الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عكا فحرقها المسلمون؛ ثمّ نصب منجنيقين فأحرقا فى أوّل شعبان، وكان قد أنفق عليهما ألف دينار وخمسمائة دينار، وأسر من الفرنج سبعون فى هذا اليوم ومن جملتهم فارس كبير عندهم فقتله المسلمون «1» ثمّ جهّز الفرنج بطشا لمحاصرة برج الذبان «2» ، وهو برج فى وسط البحر على باب ميناء عكّا، فعمدوا إلى بطشة من البطش وعملوا برجا على صاريها وملأوه حطبا ونفطا على أنهم يلحقون البطشة ببرج الذّبان، ثمّ يحرقون البرج الذى على الصّارى. وجعلوا فى البطشة وقودا كثيرا حتّى يلقوه فى البرج إذا اشتعلت فيه النّيران. وعبئوا بطشة ثانية وملأوها حطبا على أنّها تدخل بين المراكب الإسلاميّة ثم يلهبونها فتحترق هى والبطش الإسلاميّة وجعلوا فى بطشة ثالثة جماعة من المقاتلة. وقدّموا البطشة نحو البرج، وكان الهواء مسعدا لهم، فلمّا أحرقوا البطشة والبرج الّذى قصدوا بهما إحراق بطش المسلمين وبرج الذّبان انعكس الهواء عليهم بإذن الله تعالى، فاحترقت البطشتان، وانقلبت الثالثة بمن فيها من المقاتلة. والله أعلم «3» .
ذكر ما كان من أمر الفرنج بعد وصول ابن ملك الألمان إلى عكّا وما اتّخذوه من آلات الحصار
قال: ولمّا وصل ابن ملك الألمان القائم فى الملك بعد أبيه إلى عكّا كان وصوله إليها فى سادس شهر رمضان سنة ستّ وثمانين
وخمسمائة. فكان أول ما بدأ به أنّه خرج إلى يزكيّة السّلطان وقاتلهم، فقتل من أصحابه وجرح خلق كثير، وانكسروا ورجعوا إلى المخيّم غروب الشّمس من ذلك اليوم؛ وقتل من المسلمين اثنان وجرح جماعة. فلمّا عاين ذلك رجع إلى قتال من فى البلد، واتّخذ من آلات الحصار ما لم ير قبل ذلك مثله، فكان ممّا أحدثه آلة عظيمة تسمّى دبّابة يدخل من تحتها المقاتلة، وهى من الخشب الملبّس بصفائح الحديد، ولها من تحتها عجل يحرّك من داخلها حتى تنطح السّور بشدّة عظيمة فتهدمه بتكرار نطحها، وآلة أخرى وهى قبو فيه رجال تسحبه وفيه كبش، ورأس تلك الآلة ممدة شبه سكّة المحراث، ورأس الكبش مدوّر، هذا يهدم بثقله، وتلك تهدم بحدّتها وثقلها، وهى تسمّى سفودا «1» ، وأعد السّتائر «2» والسّلاليم وغير ذلك؛ وأعدّ فى البحر بطشة عظيمة وصنع فيها برجا بخرطوم إذا أرادوا قلبه على السّور بحركة انقلب بحركات ويبقى طريقا إلى المكان الذى ينقلب عليه تمشى عليها المقاتلة، ونصب المجانيق وحكّمها على السّور، وتوالت حجارتها حتى أثّرت فيها أثرا بيّنا فأخذ المسلمون سهمين عظيمين من سهام الجروح وأحرقوا نصالهما حتّى بقيا كالشّعلة من النّار ثم رميا فى منجنيق الفرنج فاحترق، واتّصل لهبه بالآخر فأحرقه «3» .
ثمّ زحف العدوّ على البلد فى شهر رمضان فى خلق كثير، فأمهلهم أهل البلد حتى سحبوا آلتهم المذكورة وقاربوا أن يلصقوها بالسّور ويحصل منهم فى الخندق جماعة كثيرة، فأطلقوا عليهم الجروخ
والمجانيق والسّهام والنيران، وفتحوا الأبواب وهجموا على العدوّ من كل مكان، وكبسوهم فى الخندق، فانهزموا؛ ووقع السّيف فيمن بقى فى الخندق منهم. ثم ألقوا النّار فى كبشهم، فاحترق، وسرت ناره إلى السّفّود فاحترق أيضا، وعلّق المسلمون فى الكبش الكلاليب الحديد فسحبوه وهو يشتعل، فحصل عندهم، فأطفأوه بالماء. ووزن ما كان عليه من الحديد فكان مائة قنطار بالشّامى [133] فكان هذا اليوم من أحسن أيام الإسلام «1» .
قال: واستأنف الفرنج عمل دبابة أخرى وفى رأسها شكل عظيم يقال له الكبش، وله قرنان فى طول الرّمح كالعمد الغلاظ، وسقوفها هى والكبش بأعمدة الحديد، ولبّسوا رأس الكبش بعد الحديد بالنّحاس، فلم يبق للنار عليها سبيل؛ وشحنوها بالرّجال. فنصب المسلمون عليها المجانيق ورموها بالحجارة، فأبعدت الرّجال من حولها، ثمّ رموها بحزم الحطب فأحرقوا ما بين القرنين، وخسفها المنجنيق، وخرج أهل عكّا فقطعوا رأس الكبشين.
قال: وفى العشر الأوسط من شهر رمضان ألقت الرّيح بطشتين فيهما رجال ونساء وصبيان، وميرة عظيمة وأغنام، فغنمهما المسلمون «2» .
وكان فى إحداهما امرأة محتشمة كثيرة الأموال؛ واجتهد الفرنج فى استنقاذها فلم يجابوا لذلك.
وكان بينهم فى بقيّة السّنة عدّة وقائع يطول شرحها.