الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خبر ملك الألمان وما كان من أمره إلى نهايته
قال العماد الأصفهانى: ونمى الخبر بوصول ملك الألمان «1» إلى قسطنطينية فى ثلاثمائة ألف مقاتل على قصد العبور إلى بلاد الإسلام.
فاستنفر الملك الناصر الجيوش والعساكر من كلّ جهة، وجهّز القاضى بهاء الدين شدّاد وأمره بالمسير إلى الدّيوان العزيز ببغداد «2» وأن يمرّ على صاحب سنجار «3» ، وصاحب الموصل «4» ، وصاحب إربل «5» ، ويستدعيهم بأنفسهم وعساكرهم.
قال ابن شدّاد: فسرت فى حادى عشر شهر رمضان سنة خمس وثمانين وخمسمائة، وأبلغت الرّسائل، فأجابوا إلى ذلك، فعدت فى خامس شهر ربيع الأول سنة ستّ وثمانين، وسبقت العساكر «6» .
ثم وصلت العساكر عند انقضاء الشتاء فى شهر ربيع الأول وأمده الخليفة بحمل من النّفط الطّيّار وحملين من القنا، وتوقيع بعشرين ألف دينار يقبض على الدّيوان العزيز من التجار، وخمسة من الزّرّاقين.
وكان العدوّ قد اصطنع ثلاثة أبرجة من الخشب والحديد كالجبال وألبسها الجلود المسقاة بالخل، فيسّر الله تعالى على المسلمين إحراقها، وذلك فى الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول.
قال: وكان السّلطان قد كتب إلى مصر بعمارة الأسطول وإحضاره إلى عكّا، فوصل فى يوم الخميس ثامن الشهر، فكانت الحرب فى هذا اليوم فى ثلاثة مواضع فى البحر، والحصار فى البحر، وكان النّصر بحمد الله للمسلمين.
هذا ما كان من أمر السّلطان لمّا بلغه خبر ملك الألمان.
وأما ملك الألمان فقال ابن الأثير فى تاريخه الكامل:
وفى سنة ست وثمانين وخمسمائة خرج ملك الألمان من بلاده، وهم طائفة من الفرنج من أكثرهم عددا وأشدّهم بأسا، وكان قد أزعجه ملك المسلمين البيت المقدّس، فجمع عساكره وسار بهم، وطريقه فى مسيره على القسطنطينيّة. فأرسل ملك الرّوم «1» بخبره إلى السّلطان، ووعده أنّه لا يمكّنه من العبور إلى بلاده. فلمّا وصل ملك الألمان إلى القسطنطينيّة عجز ملكها عن منعه من العبور لكثرة جموعه، لكنّه منع عنهم الميرة، فقلّت أزواده؛ وساروا حتّى عبروا خليج القسطنطينية، وصاروا على أرض بلاد الإسلام، وهى مملكة الملك قلج أرسلان بن مسعود السلجقى «2» . فلمّا وصلوا إلى أوائلها ثار عليهم التّركمان [فما زالوا]«3» يسايرونهم، فيقتلون من انفرد منهم ويسرقون ما قدروا
عليه؛ فنالهم لذلك مشقّة عظيمة، وهلك كثير منهم من الجوع والبرد وكثرة الثّلوج.
فلمّا قاربوا مدينة قونية خرج إليهم الملك قطب الدين ملكشاه بن قلج أرسلان [ليمنعهم]«1» فعجز عن ذلك، فعاد إلى قونية، فأسرعوا السّير فى أثره فنازلوا قونية وأرسلوا إليه هدية وطلبوا منه أن يأذن للرّعيّة فى بيع الأقوات عليهم، فأذن فى ذلك.
وطلبوا من الملك قطب الدّين أن يأمر رعيّته بالكفّ عنهم وأن يجهّز معهم جماعة من أمرائه رهائن، فخافهم، وسلّم إليهم نيّفا وعشرين أميرا كان يكرههم. فساروا بهم معهم، ولم يمتنع اللّصوص وغيرهم من أذاهم؛ فقبض ملك الألمان على من معه من الأمراء وقيّدهم، فمنهم من مات فى أسره ومنهم من فدى نفسه «2» .
قال ابن شدّاد: وأعوزهم الزّاد وعراهم جوع عظيم، وعجزوا عن حمل أقمشتهم، فجمعوا عددا كثيرة وسلاحا [131] وجعلوا ذلك بيدرا «3» وأضرموا فيه النّار، لعجزهم عن حمله، ولئلّا ينتفع به غيرهم.
قال: وبقيت بعد ذلك رابية من حديد «4» .
قال ابن الأثير: ثمّ سار إلى أن أتى إلى بلاد الأرمن، وصاحبها يومئذ لافون «5» بن اصطفانه بن ليون الأرمنى، فأمدّهم بالأقوات والعلوفات، وحكّمهم فى بلاده، وأظهر الطّاعة لهم. ثمّ سار إلى
أنطاكيّة، وكان فى طريقهم نهر «1» فنزلوا عنده، وعبر ملكهم إليه ليغتسل فيه، فغرق فى مكان لا يبلغ الماء وسط الرّجل فيه. وكفى الله شرّه «2» .
وقال ابن شدّاد: إنه لمّا وصل إلى طرسوس سبح فى النّهر فمرض من شدّة برد الماء فمات؛ ولمّا مات سلقوه فى خلّ وجمعوا عظامه فى كيس ليحملوها إلى القدس ويدفنوها به «3» .
قال ابن الأثير: وكان معه ولد كبير فملك بعده وسار إلى أنطاكية، فاختلف أصحابه عليه؛ وأحبّ بعضهم العود إلى بلاده فتخلّف عنه، ومال بعضهم إلى تمليك أخ له فعاد أيضا، وسار هو فيمن بقى معه، فعرضهم، وكانوا نيّفا وأربعين ألفا وقع فيهم الوباء والموت، فوصلوا إلى أنطاكيّة وكأنّهم قد نبشوا من القبور فتبرّم بهم صاحبها وحسّن لهم المسير إلى عكّا. فساروا على اللاذقية وجبلة وغيرهما من البلاد التى ملكها المسلمون؛ وخرج أهل حلب وغيرها إليهم وأسروا منهم خلقا كثيرا، ومات أكثر ممّن أسر «4» .
قال: وبلغوا إلى طرابلس وأقاموا بها أيّاما فكثر فيهم الموت، فلم يبق منهم إلّا نحو ألف رجل، فركبوا فى البحر إلى الفرنج الذين على عكّا.
ولمّا وصلوا ورأوا ما نالهم فى طريقهم وما هم فيه من الاختلاف عادوا إلى بلادهم، فغرقت بهم المراكب، فلم ينج منهم أحد «5» .