الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكان ذلك أعلى لمحلّك. وكنت قضيت حقوقهم «1» . ثم أمر به فضربه مائة مقرعة، ودموع أحمد تجرى على خدّه رقّة على ولده، ثم ردّه إلى الحجرة واعتقله، وذلك فى سنة ثمان وستّين ومائتين.
ذكر خلاف لؤلؤ على احمد
كان سبب ذلك أن الحسين بن مهاجر «2» غلب على أحمد بن طولون، وحسّن له جمع الأموال ومنعه من سماحته وجريه على عوائده الجميلة، فنفرت القلوب عن أحمد، وتغيّرت الخواطر عليه، فتنكّر له غلامه لؤلؤ، وكان عمدته عليه، وكان فى يده حلب وحمص وقنّسرين وديار مضر.
وكان أحمد إذا أنكر على لؤلؤ شيئا أوقع بكاتبه محمد بن سليمان، ويقول له.
هدا منك ليس منه، فحمل محمّد بن سليمان الخوف من أحمد على أن حسّن [-]«3» لؤلؤ حمل جملة من المال إلى الموفّق «4» ، فحمل ذلك إليه، وكتب إليه عن لؤلؤ كتابا يعرّفه رغبته فى المصير إليه، والتّصرّف تحت أمره ونهيه، والدّخول فى طاعته، فسرّ الموفّق لذلك واستبشر، لما فى نفسه من أحمد، ورأى أنّ ذلك من الفرص الّتى يتعيّن انتهازها، فأجابه بأحسن جواب، وأنفذ إليه خلعا.
وكانت مع لؤلؤ طائفة من خواصّ أحمد، فلمّا أنكروا حاله، واطّلعوا على ما فعله، فارقوه، والتحقوا بأحمد، وأطلعوه على ما كان من أمر لؤلؤ.
فتألّم لذلك، وأخذ فى إعمال الحيلة والمخادعة للؤلؤ والتلطّف به، ومكاتبة محمّد بن سليمان، فلم يفد ذلك عنده. فكتب أحمد إلى المعتمد على الله كتابا يقول فيه: إنّى خائف على أمير المؤمنين من سوء يلحقه، وقد اجتمع عندى مائة ألف عنان أنجاد، وأنا أرى لسيّدى أمير المؤمنين الانجذاب إلى مصر، فإنّ أمره يرجع بعد الامتهان إلى نهاية العزّ، ولا يتهيّأ لأخيه الموفق شىء ممّا يخافه عليه. وجهّز له قرين ذلك، سفاتج «1» بمائة ألف دينار، وذلك فى سنة ثمان وستين ومائتين. وأظهر أحمد الخروج لهذا الأمر. فلمّا وصل كتابه إلى الخليفة. تجهّز لقصده مصر، فكان من خروجه ورجوعه إلى بغداد ما ذكرناه فى أخباره.
وأمّا أحمد فإنّه تجهّز إلى الشام، وأخذ معه ابنه العبّاس مقيّدا، واستخلف ابنه خمارويه على مصر. فسار، فوصل إلى دمشق وهو يظهر الانتصار للمعتمد، ويقصد لؤلؤا غلامه فعند ذلك التحق لؤلؤ بالموفّق، وكان لحاقه به فى سنة تسع وستين.
وانتهى إلى أحمد عود المعتمد، وأنّه فصيّق عليه، فأحضر أحمد قضاة أعماله وفيهم بكّار بن قتيبة «2» والعمرى وأبو حازم، وغيرهم، وخلع الموفّق، فكلّهم وافقه على ذلك إلّا بكّار. وأسقط أحمد دعوة الموفّق، وقلع اسمه
من الطّرز. فلمّا بلغ الموفّق ذلك أمر بلعن أحمد بن طولون فى المنابر فى سائر الأمصار. ثم رجع الموفّق عن ذلك، وأمر كاتبه صاعد بن مخلّد وجماعة من خاصّته بمكاتبة أحمد بن طولون وتوبيخه على ما فعله، فكتبوا إليه واستمالوه، فعلم أنّ ذلك عن رأى الموفّق وإذنه لهم، فأجابهم بأحسن جواب. فعرضوا كتبه على الموفّق، فسرّه ما تضمّنته، وعلم أنّ ابن طولون إنّما فعل ذلك لمغالاته فى المناصحة هم. وكان الموفّق كامل العقل، فسكّن ذلك منه ما كان فى نفسه على أحمد، ومال قلبه إليه. وكتب الموفّق إلى أخيه المعتمد يعلمه برجوعه عن أمر أحمد وندمه على ما كان منه فى حقّه، وسأله أن يكتب إليه، فسرّ المعتمد بذلك، وكتب إلى أحمد كتابا بخطّه، وأمره بالرجوع عمّا هو عليه من أمر الموفّق، وبعث إليه كتاب الموفّق برجوعه عن لعنه، وأنفذ الكتاب مع الحسن بن عطّاف. فلمّا بلغ الرّقّة بلغه وفاة أحمد ابن طولون «1» ، فرجع إلى الحضرة.
وأما لؤلؤ فإنّه بلغه أنّ مولاه أحمد باع أولاده وخدمه بسوق الرّقيق بمصر، وقبض على أملاكه، فبلغ ذلك منه كلّ مبلغ، وتقدّم إلى الموفّق وبكى، وسأله إنفاذ الجيوش معه، وضمن له أخذ البلد من مولاه، وبسط لسانه فى سيرته، فخلع الموفّق عليه، وحمله على دابة، ووعده، وأمر بتجريد الجيوش [9] معه، كلّ ذلك وهو يسخر به ويماطله إلى أن يعود جواب أحمد مع الحسن ابن عطّاف، فقبض حينئذ على لؤلؤ وردّه إلى مولاه، واستقبح ما فعله لؤلؤ فى حقّ سيده، فلمّا اتفق وفاة أحمد، أقام لؤلؤ فى