الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدّولة والأتراك على العبيد، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة؛ ولم يبق منهم بالقاهرة ومصر إلّا القليل.
وبقى العبيد المقيمون بالصّعيد على حالهم. وكان بالإسكندريّة منهم جماعة. فسار ناصر الدّولة إليهم، فسألوا الأمان، فأمّنهم؛ ورتّب بالإسكندرية من يثق به. وانقضت سنة تسع وخمسين فى حربهم.
وقويت شوكة الأتراك فى سنة ستين وأربعمائة، وطمعوا فى المستنصر بالله، وقلّ ناموسه عندهم. وكان مقرّرهم فى كلّ شهر ثمانية وعشرين ألف دينار، فصار فى كلّ شهر أربعمائة ألف دينار. وطالبوا المستنصر بالأموال، فاعتذر أنّه لم يبق عنده شىء منها؛ فطالبوه بذخائره فأخرجها إليهم، وقوّمت بأنجس الأثمان.
وخرج ناصر الدّولة بن حمدان فى جماعة من الأتراك إلى الصّعيد لقتال من فيه من العبيد، وكان قد كثر فسادهم، فالتقوا واقتتلوا، فكانت الهزيمة على ناصر الدّولة والأتراك، فعادوا إلى الجيزة. فاجتمع على ناصر الدّولة من سلم من عسكره، وشغبوا على المستنصر بالله، واتّهموه أنه يمدّ العبيد بالنّفقات سرّا، فحلف لهم على ذلك.
ثمّ خرج الأتراك إلى العبيد وقاتلوهم، فقتل منهم مقتلة عظيمة ولم ينج منهم إلّا القليل. وزالت دولة العبيد، وعظم أمر ناصر الدّولة بن حمدان.
ذكر الوحشة الواقعة بين ناصر الدّولة والأتراك
وفى سنة إحدى وستين وأربعمائة ابتدأت الوحشة بين ناصر الدّولة بن حمدان وبين الأتراك. وسبب ذلك أنّ ناصر الدّولة قوى واشتدّت شوكته، وانفرد بالأمر دون قوّاد الأتراك، فعظم ذلك عليهم وفسدت نياتهم
[68]
، وشكوا ذلك إلى الوزير الخطير «1» ، وقالوا: كلّما خرج من الخزانة مال أخذ ناصر الدّولة أكثره وفرّقه فى حاشيته، ولا يصل إلينا منه إلّا القليل. فقال: ما «2» وصل إلى هذا الأمر وغيره إلا بكم، ولو فارقتموه لم يتمّ له أمر. فاتّفق أمرهم على محاربته وإخراجه من ديار مصر، فاجتمعوا وذكروا ذلك للمستنصر، وسألوه أن يخرجه عنهم؛ فأرسل إليه يأمره بالخروج ويتهدّده إن لم يفعل. ففارق ناصر الدّولة القاهرة وغدا إلى الجيزة، ونهبت دوره ودور حواشيه وأصحابه.
فلمّا جاء الليل دخل ناصر الدّولة، واجتمع بالقائد تاج الملوك شادى، وقبّل رجليه. وسأله أن يعينه على إلدكز «3» والوزير الخطير. قال: وكيف الحيلة فى ذلك؟ قال: تركب أنت وأصحابك وتسير بين القصرين، فإذا أمكنتك الفرصة فاقتلهما. فأجابه إلى ذلك.
وركب شادى من بكرة الغد للتسيير فعلم إلدكز بمراده، فهرب إلى القصر واستجار بالمستنصر فسلم. وأقبل الوزير فى موكبه فقتله شادى، وسيّر إلى ناصر الدّولة يأمره بالحضور؛ فعدّى من الجيزة إلى القاهرة. فأشار إلدكز على المستنصر بالرّكوب، وقال: متى لم تركب هلكت «4» وهلكنا معك. فلبس
سلاحه وركب، وتبعه خلق من عامّة النّاس والجند، واصطفّوا للقتال.
فحملت الأتراك على ناصر الدّولة فانهزم، وقتل من أصحابه جماعة كثيرة، ومضى لا يلوى على شىء وتبعه بعض أصحابه فالتحق ببنى سنبس بالبحيرة فأقام عندهم وصاهرهم، وتقوّى بهم.
ولما تحقّق ناصر الدّولة ميل المستنصر عنه قصد إبطال دعوته، وكتب إلى السّلطان ألب «1» أرسلان السلجوقى «2» ملك خراسان والعراق يسأله أن يسيّر إليه عسكرا يفتح له مصر ويقيم الدّعوة العبّاسية بها. فتجهز ألب أرسلان من خراسان بعساكره، وكتب إلى صاحب حلب «3» يأمره بقطع دعوة المستنصر وإقامة الدّعوة العباسية، ففعل ذلك، وانقطعت دعوة المستنصر «4» من حلب؛ ثمّ ملكها ألب أرسلان؛ كما ذكرناه فى أخبار الدّولة السلجوقية «5» ؛ ثم ملكت عساكره دمشق «6» .