الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وندب الحاكم لولايتها القائد تميم بن اسماعيل المعزّى الملقب بفحل.
ذكر ما فعله الحاكم بأمر الله وأمر به من الأمور الدالّة على اضطراب عقله بعد أن استقل بالأمر بمفرده
كان أول ذلك أنه نهى فى سادس شهر رجب سنة تسعين وثلاثمائة أن يخاطب الناس بعضهم بعضا بسيدنا أو مولانا، وألّا يخاطب بذلك غيره «1» .
وفى سنة إحدى وتسعين، فى شهر المحرم، أمر أن تزيّن مصر ويفتح الناس دكاكينهم ليلا؛ ولازم الركوب بالليل، وكثر ازدحام النّاس، وصار البيع باللّيل أكثر من النهار، وأكثر الناس الوفود. وغلب النساء على أزواجهم على الخروج، فأمر فى رابع عشر الشّهر ألّا تخرج أمرأة من العشاء لهذا السبب، فلم يخرجن بعد أمره «2» .
وفى سنة ثلاث وتسعين حصل للحاكم مرض المانخوليا، فأخذ فى قتل أرباب الدّولة وذوى المناصب وغيرهم، وصدر عنه من الأفعال [53] ما نذكره إن شاء الله تعالى بتواريخه على حكم السّنين.
ذكر بناء الجامع المعروف بجامع راشده
كان ابتداء عمارته فى سابع عشر شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة. وكان سبب إنشائه أن أبا المنصور الزيات الكاتب زرع هذا الموضع
وبنى للنّصارى فيه كنيسة فرفع أمره للحاكم، فأمر بهدم الكنيسة وأن يجعل موضعها مسجدا، ثم أمر بالتوسعة فيه، فخربت مقابر اليهود والنّصارى؛ وجمع فيه الجمعة لليلتين بقيتا من الشهر، وبنى فيه منبر من الطّين، وصلّى فيه ابن عصفورة القارئ. ثم ظهر بعد ذلك أن المحراب وضع على غير صحّة فهدم ما كان ارتفع من البناء، ثم بنى عليه ما هو عليه الآن «1» .
ذكر بناء الجامع المعروف بالحاكم الذى هو بين باب النصر و [باب]«2» الفتوح بالقاهرة
قد ذكرنا أن العزيز بالله كان قد اختطّه فى سنة ثمانين وثلاثمائة، ومات العزيز بالله ولم تكمل عمارته «3» .
فلما كان فى سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، لليلتين بقيتا من جمادى الأولى، أمر الحاكم بالله بإتمامه. وقيل إن الوزير يعقوب بن كلّس، وزير العزيز، هو الذى كان بدأ بعمارته وقدّر له أربعين ألف دينار، فأخرج له خمسة آلاف دينار ومات ولم يكمل، فابتدئ بعمارته فى هذا التاريخ.
وفى هذه السنة قتل الحاكم مقداد ابن حسن كاتب جوهر، ضرب عنقه وأحرق بالنار، وفيها لليلتين خلتا من ذى الحجة قتل ريدان الصقلبى
الخادم، وكان خصيصا به مكينا عنده، وإليه ينسب الريدانية التى هى بظاهر القاهرة خارج باب النّصر. وفيها قتل منجمه العكبرى صاحب الرّصد الحاكمى وكان شديد الاختصاص به. ونادى مناديه بإباحة دم المنجّمين وأنهم كفار، فهربوا ولم يبق بالديار المصرية منجم.
وفى سنة أربع وتسعين وثلاثمائة اشتدت السّوداء على الحاكم، فصار يركب فى الهاجرة حمارة بلقاء والسّياف بين يديه، فيقتل من يخطر بخاطره قتله. فقتل خلقا كثيرا وغرّق وأحرق، حتى قتل الركابية «1» وأصحاب السّتر والوزراء والقضاة؛ واستمرّ به هذا الحال.
وفى سنة خمس وتسعين وثلاثمائة، فى رابع عشرى المحرم قرئ سجل من الحاكم بمنع الملوخيا «2» والمتوكلية «3» والترمس المعفن والدّليس «4» وعمل الفقاع «5» ، وعن ذبح البقر «6» ، وألا يدخل أحد الحمّام إلّا بمئزر، ولا تكشف امرأة وجهها فى طريق ولا خلف جنازة، وألا يباع من السّمك ما ليس له قشر.
وفى رابع صفر منها كتب على المساجد بسب الصحابة رضى الله عنهم، وعلى حيطان الشوارع والقياسر «1» ، ثم نهى عن ذلك فى سنة سبع وتسعين.
وأمر اليهود والنصارى الا الحبابرة بلبس السّواد «2» ، وأن يحمل النّصارى الصّلبان على أعناقهم، وأن يكون طول الصليب ذراعا وزنته عشرة «3» أرطال، وعلى أعناق اليهود قوامى الخشب والجلاجل، وألا يركبوا شيئا من المراكب المحلّاة، وأن يكون ركبهم من الخشب وألا يستخدموا أحدا من المسلمين ولا يركبوا حمارا لمكّار مسلم.
وفى سابع عشرى صفر منها نودى بالقاهرة ألا يخرج أحد بعد عشاء المغرب إلى الطريق ولا يظهر بها.
وفى سادس عشر شهر ربيع الآخر منها أمر بقتل الكلاب فقتلت عن آخرها «4» .
وفى تاسع عشر جمادى الآخرة فتحت دار بالقاهرة وسميت دار الحكمة «5» ، وجلس فيها الفقهاء وحملت إليها الكتب من خزائن القصور، ونسخ النّاس من الكتب ما اختاروه؛ وجلس فيها القرّاء والفقهاء والنّحاة واللّغويون، والأطباء والمنجّمون، بعد أن فرشت وزخرفت، وعلّقت السّتور على جميع أبوابها وممرّاتها، وجعل لها قوّام وخدّام. وحصل فى هذه الدّار من الكتب والخطوط المنسوبة ما لم ير مثله، وأجريت بها الأرزاق.