الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مقتل الملك الصّالح طلائع بن رزّيك وقيام ولده الملك العادل رزّيك
كان مقتله فى السّابع عشر من شهر رمضان سنة ستّ وخمسين وخمسمائة. وذلك أنّه ركب فى هذا اليوم من دار الوزارة إلى القصر، وجلس على مرتبته على عادته؛ فلمّا انقضى المجلس خرج؛ فبينما هو فى دهاليز القصر وثب عليه جماعة فضربوه بالسّكاكين عدّة ضربات مهلكة.
وكان سبب ذلك أنّه تحكّم فى الدّولة لخلوّها من الأمراء وصغر سنّ العاضد، وكان قد فرّق الأمراء وقتل بعضهم؛ فبعثت ستّ القصور عمّة العاضد الأموال إلى بعض الأمراء وأغرتهم به، فرتبوا ذلك. قال: ولمّا ضرب بالسّكاكين ألقى ابن الزّبد نفسه عليه وقاتل دونه ودخل بقيّة الأمراء فخلّصوه فركب وبه بعض رمق. فلمّا رأته ستّ القصور وقد ركب أيقنت بالهلاك. قال: ولمّا استقرّ فى منزله أرسل إلى العاضد يعاتبه على ما كان منه، فحلف وأنكر أن يكون اطّلع «1» على هذا الأمر قبل وقوعه فأرسل إليه أن يبعث إليه عمّته ستّ القصور، فتوقّف العاضد عن ذلك، فأرسل الصّالح إلى [ست]«2» القصور وأخرجها؛ فلما جاءت إلى منزله أمر [97] بخنقها، فخنقت بين يديه حتّى ماتت. ومات الصّالح فى بقيّة ليلته.
قال: وكان الصّالح شديد التّشيّع متغاليا فى مذهب الإماميّة؛ وكان يكره أهل السّنّة. وقيل إنّه كان يسبّ الصّحابة، رضى الله عنهم،
وغضب على من يتنقّصهم. وكان فيه بخل وحسد. ومنع فى أيّامه من بيع الغلال حتى غلت الأسعار. وكان كثير التّطلّع إلى ما فى أيدى النّاس، وصادر جماعة ليس لهم تعلّق بالدّولة وأفنى الأمراء قتلا واعتقالا. وهو أوّل من خوطب بالملك فى الدّيار المصريّة «1» .
وقال ابن الحباب فى سيرته: إنّه من ولد جبلة بن الأيهم الغسّانى الذى ارتدّ عن الإسلام فى خلافة عمر بن الخطّاب رضى الله عنه. قال المؤرخ: وكان والد الصّالح يسمى أسد رزّيك، قدم مع أمير الجيوش بدر الجمالى.
قال: وكان الصّالح مع ذلك حازما ضابطا لأمور دولته شاعرا أديبا.
قال القاضى الأرشد عمارة اليمنى «2» ، دخلت على الصّالح قبل وفاته بليلتين فناولنى رقعة وقال: قد عملت هذين البيتين فى هذه السّاعة؛ فإذا فيها:
نحن فى غفلة ونوم وللمو
…
ت عيون يقظانة لا تنام
قد رحلنا إلى الحمام سنينا
…
ليت شعرى! متى يكون الحمام!!
فقلت: هما صالحان، وقمت، فكان آخر عهدى به «1» .
قال المؤرخ: وكان الصّالح يقطع اللّيل أثلاثا: فالثّلث الأوّل مع أمراء دولته ووجوهها؛ والثّلث الثّانى مع جلسائه وندمائه وشعرائه؛ والثّلث الثالث مع خواصّ نسائه. فكان يسمّى: أبو العمرين قالوا:
وكذلك كان أمير الجيوش بدر الجمالى:
ومن شعر الصّالح قوله:
يا مريض القلب بالذّن
…
ب، متى بالعفّو تبرا
كلّما جدّدت يوما
…
توبة ضيّعت أخرى
تشتهى الأجر ولا تف
…
عل ما يكسب أجرا
أترى بعد ذهاب ال
…
عمر تستأنف عمرا
وقوله:
يا ماشيا فوق الثّرى
…
رفقا، فسوف تصير تحته
إن قلت إنّى أعرف ال
…
مولى القدير، فما عرفته
إن كنت تعبد للمخا
…
فة والرّجاء، فما عبدته «2»
والصّالح هو الذى بنى الجامع «3» خارج باب زويلة المعروف به.
وكان يقول: ندمت على ثلاثة: أحدها أننى بنيت الجامع بظاهر القاهرة وجعلته عونا على باب زويلة فيضرّها وقت الحصار؛ والأخرى توليتى شاور أعمال الصّعيد، والله لا كان خراب دولة بنى رزّيك إلا على يديه؛
والثّالثة أنّنى أنفقت فى العساكر مائتى ألف دينار لأجل فتح بيت المقدس فتأخّرت عن ذلك «1» .
قال: ولمّا توفى دفن بدار الوزارة ثمّ نقل إلى تربته الّتى بقرافة مصر.
قال: ولمّا حضرته الوفاة أحضر ولده رزّيك وأوصاه بوصايا كثيرة، من جملتها أنّه لا يعزل شاور ولا يغيّر عليه مغيّرا.
قال: ورثاه الشّعراء بقصائد كثيرة، فيها ما قاله القاضى الأرشد عمارة اليمنى:
أفى أهل ذا النّادى عليم أسائله
…
فإنّى لما بى، ذاهب العقل ذاهله «2»
سمعت حديثا أحسد الصّمّ عنده
…
ويذهل واعيه، ويخرس قائله
ومنها:
وقد رابنى من شاهد الحال أنّنى
…
أرى الدّست منصوبا وما فيه كافله
وأنّى أرى فوق الوجوه كآية
…
تدلّ على أنّ النّفوس ثواكله
دعونى. فما هذا أوان بكائه «3»
…
سياتيكم طلّ البكاء ووابله
وهى قصيدة طويلة أتى فيها بكل عجيب قال: ولمّا مات الصّالح خرجت الخلع من القصر لولده، وتلقّب بالملك العادل مجد الإسلام «4»