الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى هذا الشهر منع الناس من العبور إلى القاهرة ركّابا مع المكّارية، ومنع من الجلوس على باب الزّهومة «1» إلى أقصى [54] الباب [المعروف]«2» بباب الزمرد.
وفى سنة ستّ وتسعين وثلاثمائة ركب الحاكم فى موكبه ومعه أرباب دولته فمرّ على الموضع الذى يباع فيه الحطب وقد تراكمت الأحطاب فيه بعضها على بعض، فوقف وأمر أن تؤجّج النّار فى بعضها؛ ثم أمر بقاضى القضاة بمصر، وهو الحسين بن على بن النعمان، فأنزل عن دابّته ورمى به فى تلك النّار حتى هلك «3» ، ولم يتقدّم له مقدّمة توجب ذلك «4» . ثم مرّ كأن لم يصنع شيئا.
ذكر أبى ركوة وظهوره وما كان من أمره إلى أن قتل
كان ظهوره فى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، وادّعى أنه الوليد بن هشام «5» بن عبد الملك بن عبد الرحمن الأموى، وتلقّب بالثائر بأمر الله
والمنتقم من أعداء الله. ونحن الآن نذكر أخباره وابتداء أمره، وكيف تنقّلت به الحال إلى أن كان منه ما نذكره إن شاء الله تعالى.
كان مولده بالأندلس ونشأ بها ثم خرج منها بحال سيّئة يجوب البلاد إلى أن وصل إلى القيروان، ففتح بها مكتبا يعلّم الصبيان فيه القرآن، ثم توجه منها إلى الإسكندرية ومنها إلى مصر فأقام بها وبأريافها يعلم الصبيان، ثم توجه إلى الفيّوم وعلّم بها الصبيان أيضا، وعاد إلى مصر، وخرج إلى سبك الضحاك «1» فنزل به على رجل يعرف بأبى اليمن، ثم نزل بقرنفيل «2» وسار منها إلى البحيرة فنزل على بنى قرة. وكان الحاكم قبل ذلك فى سنة خمس وتسعين قد بعث إليهم جيشا مقدّمه أبو الفتيان التّركى وقتل الحاكم بعضهم وحرّقهم بالنّار، فوجدهم قد أجمعوا على أن يلتقوه بجموعهم ويحاربوه، ولم يعلموا من يقدّمونه عليهم، فعرّفهم أبو ركوة «3» أنّه من بيت الخلافة، فانقادوا إليه وبايعوه بالخلافة، ونعت «4» بأمير المؤمنين، وانضاف إليهم من لوانة ومزاتة وزناتة جمع كثير، وجاءوا إلى مكان بالقرب من برقة.
فلمّا بلغ الحاكم أمره جهز العساكر لقصده؛ فأول من خرج بها ينال الطّويل التركى فى منتصف شعبان سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، فالتقوا
واقتتلوا، فقتل ينال وعامّة من معه من العساكر، وغنموا ما معهم.
وسار أبو ركوة إلى برقة وأخذها بعد حصار، فاستفحل أمره.
وشرع الحاكم فى تجريد العساكر إليه، فجهّزها فى شهر ربيع الأول سنة ستّ وتسعين وعليها ابن الأرمنية، فسار إلى المكان المعروف بالحمام «1» ، فلقيه بنو قرّة فى جماعتهم فهزموه وقتلوه وانتهبوا ما كان معه.
