الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى سنة تسع وتسعين وأربعمائة ملك الفرنج حصن أفامية وسرمين من أعمال حلب.
وفى سنة اثنتين وخمسمائة فتح السردانى «1» عرقة، وذلك أنّها كانت بيد غلام فخر الملك بن عمّار وقد عصى على مولاه، فضاق به القوت وانقطعت عنه الميرة، فكاتب طغزتكين «2» صاحب دمشق أن يرسل إليه من يتسلّم الحصن لعجزه عن حفظه. فبعث إليه طغزتكين صاحبا له اسمه إسرائيل فى ثلاثمائة، فتسلّم الحصن. فلمّا نزل غلام ابن عمّار رماه إسرائيل بسهم فقتله فى الاختلاط «3» طمعا فى المال الذى بعرقة لئلا يطّلع طغزتكين عليه.
قال وأراد طغزتكين أن يشحن الحصن بالعساكر والأقوات، فتوالت الأمطار [والثلج]«4» مدّة شهرين، فعجز عن ذلك. فلمّا انقطع المطر ركب أربعة آلاف فارس وجاءوا إلى عرقة، فتوجّه إليه السّردانى وهو يحاصر طرابلس ومعه ثلاثمائة فارس، فانهزم عسكر طغزتكين عند ما أشرفت الخيل من غير قتال، فأخذ السّردانى أثقالهم وتسلّم الحصن بأمان، وقبض على إسرائيل، وقال لا أطلقه إلا بفلان وهو من أكابر الفرنج كان أسيرا، ففودى به.
ذكر ملك الفرنج طرابلس وبيروت
كان صنجيل لمّا ملك مدينة جبيل، كما ذكرنا، حصر طرابلس، فلمّا
لم يتمكّن منها وعجز عن الاستيلاء عليها بنى بالقرب منها حصنا وجعل تحته ربضا، وأقام يرصدها ينتظر فرصة، فخرج فخر الملك أبو على بن عمّار، صاحب طرابلس، فأحرق ربضه؛ فوقف صنجيل على سقوفه المحترقة، ومعه جماعة من القمامصة والفرسان، فانخسف بهم. فمرض صنجيل عشرة أيّام، ومات، وحمل إلى القدس فدفن هناك. وذلك فى سنة تسع وتسعين وأربعمائة «1» .
ودامت الحرب على طرابلس خمس سنين. فسار فخر الملك ابن عمّار إلى بغداد يستنجد بالخليفة والسّلطان على الفرنج، على ما ذكرناه، وعاد من بغداد فى منتصف المحرم سنة اثنتين وخمسمائة وتوجه إلى جبيلة «2» فدخلها وأطاعه أهلها.
وأما طرابلس فإن ابن عمّار لمّا فارقها راسل أهلها الأفضل أمير الجيوش يلتمسون منه واليا يكون عندهم ومعه الميرة فى البحر، فسيّر إليهم الأفضل شرف الدّولة بن أبى الطّيّب واليا، ومعه الغلال وغيرها. فلمّا صار إليها قبض على جماعة من أهل ابن عمّار واستولى على ما وجده من أمواله وذخائره «3» .
فلمّا كان فى شعبان سنه ثلاث وخمسمائة وصل أسطول كبير من بلد
الفرنج، مقدّمه قمص كبير اسمه ريمند بن صنجيل «1» ، ومراكبه مشحونة بالرّجال والسلاح والميرة وليس ريمند هذا ابن صنجيل صاحب الحصن «2» المقدم ذكره. فنزل على طرابلس وكان السّردانى وهو ابن اخت صنجيل محاصرا لها قبله، فجرت بينهما فتنة أدّت إلى الشرّ والقتال فوصل تنكرى صاحب أنطاكيّة إليها إعانة للسّردانى، ووصل بغدوين صاحب البيت المقدّس فى عسكره، فأصلح بينهم «3» ونزل الفرنج بأجمعهم على طرابلس وضايقوها، وذلك [79] فى شعبان، وألصقوا أبراجهم بسورها. فلمّا شاهد الجند وأهل البلد ذلك سقط فى أيديهم، وذلّت نفوسهم، وزادهم ضعفا. فتأخر الأسطول المصرىّ عنهم بالميرة والنّجدة؛ وداوم الفرنج القتال والزّحف إلى أن ملكوا البلد عنوة؛ وذلك فى يوم الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من ذى الحجة، سنة ثلاث وخمسمائة «4» . ونهبوا ما فيها، وأسروا الرجال، وسبوا النّساء والذّرّية، وغنموا من أهلها من الأموال والأمتعة