دار عمّته الحساميّة «2» . وملك العزيز دمشق وأقيمت له الخطبة فى يوم الجمعة الثّامن والعشرين من الشهر.
قال: ولمّا ملك الملك العزيز دمشق ندم على ما كان قرر من إقامته بالشام وتمكين عمه الملك العادل من الدّيار المصريّة واعتذر [141] إلى أخيه الملك الأفضل فى السّر. فأظهر الأفضل سرّه لمن معه فظنّوا أن هذه خديعة. فأرسل إلى العادل وأعلمه بمرسلة العزيز، فعتبه العادل، فأنكر الحال «3» . وخرج الأفضل إلى صرخد «4» وقرّر له فى كلّ سنة مائتى ألف درهم من صرخد وغيرها، وهو كاره لذلك. وسأل أن يكون بمكّة؛ وينقطع إلى الله تعالى، وينزل عن الملك، فلم يجبه العزيز.
وكان خروج الأفضل من دمشق إلى صرخد يوم الاثنين، ثانى شعبان سنة اثنتين وتسعين، فكانت مدّة ملكه لدمشق، منذ وفاة والده إلى أن ملكها العزيز، ثلاث سنين وخمسة أشهر.
ودخل الملك العزيز قلعة دمشق واستقرّ بها فى يوم الأربعاء رابع شعبان من السّنة المذكورة، وجلس يوم الجمعة بدار العدّل وأسقط من المكوس بدمشق ما هو مقرّر على سوق الرّقيق وسوق الدوّاب ودار البطّيخ، والملاهى، والعصير، والفحم، والحديد، وسبكى الفولاذ والزّجاج.
قال: وهرب ضياء الدّين ابن الأثير ونهبت داره.
ونودى فى دمشق أن يلبس أهل الذّمّة العمائم الغيار ليعرفوا من المسلمين وكان سبب ذلك أنّ الملك العزيز لمّا جلس بدار العدل دخل عليه رجل له هيئة حسنة، فما شكّ العزيز أنه من الأشراف، فلمّا علم أنّه ذمّىّ أمر بذلك.
قال: ولاطف الملك العزيز عمّه الملك العادل إلى أن قام بدمشق فى النّيابة، فأجاب إلى ذلك بعد امتناع. وسلّم ديوان دمشق لصفىّ الدّين ابن شكر «1» كاتب العادل.
وفارق الملك العزيز دمشق فى العشر الأوسط من شعبان، وعاد إلى الدّيار المصريّة بعد أن استخلف الملك العادل وسلّم إليه دمشق وما هو مضاف إليها من القلاع والحصون والأعمال؛ والخطبة والسّكّة باسم الملك العزيز.
ودخل العزيز إلى القاهرة جريدة فى رابع شهر رمضان؛ وفوّض شدّ الأموال والخطاب عليها للأمير فخر الدّين إياز جهاركس؛ وضمّن الخمور فى كلّ سنة بسبعة عشر ألف دينار، فتجاهر النّاس بها وظهر
الفساد وفشا فى النّاس؛ واجتمع الرّجال والنّساء فى شهر رمضان من غير استتار، سيّما فى الخليج وساحل مصر؛ ورتّب ضمان الخمر فى النّفقة على طعام السّلطان؛ وهذه من البلايا التى لم يسمع بمثلها، فإنّ عادة الملوك والأكابر [أن]«1» يجتهدوا أن يكون مأكلهم من أجلّ الجهات كالجوالى «2» وما يناسبها. وبسبب إطلاق الخمور كثر القتل بالقاهرة والجراحات، وخطف العمائم والأمتعة والمآكل من الأسواق.
قال المؤرخ: وغلت الأسعار فى هذه السّنة بالدّيار المصريّة، واشتدّ الأمر على النّاس، وكثر الوباء، وبلغ القمح كلّ أردبّ بدينارين، وأظن الدّينار ثلاثة عشر درهما وثلث درهم، وهذا كان نهاية الغلاء فى ذلك العصر.
ولقد وصف «3» الفاضل من عظم ما حلّ بالنّاس غلوّ السّعر أمرا عظيما فكيف لو أدرك الفاضل الديار المصريّة فى سنة خمس وتسعين وستّمائة وقد أبيع القمح سعر الأردب ثلاثة عشر دينارا ونصف دينار وأبيع الفرّوج بخمسين درهما، ورطل البطّيخ الأخضر بأربعة دراهم، والسّفرجلة بثلاثين درهما «4» .
قال المؤرخ: وفى سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة كانت وفاة الشيخ السّيد الشريف عبد الرّحيم «5» ، قدّس الله روحه ونوّر ضريحه، بقنا من أعمال قوص ودفن بجبّانتها، وضريحه معروف هناك من أعظم مزارات