الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مكاتبة المعزّ لدين الله القرمطىّ وجواب القرمطىّ له
قال بعض المؤرخين: لما استقر المعز بالقاهرة أهمه أمر الأعصم القرمطىّ فرأى أن يكتب إليه كتابا يعلمه فيه أن المذهب واحد. وأن القرامطة [منهم]«1» استمدّوا وهم سادتهم فى هذا الأمر. وبهم وصلوا إلى هذه الرتبة، فكتب إليه المعز كتابا مشحونا بالمواعظ وضمّنه من أنواع الكفر ما لا يصدر إلا عن مارق من الدين.
كان عنوان الكتاب:
«من عبد الله ووليّه، وخيرته وصفيّه، معدّ أبى تميم بن إسماعيل، المعزّ لدين الله أمير المؤمنين، وسلالة خير النّبيين، ونجل [على] «2» أفضل الوصيّين إلى الحسن بن أحمد.
وأول الكتاب:
«رسوم النطقاء، ومذاهب الأئمة والأولياء «3» ، ومسالك الرّسل والأنبياء «4» ، السّالف منهم والآنف «5» ، صلى الله «6» علينا وعلى آبائنا أولى الأيدى والأبصار، فى متقدّم الدهور والأكوار، وسالف الزمان والأعصار.
عند قيامهم بأحكام الله وانتصابهم لأمر الله، الابتداء بالإعذار، والانتهاء إلى الإنذار «1» ، قبل نفاذ الإنذار «2» فى أهل الشقاق والإصرار «3» ، ولتكون الحجّة على من خالف وعصى والعقوبة على من باين وغوى، حسبما قال الله تعالى «4» : وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا
«5» ، وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ
«6» .
وقد ذكرنا فى أخبار القرامطة جملة من مواعظ هذا الكتاب على ما نقف عليه هناك «7» . ومن جملة ما لم نذكره هناك.
أما علمت أنّى «8» نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ* الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ
«9» أعلم خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ
«10» وحشاه بأنواع من الكفر وحضّه «11» على اقتفاء آثار آبائه وعمومته وموالاتهم، فقال: إن آباءك كانوا أتباع آبائى. ثم قال فيه بعد الإطالة:
وكتابنا هذا من فسطاط مصر، وقد جئناها على قدر مقدور، ووقت
مذكور، لا نرفع قدما ولا نضع قدما إلا بعلم مصنوع، وعلم مجموع، وأجل معلوم» . ثم قال فيه:«وأما أنت أيّها الغادر [الخائن] «1» النّاكث المباين «2» عن هدى «3» آبائه وأجداده، المنسلخ من دين أسلافه وأنداده، الموقد لنار الفتنة، الخارج عن الجماعة والسّنة، لم أغفل أمرك، ولا خفى علىّ خبرك، وإنّك منّى بمنظر وبمسمع، قال الله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى
«4» ، ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا
«5» فعرّفنا على أىّ رأى ضللت «6» وأىّ طريق سلكت.
وقال فى فصل منه: «إنّا لسنا مهمليك ولا ممهليك إلّا ريثما يرد به كتابك والوقوف على مجرى جوابك، فانظر لنفسك ما يبقى ليومك ومعادك، قبل انغلاق باب التّوبة، وطول وقت النّوبة. حينئذ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً
«7» . ثم ختمه بأن قال: «فما أنت وقومك إلّا كمناخ نعم، أو مراح غنم» . فأمّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ
«8» ، فَإِنَّا عَلَيْهِمْ مُقْتَدِرُونَ
«9» .
هكذا رأيت. والتّلاوة فى سورة يونس «10» أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا
مَرْجِعُهُمْ*
«1» فعندها تخسر الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ، ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ
»
. وأنذرتهم ناراً تَلَظَّى* لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى* الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى
«3» . يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ بَلاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفاسِقُونَ
«4» . فليتدبّر من كان ذا نذير.
وليتفكّر من كان ذا تفكير؛ وليحذر يوم القيامة، يوم الحسرة والنّدامة أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ
«5» . ويا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا
«6» . ويا ليتنا نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ
«7» . وَالسَّلامُ عَلى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدى
«8» . وسلم من عواقب الرّدى. وهو حسبنا ونعم الوكيل قال: فلما وقف الحسن «9» بن أحمد القرمطى [على]«10» هذا الكتاب المطوّل «11» كتب جوابه بعد البسملة: «وصل كتابك الّذى كثر تفصيله
وقلّ تحصيله؛ ونحن سائرون على إثره. والسّلام» «1» وقيل إنّه كتب: «والجواب ما تراه دون ما تسمعه» «2» .
وقيل [45] إنّه كتب إليه:
ظنّت رجال الغرب أنّ سهولتى
…
بمحالها، وأخو المحال ذليل
إن لم أروّ النيل من دمهم، فلا
…
نلت المراد، ولا سقانى النيل
وفى سنة ثلاث وستين وثلاثمائة. فى شعبان، بلغت تقدمة القرامطة إلى أرياف مصر وأطراف المحلة «3» . فنهبوا، واستخرجوا الخراج؛ واشتهر الأعصم القرمطىّ ببلبيس فتأهّب المعزّ للقائه، وعرض العساكر، وفرّق فيهم الأموال والسّلاح.
وسيّر جيشا قدّم عليه ولده الأمير عبد الله «4» ، فالتقى مع الأعصم، فانهزم القرمطىّ وأسر جماعة من رجاله، وجهّز جيشا آخر قدّم عليه ريان الصقلبى فى أربعة آلاف فارس. فأزال القرامطة عن المحلة ونواحيها.