الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان دخول شاور إلى القاهرة لستّ مضين من ذى الحجة من السّنة؛ واستمرّ بمصر من غير منازع، إلى سنة اثنتين وستين وخمسمائة.
ذكر عود أسد الدّين شيركوه إلى الدّيار المصرية بالعساكر الشاميّة وانفصاله
قال المؤرخ: لمّا انفصل أسد الدّين شيركوه عن الدّيار المصريّة فى سنة تسع وخمسين، بقى عنده منها أمر عظيم. وكان إذا خلا بنور الدّين الشّهيد يرغّبه فيها. فجهّزه بالعساكر والحشود، فسار من الشّام فى شهر ربيع الأوّل سنة اثنتين وستّين وخمسمائة، فاتّصل ذلك بشاور، فراسل الفرنج وانتصر بهم. فخرج الفرنج ووقفوا على الطّريق الّتى يسلكها شيركوه إلى الدّيار المصريّة، فعدل شيركوه عن تلك الطّريق وجعلها عن يمينه، وسار حتى نزل إطفيح، فى سادس شهر ربيع الآخر. وعبر النّيل إلى الجانب الغربىّ، ونزل الجيزة، وأقام عليها إلى العشرين من جمادى الأولى. واستولى على الغربية وغيرها. فأرسل شاور إلى الفرنج يستحثّهم، فأتوه على الصّعب والذّلول، وقد طمعوا فى ملك الدّيار المصريّة «1» .
فلما تكاملوا بالقاهرة توجّه أسد الدّين شيركوه نحو الصّعيد، وسار شاور والفرنج فى آثارهم. فجمع أسد الدّين الأمراء واستشارهم [فى]«2» العبور إلى الجانب الشّرقى والعود إلى الشّام، فوافقوه على ذلك؛ فنهض
شرف الدّين بزغش، أحد الأمراء المماليك النّوريّة، وكان شجاعا مقداما، وأنكر ذلك كلّ الإنكار، وامتنع من الموافقة، وقال: من خاف من الأسر أو القتل فلا يخدم الملوك «1» ويأكل رزقهم، ويكون فى بيته عند امرأته. وقال: والله لا نزال نقاتل إلى ان نقتل عن آخرنا أو ننتصر.
فوافقه أسد الدّين، وجمع عسكره ورتّبهم، وجعل أثقاله فى القلب ليكثر بها السّواد ولئلّا ينهبها أهل البلاد.
فبينما هم فى التّعبئة إذا بشاور والفرنج قد أقبلوا، ورتّبهم واقتتلوا، فكانت الهزيمة على شاور والفرنج «2» وتوالت عليهم الحملات من العسكر الشّامى، فتمادت بهم الهزيمة إلى الجيزة، وشيركوه فى آثارهم. وقتل منهم خلق وغرق كثير منهم. وأسر أسد الدّين [101] صاحب قيسارية «3» .
ودخل شاور والفرنج إلى القاهرة، وملك أسد الدّين البرّ الغربى بكماله؛ وقصد الإسكندريّة ليحاصرها. فلمّا قرب منها خرج إليه أهلها وسلّموها إليه من غير ممانعة؛ وكان والى الثّغر يوم ذاك نجم الدّين بن مصال. فدخل شيركوه البلد، وأقام بها أيّاما قلائل، واستناب بها صلاح الدّين يوسف بن أبيه نجم الدّين أيوب، وتركه بها ومعه ألف فارس.
وتوجّه هو إلى الصّعيد فاستولى عليه، واستخرج أمواله؛ وصام شهر رمضان بمدينة قوص.
هذا وشاور يتجهّز للخروج ويرتّب أحواله وأحوال الفرنج ويرمّ ما تلف لهم. فلمّا تكامل ما يحتاج إليه قصد الإسكندريّة، فأخرج أهلها
الأموال وأنفقوها، واستعدّوا للحصار؛ فكان فى جملة ما أخرجوه للحصار أربعة وعشرون ألف قوس زنبورك وما يناسب ذلك من الآلات.
وسار شاور ومرّى ملك الفرنج، فنازلوا الإسكندريّة. فلمّا رأوا شدّة أهلها واجتماعهم على الحصار، تقدّم شاور إليهم وقال: سلّموا إلىّ صلاح الدّين ومن معه وأضع عنكم المكوس، وأعطيكم الأخماس. فامتنعوا وقالوا: معاذ الله أن نسلم المسلمين إلى الفرنج والإسماعيلية. فعند ذلك وقع الحصار واشتدّ على أهل الإسكندرية إلى أن قلّت الأقوات.
وبلغ ذلك أسد الدّين فسار من الصّعيد وجدّ فى السّير إلى الإسكندرية، وكان شاور قد أفسد التّركمان الذين مع أسد الدين فصاروا معه؛ واجتمع لشيركوه طائفة كبيرة من العربان، فلمّا علم شاور بقربه خافه وراسله فى طلب الصّلح، وبذل له خمسين ألف دينار، سوى ما أخذه من خراج البلاد، على أن يفارق الدّيار المصريّة. فأجاب أسد الدّين إلى ذلك «1» ، وشرط عليهم أن يرجع هو إلى الشّام ويرجع الفرنج إلى بلادهم. فاستقرّت هذه القاعدة، وحلف الفرنج عليها.
ففتحت الإسكندريّة عند ذلك، وخرج صلاح الدّين يوسف إلى مرّى ملك الفرنج وجلس إلى جانبه. فدخل شاور عليهما، فقال لمرّى: سلّمه إلى وأعطيك فى كلّ سنة خمسين ألف دينار. فقال مرّى: نحن إذا حلفنا
لا نغدر؛ ووبّخه. وكان أسد الدّين قد شرط على شاور أنّ الفرنج يرحلون ولا يلتمسون من البلاد درهما ولا ضيعة ولا غير ذلك.
قال: وارتحل أسد الدّين، ودخل مصر برضاء أهلها، وسار إلى بلبيس. وأرسل إلى ابن أخيه يوسف أن يتوجّه فى المراكب إلى عكّا، هو ومن معه من العسكر، وما معه من الأثقال؛ ففعل ذلك، وركب من عكّا إلى دمشق.
هكذا حكى ابن جلب راغب فى تاريخه. قال: وارتحل أسد الدّين من بلبيس فى نصف شوّال، ودخل شاور إلى الإسكندريّة، ثمّ خرج منها وعاد إلى القاهرة، فدخلها فى مستهلّ ذى القعدة، وتلقّاه العاضد لدين الله.
وأمّا الفرنج، فاستقرّ بينهم وبين شاور أن يكون لهم شحنة «1» بالقاهرة وتكون أبوابها بيد فرسانهم، ويكون لهم فى كلّ سنة مائة ألف دينار.
وفى سنة ثلاث وستّين وخمسمائة خرج يحيى بن الخياط على شاور وطلب الوزارة؛ فندب شاور عسكرا لحربه، فانهزم ومضى إلى بلاد الفرنج «2» .