الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مقتل مؤتمن الخلافة جوهر، زمام القصور وانتقال وظيفته إلى قراقوش الأسدى وحرب السودان
كان مقتل مؤتمن الخلافة فى يوم الأربعاء لخمس بقين من ذى القعدة، من سنة أربع وستين وخمسمائة.
وسبب ذلك أن الملك الناصر شرع فى نقض «1» إقطاع المصريين، فاتفق هذا الخادم مع جماعة من الأمراء المصريين على مكاتبة الفرنج واستدعائهم إلى الديار المصرية، والاعتضاد بهم على صلاح الدين ومن معه؛ وأرسل الكتب مع إنسان، فجعلها فى نعل ولبسه، وسار على أنه فقير رثّ الهيئة. فلما وصل إلى البيضاء «2» وجده تركمانى، فأنكر حاله إذ هو رثّ الهيئة جديد المداس. فأخذ مداسه وفتقه، فوجد الكتب فيه، فحمله بها إلى الملك النّاصر، فوقف عليها، وكتم الأمر، وقرّر الرجل بالعقوبة، فأقرّ أنّ الكتب بخط رجل يهودى، فاستحضره، فأقرّ بها. ثم قتل صلاح الدّين القاصد. واستشعر مؤتمن الخلافة من الملك النّاصر، فلزم القصور واحترز على نفسه، فكان لا يخرج منها.
فلمّا طال ذلك عليه خرج فى هذا اليوم لقصر «3» له بالخرقانيّة، فأرسل إليه الملك النّاصر جماعة فقتلوه، وأتوه برأسه، فرتّب حينئذ على أزمّة
القصور قراقوش الخصىّ، وكان من مماليك عمّه أسد الدين ليطالعه بما يتجدّد بالقصور.
قال: ولما قتل مؤتمن الخلافة ثار السّودان لذلك وأخذتهم الحميّة، وعظم عليهم قتله، لأنّه كان رأسهم ورئيسهم، فحشدوا واجتمعوا، فزادت عدّتهم على خمسين ألف عبد؛ وكانوا أشدّ على الوزراء من العسكر. فندب الملك الناصر العسكر لقتالهم، وقدّم على العسكر أبا الهيجاء السّمين؛ فالتقوا بين القصرين واقتتلوا، فقتل من الفريقين جمع كثير. [109] فلمّا رأى الملك النّاصر قوّتهم وشدة بأسهم أرسل إلى محلّتهم المعروفة بالمنصورة «1» ، خارج باب زويلة، فأحرقها؛ فاتّصل ذلك بهم، فضعفت نفوسهم، فانهزموا إلى محلّتهم فوجدوا النّيران تضرم فيها. واتّبعهم العسكر فمنعهم من إطفائها «2» . ودام [القتال]«3» بينهم أربعة أيّام، نهارا وليلا، إلى يوم السّبت الثامن والعشرين من ذى القعدة؛ فخرجوا بأجمعهم إلى الجيزة وقد أيقنوا بالهلاك، وخرج إليهم تورانشاه أخو الملك النّاصر فقتلهم، ولم ينج منهم إلا اليسير. وكتب الملك الناصر إلى ولاة البلاد بقتل من يجدونه منهم، فقتلوا من عند آخرهم.
وبقى الملك النّاصر يخشى من أهل القصر لما فعله بمؤتمن الخلافة جوهر، فكان جوهر هذا سبب زوال ملك الدّولة العبيديّة وجوهر القائد سبب ملك المعزّ للبلاد؛ فشتان بين الجوهرين.