الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصالحهم علىّ الكردى صاحب حماة على ألفى دينار. وكانت عدة الهدنة إلى إدراك المغلّ وحصاده «1» . ثمّ جاءت العساكر من العراق ولم يبلغوا غرضا.
ذكر حصر مدينة صور وفتحها
كان استيلاء الفرنج، خذلهم الله تعالى، على مدينة صور فى الثالث والعشرين من جمادى الأولى سنة ثمانى عشرة وخمسمائة. وكان ابتداء الحصار فى سنة خمس وخمسمائة؛ وذلك أن الفرنج فى هذه السّنة اجتمعوا مع بغدوين صاحب القدس على حصارها، وكانت إذ ذاك بيد نوّاب الآمر بأحكام الله «2» وبها من قبله عز الملك الأعز، فحصروها فى الخامس والعشرين من جمادى الأولى من السّنة، وعملوا ثلاثة أبراج من الخشب علوّ البرج سبعون ذراعا فى كلّ برج ألف رجل؛ ونصبوا عليها المجانيق. وألصقوا أحد الأبراج بسور صور، فجمع عزّ الملك أهل البلد واستشارهم فى حيلة يدفعون بها شرّ الأبراج. فقام شيخ من أهل طرابلس وضمن إحراقها، وأخذ ألف رجل بالسّلاح التام، ومع كلّ رجل حزمة حطب؛ فقاتلوا الفرنج حتّى وصلوا إلى البرج الملتصق بالسّور وألقوا الحطب من جهاته، وأشعلوا فيه النار. ثم خاف أن يشتغل الفرنج الذين فى الأبراج بإطفاء النّار، فرماهم بجرار مملوءة بالعذرة كان قد أعدّها لهم فلمّا سقطت عليهم اشتغلوا بما نالهم من الرّائحة الكرهة،
فتمكّنت النار من البرج. وأحرق المسلمون البرجين [الآخرين]«1» أيضا.
وكاتب عزّ الملك طغزتكين، صاحب دمشق، فأنجده بالرّجال، وأرسل أصحابه للإغارة على بلاد الفرنج، فرجعوا من حصار مدينة صور فى شوّال من السّنة.
ثم عادوا فى سنة ستّ وخمسمائة إلى الحصار، وضايقوا البلد، فأرسل أهل صور إلى طغزتكين صاحب دمشق يطلبون منه أن يرسل إليهم من جهته من يتولّى أمرهم ويحميهم، وتكون البلد له. فسيّر إليهم عسكرا، وجعل عندهم واليا اسمه مسعود، وكان شهما شجاعا عارفا بالحرب ومكايدها، وأمدّه بالعساكر والميرة؛ فطابت قلوب أهل البلد. ولم يقطع خطبة الآمر بأحكام الله ولا غيّر سكّته؛ وكتب إلى الأفضل أمير الجيوش يعرّفه ما عمل ويقول: متى وصل من مصر من يتولّاها ويذبّ عنها سلّمتها إليه؛ وطلب منهم ألّا ينقطع الأسطول عنها بالرّجال والميرة. فأجابه الأفضل إلى ذلك، وشكره على ما فعل، وجهّز أسطولا إليها، فاستقامت أحوال أهلها.
ولم يزل كذلك إلى سنة ستّ عشرة وخمسمائة، بعد قتل الأفضل أمير الجيوش. وذلك أن المأمون بن البطائحى لمّا ولى إمرة الجيوش بعد قتل الأفضل سيّر إلى مدينة صور أسطولا على العادة، وأمر المقدّم عليه أن يعمل الحيلة على الأمير مسعود، الوالى من قبل طغزتكين، ويقبض عليه، ويتسلم البلد منه. وكان سبب ذلك أنّ أهل صور شكوا منه إلى الآمر بأحكام الله.
فلمّا وصل الأسطول وجاء الأمير مسعود ليسلّم على المقدّم قبض المقدّم عليه
واعتقله، وحمله إلى الآمر؛ فأكرمه وأعاده إلى صاحبه بدمشق. واستولى مقدّم الأسطول على مدينة صور، وراسل الأمير طغزتكين بالخدمة، واعتذر إليه، فقبل عذره «1» ، ووعده المساعدة.
فلمّا سمع الفرنج بانصراف مسعود عن صور قوى طمعهم فيها، وشرعوا فى الجمع؛ واتّصل خبرهم بواليها، فعلم أنّه لا قوّة له ولا طاقة بهم، لقلّة من بها من الجند والميرة، وأرسل إلى الآمر بذلك؛ فرأى أن يردّ ولاية صور إلى طغزتكين، فأرسل إليه بذلك، فملكها ورتّب بها الجند وغيرهم.
وسار الفرنج إلى صور، ونازلوها فى شهر ربيع الأول سنة ثمانى عشرة، وضيّقوا عليها ولازموا القتال؛ فقلّت الأقوات، وسئم من بها القتال، وضعفت نفوسهم. وسار طغزتكين إلى بانياس ليقرب منهم ويذبّ عن البلد، وأرسل إلى الآمر يستنجده، فلم ينجده؛ وأشرف أهلها على الهلاك.
فحينئذ راسل طغزتكين الفرنج على أن يسلّم إليهم البلد ويمكّنوا من بها من الجند والرّعية من الخروج بما قدروا عليه من أموالهم وغيرها فاستقرّت القاعدة على ذلك، وفتحت أبواب البلد، وفارقه أهله، وحملوا ما أطاقوا وتفرّقوا فى البلاد، ولم يتعرّض الفرنج إليهم. وملك الفرنج البلد فى التّاريخ [81] الذى قدّمناه، ولم يبق بصور إلّا ضعيف عاجز عن الحركة «2» .
وفى سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ملك الفرنج حصن القدموس «3» من المسلمين، وملكوا بانياس بمراسلة إسماعيل الإسماعيلى ورغبته فى ذلك،