الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فى الكنيسة المستجدة «1» . ونزل الحافظ عن بغلته، وجلس على شفير القبر، وبكى بكاء «2» كثيرا.
وفى سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة طلع النّيل حتى بلغ تسعة عشر ذراعا وأربع أصابع «3» ، ووصل الماء إلى الباب الجديد «4» أوّل الشارع الأعظم بالقاهرة، وصار النّاس يتوجّهون من القاهرة إلى مصر من جهة المقابر. ولمّا وصل الماء إلى الباب أظهر الحافظ الحزن والانقطاع، فدخل عليه بعض خواصّه وسأله عن السّبب، فأخرج له كتابا وقال له:
انظر هذا السّطر؛ فقرأه، فإذا فيه، إذا وصل الماء إلى الباب الجديد انتقل الإمام عبد المجيد. وقال: هذا الكتاب الذى تعلم منه أحوالنا وأحوال الدّولة وما يأتى بعدها «5» .
ذكر وفاة الحافظ لدين الله وشىء من أخباره
كانت وفاته فى ليلة الخميس لخمس خلون من جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ومولده فى المحرّم سنة أربع وستّين
وأربعمائة، وقيل فى المحرّم سنة ثمان وستين «1» . فكانت مدّة عمره ستّا وسبعين سنة وشهورا، ومدّة ولايته منذ بويع البيعة العامّة الثانية، بعد قتل أحمد بن الأفضل، ثمانى عشرة سنة وأربعة أشهر وتسعة عشر يوما.
قال المؤرخ: وكان الحافظ موصوفا بالبطش والتيقّظ؛ وكان شديد المناقشة. وهو الذى عمل طبل القولنج الذى كسره الملك النّاصر صلاح الدّين يوسف؛ وكان هذا الطّبل قد عمل من سبعة معادن والكواكب السبعة فى إشراقها. وكان خاصّته أنه كلّما ضرب به ضربة خرج الرّيح من مخرج الضّارب «2» .
قال بعض المؤرخين: إنّ الحافظ خطر بباله أن ينقل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى القاهرة، وكانت المدينة إذ ذاك يخطب بها لبنى العبّاس، لظهور ملوك الدّولة السّلجقية؛ فأرسل نحوا من أربعين رجلا من أهل النّجدة والقدرة، فتوجّهوا إلى المدينة وأقاموا بها مدّة، وتحيّلوا بأن حفروا سربا من مكان بعيد، وعملوا حساب الخروج فى المكان المقصود. فعصم الله تعالى نبيّه صلى الله عليه وسلم من أن ينقل من المكان الذى اختاره له؛ فيقال إن السّرب انهار عليهم فهلكوا؛ وقيل بل سعى بهم فأهلكوا.
وكان للحافظ من الأولاد: أبو علىّ حسن؛ هلك كما ذكرنا؛ وعبد الله، هلك فى حياته أيضا؛ وأبو المنصور إسماعيل؛ وأبو الأمانه جبريل؛ ويوسف.
ووزراؤه: تقدّم ذكرهم. ولمّا قتل رضوان بن الولخشى لم يستوزر بعده أحدا، وإنما كانوا كتّابا. فمن أشهر كتابه أبو على حسن الأنصارى كان [القاضى] «1» الفاضل يقول: لم يسمح الزّمان يمثله.
ومن أشهر شعرائه الشّريف أبو الحسن الأخفش المغربى، فى جملة شعره فى قصيدة:
ذكر الدّوح وشاطى بردى
…
وحبابا فيه يحكى بردا
[92]
والصّبا يمرح فى أرجائه
…
وتحوك الرّيح منه زردا
ينثر الدّرّ عليه فضّة
…
وتذيب الشمس فيه عسجدا
ورشألو لم تكن ريقته
…
خمرة صافية ما عر بدا
قضاته: لمّا غلب أحمد بن الأفضل على الآمر، أبقى محمد ابن هبة الله ابن ميسّر القيسرانى على القضاء، ثم صرفه الحافظ واستقضى أبا الفخر صالح بن عبد الله بن أبى رجاء؛ ثم قبض عليه الوزير يانس الرّومى وقتله، فولّى سراج الدّين أبو الثّريّا نجم من جعفر، مضافا إلى الدّعوة، إلى أن قتل فى ذى القعدة سنة ثمان وعشرين؛ فأعيد سناء الملك بن ميسّر، فأقام إلى أن قبض عليه فى يوم الأحد لسبع خلون من المحرم سنة إحدى وثلاثين، وسيّر إلى تنّيس فقتل بها. وولى بعده القاضى الأعزّ أبو المكارم أحمد بن عبد الرّحمن بن محمد بن أبى عقيل، إلى أن توفى فى شعبان سنة ثلاث