الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر انقراض الدّولة العبيديّة والخطبة للمستضىء بنور الله العبّاسى
كان انقراض هذه الدّولة عند خلع العاضد لدين الله، وذلك فى يوم الجمعة لسبع مضين من المحرّم سنة سبع وستّين وخمسمائة.
وكان سبب ذلك أنّ صلاح الدّين يوسف لمّا ثبتت قدمه فى ملك الدّيار المصريّة واستمال النّاس بالأموال قتل مؤتمن الخلافة جوهرا، زمام القصور، ونصب مكانه قراقوش الأسدىّ الخصىّ خادم عمه، ثمّ كانت وقعة السّودان فأفناهم بالقتل، على ما نذكره إن شاء الله مستوفى فى أخباره. ثمّ أسقط من الأذان قولهم:«حىّ على خير العمل» ؛ وأبطل مجلس الدّعوة؛ وضعف أمر العاضد معه إلى الغاية فعند ذلك كتب الملك العادل نور الدّين إلى الملك النّاصر صلاح الدّين يأمره بالقبض على العاضد وأقاربه، والخطبة للخليفة المستضىء بنور الله «1» ، وكان المستضىء قد راسله فى ذلك. فامتنع صلاح الدّين، وكره إزالة هذه الدّولة. فكتب إلى الملك العادل يعتذر، وقال: إن فعلنا هذا الأمر لا نأمن من قيام أهل مصر علينا لميلهم إلى هذه الدّولة. وكان قصد صلاح الدّين أن يتفوّى بالعاضد على نور الدّين إن هو أراد الدّخول إلى الديار المصريّة «2» .
فلما ورد جوابه على نور الدّين بالاعتذار انزعج لذلك، ورادف رسله إليه يأمره بخلع العاضد والقبض عليه «3» .
فاستدعى الملك الناصر الأمراء واستشارهم فى ذلك، فمنهم من حذّره، ومنهم من هوّنه عليه. فأحضر الفقيه اليسع بن يحيى بن اليسع، وعرّفه الحال. فلمّا كان فى هذه الجمعة صعد إلى المنبر بجامع مصر قبل طلوع الخطيب، ودعا للمستضىء بنور الله؛ فلم ينكر عليه أحد. فلمّا كان فى الجمعة الثّانية أمر الملك النّاصر الخطباء بمصر والقاهرة أن يخطبوا للمستضىء بنور الله أبى محمد الحسن، بن المستنجد بالله العباسى؛ فخطبوا له.
ثمّ توفى العاضد لدين الله إثر هذا الخلع، فى يوم عاشوراء من السّنة، بعد ثلاثة أيّام من خلعه. وكان ضعيفا لمّا قطعت خطبته، فقال صلاح الدّين: لا تعلموه، فإن عوفى أعلمناه، وإن توفى فلا نفجعه بهذه الحادثة.
وقال [104] بعض المؤرخين: إنّ صلاح الدين لمّا قطع خطبته دخل عليه وقبض عليه واعتقله، فلمّا رأى ذلك كان فى ذخائره فصّ فى خاتم، فمصّه، فمات لوقته. فكان صلاح الدّين يقول: ندمت [على] كونى دخلت على العاضد وفعلت به ما فعلت، وكان أجله قد قرب.
ولمّا مات جلس الملك النّاصر للعزاء به. فكانت مدّة ولايته إحدى عشرة سنة وخمسة أشهر وتسعة عشر يوما، ومولده فى يوم الثلاثاء لعشر بقين من المحرّم سنة ستّ وأربعين وخمسمائة؛ فعمره على هذا إحدى وعشرون سنة إلّا أحد عشر يوما.
وكان له من الأولاد ثلاثة عشر وهم علىّ؛ وموسى؛ وعبد الكريم؛ وأبو الحجّاج يوسف؛ وأبو الفتوح؛ وإبراهيم؛ وجعفر؛ ويحيى؛ وعبد القوى؛ وعبد الصّمد؛ وأبو البشر؛ وعيسى. فاعتقلهم الملك النّاصر بأجمعهم، واستمرّوا فى الاعتقال إلى سنة اثنتين وستّمائة، فكان من أمرهم ما نذكره فى أخبار الدّولة الأيوبية.