الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يهدى للسّلطان. ففهم السّلطان أنّه يحتاج ذلك لنفسه لأنّه حديث عهد بمرض، فسيّر إليه ذلك. ثمّ أرسل فى طلب فاكهة وثلج، فأرسل إليه.
وهم مع ذلك يحاصرون البلد أشدّ حصار «1» .
ذكر استيلاء الفرنج على عكّا
قال: ثمّ اشتدّ الحصار فى سابع جمادى الآخرة، فركب السّلطان بالعسكر وجرى قتال عظيم إلى اللّيل، ولم يطعم فى ذلك اليوم؛ ولمّا حال بينهما اللّيل عاد إلى خيامه. ثمّ باكر القتال، فوصلت مطالعة من بالبلد يذكرون أنّ العجز قد بلغ بهم الغاية، وأنّهم فى الغد متى لم يعمل ما يمنع العدوّ طلبوا الأمان وسلّموا البلد. فرأى السّلطان مهاجهة العدوّ، فلم يساعده العسكر. فضعفت نفوس أهل البلد، وتمكّن العدوّ من الخنادق فملكوها، ونقبوا السّور وأحرقوه، فوقعت بدنة من الباشورة ودخل العدوّ إليها، فقتل منها زهاء مائة وخمسين نفسا؛ وكان منهم ستّة من أكابرهم، فقال أحدهم: لا تقتلونى حتى أرحّل الفرنج عنكم. فقتل رجل من الأكراد وقتل الخمسة، فناداهم الفرنج من الغد احفظوا السّتّة فإنّا نطلقكم كلّكم بهم. فقالوا: قد قتلناهم. فقوى عزم الفرنج على عدم المصالحة وأنّهم لا يطلقون من فى البلد إلا بإطلاق جميع الأسرى الذين فى أيدى المسلمين، وتعاد إليهم البلاد السّاحليّة.
فصالحهم من بالبلد على أنّهم يسلّمون إليهم البلد وجميع ما فيه من الآلات والعدد والمراكب، ومائتى ألف دينار، وألف وخمسمائة أسير
مجاهيل الأحوال، ومائة أسير معيّنين، وصليب الصّلبوت؛ على أنهم يخرجون بأنفسهم ونسائهم وذراريهم، وما معهم من أموالهم وأقمشتهم.
فكتبوا فى ذلك إلى السّلطان، فأنكر هذا الأمر واستعظمه؛ وعزم على أن يكتب بالإنكار على من بعكّا. وجمع أمراءه وأصحاب المشورة، فما شعر المسلمون إلا وقد ارتفعت أعلام الكفر وصلبانه على أسوار البلد؛ وذلك ظهر نهار الجمعة السّابع عشر من جمادى الآخرة، سنة سبع وثمانين وخمسمائة.
فعظمت المصيبة على المسلمين وتحيّز المسلمون إلى بعض أطراف البلد. ثم تردّدت الرّسائل بينهما على تقرير القاعدة فى خلاص من بعكّا من المسلمين، فاستقرّت الحال على مائة ألف دينار وستّمائة أسير وصليب الصّلبوت. وأنفذوا ثقاتهم وعاينوا الصّليب فى ثامن عشر شهر رجب؛ ثم طلبوا أن يسلّم ذلك إليهم فإذا صار عندهم أطلقوا الأسرى؛ فامتنع السّلطان من ذلك إلا بعد تسليم الأسرى.
فلمّا رأوه قد امتنع منه أخرجوا خيامهم إلى ظاهر الخنادق فى الحادى والعشرين من الشّهر؛ ثمّ ركبوا فى وقت العصر فى اليوم السّابع والعشرين من شهر رجب سنة سبع وثمانين، وجمعوا الأسرى، وحملوا عليهم حملة الرّجل الواحد، فقتلوهم صبرا، طعنا بالرّمح وضربا بالسّيف، رحمة الله عليهم؛ ولم يبقوا من المسلمين إلّا أكابرهم. فلمّا اتصل الخبر بالسّلطان حمل المسلمون عليهم، وجرت بينهم حرب عظيمة دام القتال فيها طول النّهار. وتصرّف السّلطان فيما كان قد حصّله من المال، وأعاد الأسرى إلى أماكنهم، وردّ صليب الصّلبوت إلى مكانه «1» .