فندب الحاكم عسكرا وقدّم عليه أبا الحسن ابن فلاح وجلين وإبراهيم بن الأفرنجية؛ ثم ندب القائد أبا الفتوح فضل بن صالح لقتاله، فخرج إلى أرض الجيزة فى رابع شوال وأنفق فى العساكر، وكوتب على بن الجرّاح بالوصول إلى الحضرة، فورد من الشام فى سابع عشر شوّال. وورد الخبر بنهب الفيوم، فبعث الحاكم سريّة لحفظه، وسار الفضل بن صالح عن مكانه إلى ذات الكوم «2» فى رابع ذى القعدة، وكسر أبو ركوة عسكر ابن فلاح ونهب سواده والخزائن التى معه، وقتل من أصحابه جماعة؛ فاضطرب النّاس واشتد خوفهم، وباتوا فى الدكاكين والشوارع. وتوجّه القائد فضل للقاء أبى ركوة، فالتقيا بموضع يعرف برأس البركة، على نصف مرحلة من مدينة الفيوم، لثلاث خلون من ذى الحجّة. واقتتل العسكران قتالا شديدا وانجلت الحرب عن قتل عامّة عسكر أبى ركوة. وانهزم أبو ركوة إلى بلاد النّوبة وتبعه الفضل إلى الأعمال القوصية.
وذكر بعض المؤرخين أن الحاكم لمّا أعياه أمره دسّ إليه جماعة من أولياء دولته وأمرهم بطاعته، وأن يذكروا انحرافهم عن الحاكم بسبب قتله لهم؛ ففعلوا ذلك، فاغترّ به «1» ، ووصل معهم إلى أوسيم على ثلاثة فراسخ من القاهرة، فالتقى هو والفضل كما ذكرنا، واتّبعه، فبلغه أنه وصل إلى بلاد النوبة فكتب إلى متملكها يقول إن عدوّ أمير المؤمنين الحاكم فى بلادك، وكتب إلى صاحب الجبل وهو نائب صاحب دنقلة ومقره ببلد الدّو «2» فيما بين دنقلة وأسوان. وندب الفضل من العسكر من توجّه لقبضه، وكان المساعد على مسكه الشيخ أبو المكارم هبة الله، شيخ بنى ربيعة وقيل إنه وجد فى دير يعرف بدير أبى شنودة فى أطراف النوبة، فمسك. وكان الطعن به فى شهر ربيع الآخر سنة سبع وتسعين وثلاثمائة.
وعاد القائد فضل إلى القاهرة فوصل إلى بركة الحبش فى يوم الجمعة، النّصف من جمادى الآخرة منها، وتلقّاه أكابر الدّولة الحاكميّة؛ وركب فى سابع عشر الشّهر وأبو ركوة على جمل وعلى رأسه طرطور، وطيف به على هذه الصفة وخلفه قرد يصفعه «3» ، ثم صلب [55] وضربت عنقه وجهّزت
رأسه إلى البلاد.
ونقل بعض المؤرخين أنه اعتبرت الأكياس التى خرجت مع القائد فضل لمّا خرج للقاء أبى ركوة، وكان زنتها فوارغ خمسة وعشرين قنطارا. وقيل إنّ جملة ما أنفق ألف ألف دينار والله أعلم.
وفى سنة ثمان وتسعين وثلاثمائة أمر الحاكم بقتل أصحاب الأخبار حيثما وجدوا؛ وذلك أن كان قد قتل خلقا كثيرا لسعايتهم، ثم اطّلع على خيانتهم وأنهم ضيّروا ذلك معيشة، فقتلهم عن آخرهم.
وفيها أمر بهدم كنيسة قمامة بالبيت المقدس، فكتب ابن خيران صاحب ديوان الإنشاء فى ذلك «خرج أمر الإمامة بهدم كنيسة قمامة «1» ، فليصيّر طولها عرضا، وسقفها أرضا» .
وفى سنة ثمان وتسعين أيضا، فى سابع عشرى «2» شعبان، عزل القائد حسين بن جوهر عن جميع ما كان يتولّاه، وكتب سجل بتوليته صالح بن على بن صالح الروزبارى فانصرف الحسين إلى داره وأمر بلزومها، ثم خلع عليه وركب فى رابع عشر جمادى الآخرة سنة تسع وتسعين وثلاثمائة «3» .
وفى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، فى يوم الجمعة التاسع من شهر رمضان، حضر النّاس إلى القصر وقرئ سجل لصالح بن علىّ لقب فيه بثقة الثقات للسّيف والقلم، وخلع عليه، وقيّد بين يديه بغلات وخيل.